الرئيس وسجينه والصحافية اللبنانية

“دوما مشوية” … “دوما مسلوقة”. غرّدت الشابة اللبنانية جداً، التي تعمل في قناة الـ”أو تي في” العونيّة، غداة قصف بشار الأسد لمدينة دوما براجمات الصواريخ.

“دوما مشويّة” “دوما مسلوقة”… كان عليّ أن أُعيد إيقاعها في ذهني بعد أن صحّح لي صديق اعتقادي بأنّ الشابة صاحبة العبارة “لبنانية جداً”، ذاك أنها بحسبه قوميّة سورية!

كان من الصعب تفادي العبارة. “فايسبوك” أوقفها، لكنّ “تويتر” استمر في تحويلها إلى حساباتنا. جرى ذلك جرّاء مناوشة صغيرة على “فايسبوك” بيني وبين علي الأتاسي حول مقابلة بشار الأسد على “بي بي سي”. والأسد قال في هذه المقابلة إنّ لا علم له باستعمال جيشه البراميل المتفجّرة، وأضاف ساخراً أنه ربما استعمل الجيش “طناجر الضغط” أيضاً.

علي رأى أن في اجراء “بي بي سي” مقابلة مع الأسد “سقطة” أخلاقية ومهنية، بينما كانت وجهة نظري أن الأسد كشف في المقابلة عن انفصاله عن الواقع، وعن ضعفٍ كبير يدفع إلى الاعتقاد أن الرجل صار في خبر كان، وأن السلطة الآن في دمشق هي في يد الحرس الثوري الإيراني.

لكن أن يجري هذا النقاش على وقع تغريدة إعلامية في الـ”أو تي في”، فقد سقط الأمر من يدي. “طناجر ضغط”، و”دوما مشوية” غداة مجزرة كبرى في المدينة… لا مجال هذه المرة إلا بالتسليم لعليّ بأننا في قلب هاوية أخلاقية كبرى، وأنّ محنة أهل دوما مع “رئيسهم” ومعنا ومع “بطلهم” زهران علوش، إنّما هي مأساة نادراً ما مَنَّ التاريخ بمثلها على جماعةٍ وعلى بشر.

الرئيس، ضيف الـ”بي بي سي”، وسجينه الطليق زهران علوش، وبينهما إعلامية “أو تي في”. هنا تقع دوما. تماماً في هذا المثلث. “داعش” تبدو بعيدة هذه المرة، أقرب نقطة لها من هذا المثلث هي في القلمون.

زهران علوش، رئيس دوما، هدّد “داعش” إذا ما اقتربت من إمارته، والرجل المبتسم في شاشة “بي بي سي” مطمئن إلى أنها بعيدة، ولن تُشغل مدافعه عن مهمتهم الوحيدة المتمثلة بقتل أهل دوما، فهو كان نجح في جعل هذا القصف عادياً وروتينياً، وما عاد يشغل أحداً منذ أن بادل هذا القبول بترسانته الكيماوية. لكن أن تقترب “داعش” من هذه المعادلة فربما يتغير شيء فيها.

الرئيس، ضيف الـ”بي بي سي” مطمئن. سجينه الذي أطلقه في نهاية عام 2011، يتولّى المهمة الموكلة له بدقّة. اختطف الناشطين المدنيين الأربعة من دوما، ووجّه مدافعه نحو دمشق، وأعلن أن له عدوين هما “داعش” والنظام، وأن الدين الحق هو الإسلام، وأن المذهب الحقّ هو أهل السُنّة، وأن مستقبل سوريا هو في تطبيق الشريعة.

دوما تُطحَن هناك، بين الرئيس وبين سجينه الطليق. فيما الصحافية اللبنانية العونية السورية القومية الاجتماعية غرّدت على “تويتر”: “دوما مشوية”. تُرى بماذا فكرت عندما قالت ذلك؟ هل يكفي أن تكره أحداً لتحتفل عندما توقد الأفران لحرقه و”شوائه”؟

جرى ذلك بعد أسبوعٍ من حرق “داعش” للطيار الأردني معاذ الكساسبه. مع الإشارة إلى أنّ “أو تي في” استهولت حرق الطيار، لكنّه أمرٌ لم يمنع الصحافية فيها من أن تحتفل بـ”شواء” دوما وأهلها.

(Now)

السابق
بالفيديو: السلطات الإسرائيلية تفرج عن أصغر معتقلة فلسطينية
التالي
سليمان: تدني الإنتاج في الحكومة لا يعالج بتصحيح آلية العمل في هذا التوقيت