لماذا تستمرّ «الدولة الإسلامية» في التمدّد؟

داعش

قد يكون شعار «الدولة الإسلامية باقية وتتمدّد»، أفضل توصيف تطلقه مجموعة مسلحة على نفسها في الإطار الحالي للصراع السوري. فبعد أكثر من أربعة أشهر على انطلاق حملة الهجمات الجوية الدولية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، لا يزال هذا الأخير يوسِّع إلى حدّ كبير المنطقة الخاضعة لسيطرته. ويقال أن الأراضي التي يسيطر عليها في سورية تضاعفت حجماً منذ بدء الهجمات الجوية ضده في أيلول (سبتمبر) الماضي. أما الأسباب فهي عدّة وراء هذا التمدّد الذي يتخطّى المناطق الجغرافية في سورية والعراق ليصبح تمدّداً عالمياً.

أحد الأسباب الرئيسية هو أن التحالف الدولي يكتفي بالهجمات الجوية ولا يطبّق استراتيجية عسكرية تقوم على عناصر متنوّعة مثل الاشتباك على الأرض. فأهمية هذا الاشتباك أصبحت جليةً بعد الخسائر التي تكبّدها تنظيم «الدولة الإسلامية» في المناطق حيث واجه مقاتلوه مقاومةً من البيشمركة، كمنطقة عين العرب (كوباني)، التي أظهرت معاركها أن التنظيم يعاني عندما يواجه جنوداً على الأرض. وهؤلاء الجنود لا ينبغي أن يكونوا غربيين بالضرورة، بل يمكن أن يكونوا من الشرق الأوسط. بيد أن الغرب كان بطيئاً في توفير الدعم العسكري الملائم للمعارضة السورية، والذي كان سيساعدها على مواجهة تمدّد «الدولة الإسلامية» في شكل فعّال أكثر. فالولايات المتحدة لم تعلن إلا أخيراً عن نشرها 400 جندي لتدريب «الجيش السوري الحر»، وهي خطوة إيجابية، لكن تأتي متأخرةً في مجريات اللعبة.

أضِف إلى ذلك، ساهمت هجمات التحالف في شكل غير مباشر في تمدّد «الدولة الإسلامية» من خلال التركيز على العراق بدلاً من سورية. فعندما يشعر التنظيم بأنه أُرهِق بعد محاولته التمدّد نحو منطقة معيّنة، يعمد دائماً إلى الانسحاب من تلك المنطقة لإعادة رصّ صفوفه في المناطق الرئيسية ومراجعة استراتيجيته، ثم يتوسّع مجدداً في اتجاهات مغايرة للمنطقة التي كان يستهدفها في البداية. ومثال على ذلك حصل في العام الفائت عندما حاول تنظيم «الدولة الإسلامية» السيطرة على محافظة إدلب في الغرب، لكنه فشل بسبب وقوع حلب ما بين إدلب والرقة، معقله الرئيسي. وبعد الانسحاب إلى الرقة، استدار «الدولة الإسلامية» شرقاً، وهو يحاول منذ ذلك الحين السيطرة على محافظة دير الزور. وبما أن حملة التحالف تركّز على «الدولة الإسلامية» في العراق، انسحبت قوات التنظيم من بعض المناطق العراقية لتركّز طاقاتها على سورية حيث تواجه تحديات أقلّ.

والواقع أن موقف نظام الأسد إزاء «الدولة الإسلامية» هو أحد العوامل التي جعلت سورية ملاذاً آمناً نسبياً لها، وقد مهّد السبيل أمامه للسيطرة على ثلث أراضي البلاد. فقد أشارت دراسة أجرتها منظمة «جاينز» للأبحاث، في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، إلى أنه، حتى ذلك التاريخ، استهدفت 6 في المئة فقط من هجمات النظام مواقع «الدولة الإسلامية». وعلى رغم الهجمات الأخيرة التي شنّها النظام في الرقة، تبقى تلك الهجمات محدودة من حيث النطاق والحدة.

فضلاً عن ذلك، لم تستهدف هجمات النظام ولا هجمات التحالف ضد «الدولة الإسلامية» في شكل أساسي مراكز القيادة أو الجبهات الأمامية الخاصة بهذا التنظيم. وعوضاً عن ذلك، تركّز أساساً على المناطق المُدُنية الرئيسية مثل الرقة، الأمر الذي ترك مراكز القيادة في الصحراء بين سورية والعراق ناشطةً إلى حدّ كبير، كما بقيت حدود المناطق الواقعة تحت سيطرة «الدولة الإسلامية» أرضاً خصبةً لمزيد من التوسّع خارجها.

وما أتاح هذا التمدّد نحو الخارج هو التحالفات المتنامية بين «الدولة الإسلامية» والقبائل المحلية، لا سيما في شمال شرقي سورية. ويكمن سبب هذه التحالفات الجديدة في أن الكثير من القبائل المناهضة للنظام تنظر بعين الريبة إلى نوايا الغرب في محاربة «الدولة الإسلامية». ويشتكي عدد من أفراد القبائل من أن الغرب لم ولا يتدخّل لوضع حدّ لهجوم نظام الأسد عليها، بل يتحرّك فقط ضد «الدولة الإسلامية». بالتالي يرى هؤلاء أن التحالف ضد «الدولة الإسلامية» راضٍ عن نظام الأسد. وفي غياب استراتيجية تؤول إلى كسب تأييد مثل هذه القبائل للتحالف، ستبقى هذه القبائل مستعدةً لتشجيع تمدّد «الدولة الإسلامية».

في غضون ذلك، لا تزال المعارضة السورية منقسمة، فإضافةً إلى الانقسامات السياسية، لا يوجد تنسيق بين الجبهتين الشمالية والجنوبية في مختلف ألوية «الجيش السوري الحر». ولا يزال الشمال إلى حدٍّ بعيد تحت رعاية قطر وتركيا، فيما تشرف دول عربية أخرى، من بينها الأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة، على الجنوب. ويشكو قادة «الجيش السوري الحر» في الشمال من أن الأردن لا يسمح لهم بالوصول إلى سورية من الجنوب عبر أراضيه. في هذه الأثناء، لم يرفض الشمال المحاولات التي تبذلها ألوية الجنوب لتوحيد الجبهتين ضمن إدارة مدنية – عسكرية فحسب، بل واجهت هذه المحاولات أيضاً قيام تجمّعات أو منظمات شاملة متوازية على أيدي مجموعات شمالية أو جنوبية أخرى.

وقد سمح غياب التعاون العسكري بين الجبهتين لـ «الدولة الإسلامية» بالبدء في التوسّع جنوباً، حيث اقتصر التحدي الأبرز الذي واجهته على «حزب الله» في جبال القلمون على الحدود السورية – اللبنانية. وفي حال واصلت الجبهتان الشمالية والجنوبية لـ «الجيش السوري الحر» العمل في شكلٍ مستقل وبالتنافس مع بعضهما على حدّ سواء، فسيمهّد ذلك الطريق أمام «الدولة الإسلامية» لإقامة جبهته الجنوبية الخاصة وربطها بأراضيه في الشمال، معتمداً في ذلك على قيادته العسكرية المركزية لإلحاق الهزيمة بالبنية القيادية المنقسمة في المعارضة السورية.

تعود هنا إلى الواجهة مسألة غياب خطة سياسية حول سورية. فقد بدا واضحاً منذ البدء أن الضربات الجوية وحدها لن تكون كافية للقضاء على «الدولة الإسلامية» أو حتى للحدّ من نطاق سيطرته، إلا أن التحالف الدولي المناهض لـ «الدولة الإسلامية» لا يزال يفتقر إلى استراتيجية شاملة للتصدي للتنظيم، وينبغي أن تتضمن هذه الاستراتيجية خريطة طريق قابلة للتحقيق لمعالجة الصراع السوري الأوسع. لقد فشل الغرب في تقديم رؤية في هذا الصدد، الأمر الذي أفسح في المجال أمام روسيا لمحاولة الاستفادة من هذا الفراغ عبر الدعوة إلى إجراء محادثات بين النظام السوري والمعارضة. كما أن إعلان وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن تأييده لهذه المحادثات ودعمه للطرح الذي قدّمه المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، والذي يقضي بتنفيذ عمليات وقف إطلاق نار محلية في حلب، يشير بقوة إلى تعب الغرب، وعدم الجديّة في حلّ الصراع، وضعف الاهتمام في التطورات الميدانية في سورية.

في حلب، تم حصر «الجيش السوري الحر» في منطقة ليس لها سوى ممر واحد محتمل إلى خارج المحافظة. وفي غضون ذلك، يسعى كلٌّ من «جبهة النصرة» و «الدولة الإسلامية» والنظام السوري إلى السيطرة على عدد أكبر من مناطق المحافظة. وحتى إن وافق النظام على وقف إطلاق النار، فمن المؤكّد أن «الدولة الإسلامية» لن يحذو حذوه، بل سيستغل هذه الفرصة لإلحاق الهزيمة بـ «الجيش السوري الحر». وتعني قوة النظام السوري النسبية مقارنةً بـ «الجيش الحر»، إضافةً إلى استمرار النظام في الإفادة من «الدولة الإسلامية»، أن هذا الأخير لن يستغل وقف إطلاق النار لاستهداف النظام السوري. فوقف إطلاق النار في ظل غياب خطة لتعزيز «الجيش السوري الحر»، يعني في شكلٍ فعال تسليم المحافظة إلى النظام و «الدولة الإسلامية». في غضون ذلك، لا يمكن روسيا أن تكون وسيطاً محايداً في صراع تشكّل فيه داعماً أساسيّاً لإحدى الجهات المتحاربة. مع ذلك، مارس دي ميستورا ضغطاً على قادة المعارضة السورية لحضور المحادثات في موسكو، الأمر الذي يشي بأن الغرب أكثر اهتماماً في تخفيف حدّة شعوره بالعجز، من تسلّمه قيادة عمليةٍ انتقاليةٍ قابلةٍ للاستمرار في سورية.

إن الركود السياسي الذي يلفّ الصراع السوري، وافتقار التحالف الدولي إلى استراتيجية عسكرية يصبّان مباشرة في مصلحة «الدولة الإسلامية». ويتشارك الغرب ومختلف فصائل المعارضة السورية في تحمّل مسؤولية ذلك. وفي المقابل، تحضّ النجاحات التي يسجّلها «الدولة الإسلامية» في سورية مؤيّديه على تأكيد وجودهم ونفوذهم، ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل أيضاً على المستوى العالمي من خلال هجمات إرهابية مختلفة. وقد منح هذا الأمر بُعداً آخر لشعار «الدولة الإسلامية»، ذلك أن التمدّد الجغرافي في الشرق الأوسط يترافق مع التوسّع الرمزي للتنظيم حول العالم.

السابق
هل يعود السجناء الإسلاميون قريباً إلى المبنى «ب»؟
التالي
حكومة ليبيا الموقتة تقرر إقفال سفارات عدة في الخارج