عبدالله إسكندر… سقط الفارس

نعى دار "الحياة" وعائلة اسكندر فقيدها عبدالله اسكندر، مدير تحرير الحياة، الذي وافته المنية في باريس ليل الأحد. وتحتفل العائلة بالصلاة عن نفسه في كنيسة الحبل بلا دنس في بلدة القبيات الذوق اللبنانية عند الثالثة والنصف من بعد ظهر السبت في 24 كانون الثاني. وتُقبل التعازي بعد الصلاة في صالون الكنيسة.

صديقي الأرمني كان اول من لفت نظري الى فروسية وشهامة عبدالله إسكندر، كان يحدثني عن شهامته وشهامة اخوه الضابط بالجيش اللبناني، ومساعدتهم للمظلومين، ووقوفهم مع والده في المحكمة واثبات برائته. منذ ذالك الحين وانا أتابع كتاباته.

كان عبدالله مشغولاً بهموم لبنان والعالم العربي وكانت مؤسسة الرئاسة اللبنانية ودورها وحفظ دور مسيحيي الشرق وموقع الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي من همومه. كتب حول ذلك في ١٩/٤/٢٠١٤ ” وإذا كان أحد من الطامحين إلى الرئاسة يرغب فعلاً في انتخابه، فعليه إذن أن يستجيب لدفتر الشروط التي وضعها «حزب الله» لشغل المنصب، وهي الشروط التي تنسف مبدأ الحوار الوطني والإجماع على الاستراتيجية الدفاعية كما تنسف مبادئ «إعلان بعبدا»، خصوصاً لجهة الموقف من الصراع في سورية”.

التوازن والتمثيل الحقيقي كان أيضاً من همومه وكتب حول ذلك “فانتخاب الرئيس هو العمل الدستوري الأساس في النظام السياسي اللبناني، والشخصية التي تتولى المنصب يفترض أن تكون ممثلة معنى العيش المشترك والشراكة السياسية بين الطوائف”.

لم يكن التوازن بالنسبة لعبد الله إسكندر هو فقط على مستوى الاسلامي المسيحي وهو أيضاً على المستوى الوطني وداخل الصف الاسلامي وكتب حول التمثيل والتوازن الوطنيين بانتخاب الرئيس في ١٩/٤/٢٠١٤ ” فالنصاب لا يكون مضموناً في حضور العدد المطلوب من النواب لجلسة الانتخاب، وإنما أيضاً بأن يعبر هذا الحضور عن صيغة العيش المشترك. وهي الصيغة التي يصعب الحديث عنها في ظل إرهاب أبرز ممثل للسنّة إلى حد منعه من الحضور(ويقصد بذلك الرئيس سعد الحريري).

من أين يأتي هذا الإرهاب؟ يمكن التذكير بأن رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري اغتيل بتفجير في ظل النظام الأمني المشترك السوري – اللبناني، والذي ورثه «حزب الله» بفرض هيمنته بالقوة المسلحة على كل الحياة السياسية اللبنانية. كما أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وجهت الاتهام بالاسم لعناصر في هذا «الحزب». وكرر سعد الحريري مراراً أن قتلة والده باتوا معروفين، بما هم أعضاء في «حزب الله» الذي من مصلحته السياسية والأمنية أن ينهك بكل الوسائل، معسكر خصومه، في 14 آذار وزعيم تيار المستقبل أبرزهم”.

سوريا وديمقراطيتها وحريتها كانت من هموم عبدالله إسكندر وكان من أنصار حرية سوريا وديمقراطيتها كتب حول ذلك في ٢٣ نيسان ٢٠١٤، ” يعتبر النظام السوري أن من الطبيعي أن يظهر دهشة، مفتعلة بالطبع، إزاء الردود على دعوته الى انتخابات برلمانية سابقاً ورئاسية قريباً. فمنذ ان حكم هذا النظام سورية جعل، بنص دستوري، قضية الانتخابات والديموقراطية، قضية تعيين واستفتاء. ولم يكن احد في العالم، باستثناء بعض الأصوات السورية التي خُنقت سريعاً، يحتج او يندد بالتمديد للرئيس الراحل حافظ الاسد عبر استفتاء كمرشح وحيد، او عندما كان الراحل يعين أعضاء مجلس الشعب عبر شبه استفتاء كون لائحة الحزب الحاكم هي الوحيدة المطروحة امام الناخبين. وعندما غاب الرئيس السابق، ورث الحكم نجله الرئيس الحالي بشار الاسد عبر تعديل دستوري على مقاسه، بعيداً من اي انتخاب او مبادئ ديموقراطية. ولم يُسمع صوت في العالم يحتج ويندد بالمهزلة الديموقراطية. لا بل سُمع كثير من الاطراء لشخصية الرئيس الجديد «الغربي النزعة» والتأييد لسلاسة التوريث”.

حسم عبدالله اسكندر عدم قدرة النظام السوري على التحول الديمقراطي وكتب في ٢٣ نيسان ٢٠١٤ “لا يستهتر النظام السوري بشعبه وبكل قواعد الديموقراطية والتعددية والرأي العام العالمي والقواعد الدولية والحقوقية والانسانية فحسب. انه يؤكد وفاءه للذين دعموه وحموه ووفروا له الغطاء. وانه يؤكد ان ثمة مرحلة جديدة من ادارة الصراع ليس بينها الحل السلمي والتغيير الديموقراطي في سورية”.

الاستبداد وداعش كانا صنوان بنظر عبدالله اسكندر وداعش هي وليدة الأنظمة الاستبدادية في سوريا والعراق وايران، والمبرر لاستمرار استبداد أنظمة تلك الدول الثلاث وكتب حول ذلك في ٧ يناير ٢٠١٤ ” أشار كثيرون إلى مدى التزامن بين انتعاش «داعش» في سورية والعراق مع سياسة مدروسة للنظام في البلدين بإطلاق أو تهريب إرهابيين موصوفين من أجل أن يغذوا الإرهاب خارج السجون. وليس صدفة تزامن معارك «داعش» في العراق وسورية مع الإعداد لمؤتمر «جنيف 2»، فهذا أسهل السبل لفرض الإرهاب على جدول الأعمال وليس كيفية التخلص من الاستبداد”.

اهم نبوءات عبدالله اسكندر كانت استحالة التفاهم مع حزب الله وفريقه لأن الحزب جل ما يريده من الفريق الآخر هو الانصياع لأجندته فكتب في ٢٤ نوفمبر ٢٠١٤ “الأزمة باتت تتعلق بقناعة لدى قسم من اللبنانيين تتزايد مؤشراتها الى ان التوافق مع القسم الآخر لم يعد ضرورياً للتعايش. والأخطر في هذه القناعة انها تصدر عن القسم الأكثر تسليحاً واستعداداً للقتال في الداخل، بعدما قاتل في سورية حيث الصراع بات صراعاً مذهبياً صريحاً وتتقاتل فيه الاطراف بصفته تلك. كما حرص على اعلان هذا التقدم من اجل تأكيد ان امساكه، حتى الآن، عن استخدام القوة في الداخل اللبناني ضد جماعة المذهب الآخر الذي يقاتل بعضه في سورية، هو نوع من اعطاء الفرص للآخرين لينضموا اليه طوعاً وينفذوا أغراضه، قبل ان يضطر لاحقاً الى ارغامهم، عنوة، على ذلك”.

سقط الفارس الا ان أفكاره باقية وحلمه لبنان وسوريا ديمقراطيان تبقى علماً خفاقاً. سيسقط الاستبداد وتبقى الحرية هدفاً أسمى عبدالله اسكندر وداعاً.

 

السابق
ايران تعلن عن مقتل قيادي في الحرس الثوري في القنيطرة
التالي
الادعاء على شخصين في ملف تزوير الأدوية