أهدى رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو مواطنيه قانوناً جديداً للأمومة، يمنح الأب إجازة وضع مع الأم، ويهديها مبلغاً مالياً مع كلّ مولود وإجازة وضع إضافية. وتزامن القانون مع نقاش في تركيا في شأن خدمة أخرى تتمثّل في اتفاق بين وزارة الصحة ورئاسة الشؤون الدينية التابعة لرئاسة الحكومة، من أجل تأمين رجال دين في المستشفيات لرفع الروح المعنوية للمرضى.
الخبر أثار سجالاً في وسائل الإعلام التركية في شأن المنتديات الدينية، اذ دان بعضها هذا التوجّه الذي يشبه اعتماد الغرب رهباناً في المستشفيات، للتحدث إلى مصابين بأمراض مستعصية، أو مع مَن فُقِد الأمل بعلاجهم وباتوا على شفير الموت.
وعلّقت صحف ساخرةً: «أيّ دعم معنوي سيناله رجل في طريقه إلى غرفة العمليات»؟ وتساءلت: «لماذا لا يكون هذا دور اختصاصي نفسيّ أو اجتماعي، بدل اعتماد إمام في المستشفيات»؟
لكن الكاتب الساخر يلماز أوزديل لفت إلى زاوية أخرى للخبر، اذ سأل مَن سيتحمّل نفقات «رجال الدين» وأجورهم؟… خصوصاً أن موازنة رئاسة الشؤون الدينية التي تتجاوز 5.5 بليون ليرة تركية (نحو بليوني دولار)، تمثّل نحو ضعف موازنة وزارة الصحة، وتعادل تقريباً مجموع موازنات 7 وزارات، بينها البحث العلمي والاقتصاد والتنمية. وتمنّى أوزديل ألا تتحمّل وزارة الصحة تلك النفقات، اذ تعاني عجزاً مالياً يمنعها من توظيف 100 ألف طبيب تحتاج إلى خدماتهم.
وتفيد أرقام بأن في تركيا 107 آلاف طبيب يعملون في مستشفيات الدولة، في مقابل 122 ألف إمام يعملون في رئاسة الشؤون الدينية.
لكن الموازنة الضخمة لرئاسة الشؤون الدينية ليست مخصصة فقط لرواتب الأئمة ونفقات الجوامع، اذ هناك نفقات أخرى أغضب كشفها المعارضة، مثل شراء سيارة فارهة لرئيس الشؤون الدينية قيمتها مليون ليرة (نحو 400 ألف دولار)، ورواتب مئات من رجال الإفتاء الذين يردّون على أسئلة يوجّهها مواطنون في شؤون الدين.
وفي إطار الحديث عن المفتين، أُحيل أحدهم الأسبوع الماضي على التحقيق، بعدما دان تصريحات للنائب في حزب «العدالة والتنمية» الحاكم محمد متينار، حاول عبرها تبرير توظيف مئات من أقارب وزراء في الحكومة، مشيراً إلى أن آيات من سورة النحل في القرآن الكريم، تتضمّن أمراً صريحاً بمساعدة الأقارب، وأنهم أولى بوظائف الدولة. وعندما اعترض مقدّم البرنامج، تحدّاه متينار قائلاً: «هل تُكذّب كلام الله وتريد أن تكفر»؟
المفتي زكي بييك الذي سُئل عن فحوى الآية، ندد بتصريحات متينار، مشدداً على خطورة استخدام الدين لأغراض سياسية. لكنه فوجئ بإحالته على التحقيق بسبب موقفه.
يُذكر أن رئاسة الشؤون الدينية هي من المؤسسات التي أنشأها مصطفى كمال أتاتورك عام 1924، من أجل فرض سيطرة الدولة على الخطاب الديني، وحصر نشاط الجماعات الدينية، واستخدمها العسكر بعد ذلك في خدمة الغرب أثناء الحرب الباردة.
وتعدّ في مقدّم المؤسسات التي ينتقدها التيار الإسلامي في تركيا، ويعتبرها من «ثمار علمنة المجتمع». لكن حزب «العدالة والتنمية» ذا الجذور الإسلامية سعى إلى دعم هذه المؤسسة مالياً وسياسياً، وترقية المقربين داخلها، لتستوعب عدداً ضخماً من خرّيجي المدارس والكليات الدينية التي زاد عددها في عهد الحزب، إذ يتخرّج سنوياً في تركيا حوالى 60 ألف إمام.