لبنانيون في «داعش»

العنصر اللبناني ليس غريباً ولا طارئاً على بنية تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» – «داعش»، بل هو متواجد فيه منذ بدايات تأسيسه، عندما كان أبوه الروحي أبو مصعب الزرقاوي يضع اللبنات الأولى لإقامة مشروعه التكفيري في المنطقة. ورغم التقلبات التي طرأت على حجم تواجد العنصر اللبناني، إلا أن المعطيات الأخيرة تشير إلى أنه آخذ بالارتفاع، خصوصاً خلال العام الماضي.

«بيعات» لبنانية نوعية
وكان وصول أبي عبيدة اللبناني إلى سوريا قادماً من أفغانستان مؤشراً مهما على أن انخراط «الجهاديين اللبنانيين» لا يقتصر على الكم، وإنما يتعلق أيضاً بالنوع. ويمكن التأكيد أن أبا عبيدة يعتبر من أبرز قيادات تنظيم «القاعدة» التي أعلنت مبايعتها لزعيم «الدولة الإسلامية» أبي بكر البغدادي.
ورغم أن أسماء مثل أبي جرير الشمالي (أبو ثائر) حظيت باهتمام إعلامي، إلا أن انضمام أبي عبيدة إلى «داعش» يعتبر الصفعة الأقوى التي يتلقاها تنظيم «القاعدة» نظراً لما يمثله الرجل من مصداقية وما يحمله من خبرات عسكرية وأمنية. وقد يكون هذا أحد الأسباب التي دفعت إلى إخفائه وعدم إظهاره إعلامياً.
وليس هناك أي معلومات متوافرة عن الهوية الحقيقة للرجل، لكنه شغل مناصب مهمة في قيادة «القاعدة» في خراسان، كان آخرها رئيس لجنة التدريب العسكري التي تتولى تدريب المقاتلين، وتهيئتهم وتسليمهم إلى اللجنة العسكرية المسؤولة عن توزيعهم على الكتائب، وهو منصب حساس للغاية، ويتيح لمن يتولاه أن يطلع على الكثير من أسرار التنظيم وهويات مقاتليه وإمكاناتهم، ناهيك عن كونه يملك أسرار برامج التدريب العسكري والأمني التي يخضع لها هؤلاء.
ولا شك أن ورود اسم أبي عبيدة على رأس قائمة الموقعين على بيان «البيعة الخراسانية»، الذي أعلن فيه عدد من قيادات «خراسان» انضمامهم إلى «داعش» في نيسان الماضي، شكل مفاجأة كبيرة لقيادة «القاعدة»، خصوصاً في ضوء الانتقادات الشديدة التي وجهت إليها من قبل موقعي البيان.
وبالرغم من أنه لا يشغل أي منصب قيادي حالي في «الدولة الإسلامية» إلا أنه يلعب دوراً بارزاً في إعداد برامج التدريب والإشراف على المعسكرات، كما أنه يقوم بالتواصل مع العديد من الكوادر اللبنانية التي سبق لها القتال في أفغانستان أو العراق لإقناعها بالانضمام إلى التنظيم التكفيري.
ولا يكتفي أبو عبيدة بالاتصالات، بل يلجأ أحياناً إلى كتابة بعض المقالات، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، عبر بعض أنصار «الدولة» كونه لا يملك حساباً خاصاً به، تتضمن تحريضاً للشباب للانتساب إلى «داعش»، مع انتقادات ذكية يوجهها إلى تنظيم «القاعدة» ونهج قيادته الجديدة.
كذلك وصل إلى سوريا معلناً بيعته الى البغدادي، وانضمامه إلى صفوف مقاتلي «الدولة الإسلامية» اللبناني المعروف باسم «البتار الدندشي» وذلك أواخر العام الماضي. ولا يملك الدندشي خبرات عسكرية، لكنه كان أحد أعضاء «شبكة شموخ» الإعلامية، وهو قلم معروف في أوساط «الجهاديين»، ولقيت مبايعته للبغدادي احتفاءً كبيراً نظراً لأهميتها المعنوية.
أحد مؤسسي «داعش» لبناني الجنسية
لكن العلاقة بين «الجهاديين» اللبنانيين وتنظيم «الدولة الإسلامية» قديم، ويعود إلى الأيام الأولى التي أسست لوجوده في العراق.
وفي هذا السياق يعتبر اللبناني مصطفى رمضان، الذي حمل في ما بعد لقب أبي محمد اللبناني، أحد أبرز المقربين إلى أبي مصعب الزرقاوي، وما زال يشار إليه بعد سنوات من مقتله، من قبل أنصار «الدولة الإسلامية» باعتباره من المؤسسين الأوائل.
وإذا كان رمضان أول لبناني معروف يتجه نحو العراق للقتال تحت راية الزرقاوي، فقد لحق به في ما بعد عشرات، إن لم يكن مئات اللبنانيين ممن لعب رمضان نفسه دور المنسِّق لإيصالهم إلى جبهات العراق المشتعلة.
ويلاحظ أن حماسة «الجهاديين» اللبنانيين للسفر إلى العراق تفوقت بأضعاف على حماستهم للسفر إلى أفغانستان قبل ذلك، حيث كانت ندرة العنصر اللبناني في صفوف «الأفغان العرب» ظاهرة لفتت الانتباه إليها من قبل بعض قادة «الجهاد» آنذاك، حتى أن الشيخ عبدالله عزام (الذي اغتيل أواخر 1989 في مدينة بيشاور الباكستانية) أشار إلى هذه «الندرة» أثناء تشييع شاب فلسطيني من مخيم صبرا في مدينة بيشاور. وشرح عزام حينها أن الإغراءات التي يمثلها لبنان للشباب هي التي تعيق اندفاعهم إلى «الجهاد».
لكن هذا لا يمنع أن بعض اللبنانيين ذهبوا إلى أفغانستان وشاركوا في القتال ضد قوات الاتحاد السوفياتي سابقاً، مثل أبي حفص اللبناني الذي قتل في إحدى المواجهات آنذاك.
أما في العراق فقد كان الأمر مختلفاً، فما لفت الانتباه ليس «الندرة» وإنما «كثافة» توجّه اللبنانيين إليه للمشاركة في القتال. وبغض النظر عن العوامل التي أدت إلى ذلك، ومنها مساهمة بعض الحكومات في تسهيل حركة «التيارات السلفية الجهادية»، وغض الطرف عن توجه أتباعها إلى العراق بحجة مقاومة الاحتلال الأميركي، فإن الواقع الذي لا مفر منه أن العشرات وربما المئات من اللبنانيين انخرطوا في القتال في العراق، وكان غالبيتهم يقاتل ضمن تنظيم «دولة العراق الإسلام ية»، بحكم أنه كان الواجهة الشرعية لتنظيم «القاعدة» القادر على استقطاب المقاتلين الأجانب وتجنيدهم في صفوفه.
ومنذ بدء الأزمة السورية في العام 2011 عادت أعداد اللبنانيين المشاركين في القتال إلى التزايد، بعد أن كانت الفترة الممتدة بين العامين 2007 و2011 قد شهدت تقلص أعداد هؤلاء وتراجعها نتيجة الظروف الميدانية في العراق، وبدء حرب «صحوات العشائر» ضد «دولة العراق الإسلامية» والخسائر الكبيرة التي لحقت به جراء هذه الحرب.
وإذا كان قسم من «الجهاديين» اللبنانيين قد اختار القتال ضمن فصائل مستقلة، مثل جماعة «جند الشام» التي كانت تسيطر على منطقة الحصن بريف حمص، أو «كتائب عبد الله عزام» التي لعبت دوراً كبيراً في إمداد المجموعات المسلحة وتهريب «المقاتلين الأجانب» إلى الداخل السوري، فإن قسماً آخر قرر الانتساب إلى بعض الفصائل الموجودة على الأرض، ومن أهمها «جبهة النصرة» و «الدولة الإسلامية».
ورغم عدم وجود إحصاء دقيق لعدد «الجهاديين» اللبنانيين المنتمين إلى «الدولة الإسلامية»، إلا أن كافة المؤشرات تدل على أن الخط البياني ذاهب باتجاه الأعلى. ففي تموز الماضي أُعلن عن أول عملية انتحارية ينفذها لبناني في الأراضي العراقية، وهو مصطفى عبد الحي، الملقب بأبي حفص اللبناني، وهو من سكان منطقة «المنكوبين» في طرابلس، ونفذ عمليته في محافظة بغداد بعد أقل من شهر على إعلان «الخلافة الإسلامية». وبعده بحوالي شهر فقط فجر لبناني آخر هو هشام الحاج، المعروف بلقب أبي طلحة اللبناني، نفسه بعربة مفخخة بـ 300 كيلوغرام من المتفجرات في بغداد الجديدة. وفي تشرين الثاني الماضي فجر أبو عبيدة الطرابلسي نفسه في مدينة كركوك. ومؤخراً سقط عدة قتلى لبنانيين كانوا يقاتلون ضمن صفوف «الدولة الإسلامية» ضد الجيش السوري، أبرزهم أحمد دندشي وخالد دندشي في معركة حقل الشاعر في ريف حمص.

السابق
بالصور: داعش يقطع يد متهم بالسرقة في سوريا
التالي
بالصور والفيديو: كيف بدت المناطق اللبنانية صباح اليوم؟