مذكّرات سجين على أوراق سجائر

دوّن المقاتل المتمرد السابق خورخي تيسكورينا يومياته في السجن في الأوروغواي على مدى 13 عاماً اعتباراً من عام 1972 على أوراق السجائر، ليصبح إرثه هذا مدرجاً في سجل ذاكرة العالم لمنظمة اليونيسكو.
يبلغ خورخي اليوم 70 عاماً، وحين كان في السابعة والعشرين، أُلقي وراء القضبان في الستينات لانتمائه إلى حركة التحرير الوطنية المتشددة «توباماروس» التي كان في صفوفها الرئيس اليساري الحالي خوسيه موييكا.
فور دخوله السجن، راودته فكرة تسجيل يومياته على قطعة ورق، لكنه أضاعها حين نقل إلى سجن آخر عام 1973. وكان ذاك السجن الجديد يكتظ بالمعارضين السياسيين من دول أميركا اللاتينية.
ويروي خورخي: «حين تكون في السجن ولا يصل إليك ضوء النهار، تفقد الشعور بالوقت، ثم لا تعود قادراً على تمييز الأيام». لذلك، كان تدوين اليوميات تسجيلاً للأفكار والخواطر، وفي الوقت نفسه تأريخاً للأيام.
وشعر خورخي لدى نقله إلى السجن الجديد بأنه سيلبث فيه وقتاً طويلاً، فبدأ كتابة يومياته على أوراق السجائر. وتروي الكتابات الأولى ذكرياته عن الأيام السابقة للسجن، ثم الزيارة الأولى التي حصل عليها بعد تسعة أشهر، وحين سمح له السجانون بأن يشرب المتة، المشروب الشعبي في أميركا اللاتينية.
ويضيف السجين السابق: «صارت مفكرتي تكبر مع مرور الوقت وتفاصيل الحياة والأحداث في السجن، وما بدأ كحاجة إلى تدوين ما يجري معي، أصبح أكثر تعقيداً مع ازدياد الأحداث».
ولم تعد هذه التدوينات خاصة وشخصية بمقدار ما صارت تصور السجن والحياة فيه، من اللقاحات التي كانت تعطى للسجناء، إلى الأفلام التي تعرض لهم، وسلوك الحراس معهم، ومرض رفاق السجن وموت بعضهم.
في البدء، لم يكن خورخي يفكر في أن يخبئ كتاباته عن الحراس، لكنه أدرك في ما بعد أن ما يكتبه قد لا يروق للرقابة، فبدأ صنع أحذية خشبية كان يدسّ فيها مذكراته بعناية. وفي 10 آذار (مارس) 1985، تغيّر الحكم في الأوروغواي وحلت الديموقراطية فيها، فخرج خورخي إلى الحرية، ونسي أمر مذكراته التي كتبها يوماً بيوم على مدى 4646 يوماً.
ويقول: «انخرطت في المجتمع مجدداً، وظلت الأوراق في الأحذية سنوات طويلة». وعام 2000 كان يستذكر مع رفاق السجن السابقين ذكرياتهم، فخطر له أن يخرج مذكراته من مخابئها. وفي عام 2012 ذاع صيت هذه القصة حين أنجز أحد رفاق خورخي في السجن فيلماً وثائقياً في عنوان «التقويم»، وصارت الآن مدرجة في سجل ذاكرة العالم لمنظمة اليونيسكو.

السابق
٢٠١٤ عام «داعش» و… الخلل الذي أصاب العالم
التالي
سقوط طائرة ثالثة يؤكد أنّ 2014 هو عام «اللعنة الماليزية»!