النوادي الفلسطينية في الجامعات اللبنانيّة: نحن هنا.. ولكن

الجامعة الأميركية
بين التفتيش عبثاً عن عدد المقاعد التي حصدها الطلاب الفلسطينيون في انتخابات "الجامعة الأميركيّة في بيروت" ورصد النشاطات الشبابية "الخجولة" المواكبة للهجمات على المسجد الأقصى، يُلاحظ الباحث خفوت الصوت الفلسطيني في الجامعات اللبنانيّة. التفاصيل في مقال ينفرد موقع "جنوبية” بالتعاون مع مركز "تطوير للدراسات" بنشره من ضمن أبرز المواضيع الواردة في التقرير السادس للمركز (حلقة النقاش الخامسة).

بين التفتيش عبثاً عن عدد المقاعد التي حصدها الطلاب الفلسطينيون في انتخابات “الجامعة الأميركيّة في بيروت” – وهذه الأخيرة ترسم لوحةً مصغّرةً عن أحوال القوى السياسية والمجتمعية في لبنان – ورصد النشاطات الشبابية “الخجولة” المواكبة للهجمات على المسجد الأقصى، يُلاحظ الباحث خفوت الصوت الفلسطيني في الجامعات اللبنانيّة. وفيما تؤثر جملة من الوقائع في مستوى هذا الصوت، من الخلاف السياسي الفلسطيني المستعر داخلياً، مروراً بتراجع الإهتمام اللبناني (العربي) بـ “القضية” حيث أن “البوصلة” لم تعد تتجه نحو فلسطين، بدون إغفال الغرق الشعبي باليومي والمعاش، بعيداً عن أي أفكار أو أهداف أو حقوق انسانية… تبيّن معاينة نشاطات النوادي الفلسطينية في الجامعات اللبنانية عن كثب، انكفاء الأهداف عن السياسة والمشاركة الطالبية الفاعلة، والركون الى جمع حاملي الهوية الفلسطينية من الشباب تحت مظلّة مدوّن على قماشها ذي النسيج الخفيف “نحن هنا”، عسى أن يراها الآخر!

ذات صباح هادئ في “الأميركية“، يتحدّث رئيس “النادي الثقافي الفلسطيني” في “الجامعة الأميركية في بيروت” علي يوسف لـ”تطوير” عن حرص أعضاء “النادي” على استقلاليّة هذا “الجسم”، ومحاولاتهم الإبقاء على لونه الشفّاف، بعيداً عن أصباغ الفصائل الفلسطينية، وبالتالي عدم التموضع في حضن أي من الفريقين السياسيين البارزين في “الجامعة”، والمتمثّلين في 8 و14 آذار (مارس). إلا أنّه ممّا يترتب على هذه القاعدة: الامتناع عن الترشّح في الانتخابات الطلابية، والتصويت الفردي بدون قرار “أعلى” من مجموعة تضمّ 130 عضواً، مع انحصار اهتمام “النادي” في التعريف بفلسطين ورجالاتها، والتذكير بالتواريخ الهامة العائدة للوطن المغتصب، كما إطلاع الأعضاء من الطلاب الجدد على حقوقهم في داخل الجامعة، والترفيه عنهم…
وإذا كان ما تقدّم لا يرقى بأي شكل من الأشكال إلى دور الطلاب الفلسطينيين السابق والرئيس في النشاط السياسي الفلسطيني واللبناني، حتى الإنسحاب الإسرائيلي من بيروت (حركة القوميين العرب في “الأميركية”، وكذلك “الجبهة الشعبية”، و”فتح”…)، حيث كان مجرّد حضور هؤلاء “نضالاً” وفق مفردات الأمس، لا يمثّل ركود “النادي الفلسطيني” اليوم في “الأميركية” صورة جذابة عن شباب يمتلكون الكثير لإعلاء الصوت بشأنه. وهؤلاء يعانون من النظرة “الدونية” التي يُقابلون بها لمجرّد أنهم يستفيدون من منح دراسية، ويستثنون من عديد من النشاطات (على مستوى فردي) بحجّة أحوالهم الإقتصادية المتردية…
مقابلة الطالب يوسف بنضالات زملاء الأمس، والمقارنة بينها وما هو واقع اليوم، يجعله يصرح: “أن غياب “الظهر السياسي” يجعل موقفنا صعباً للغاية، حتى أن البعض يخفي هويته الفلسطينية في داخل حرم الجامعة، ويبتعد عن الإنتساب للنادي،مدفوعاً بهمّ وحيد هو نيل الإجازة بسلام، فالرحيل!”.
وإذا كان شارع “بلس” في الحمرا حيث حرم “الأميركية” يبرز إحجام الشباب الفلسطينيين عن الحياة الطالبية بمعناها الحقيقي، على الرغم من أنّه يشكّل المكان الوحيد في لبنان الجامع لهذا القدر من الهويات والافكار، ويعبّر عن “الكوسموبوليتية” خير تعبير .. فإن الباحث الذي ييمّم شمالاً، وتحديداً نحو حرم “الجامعة اللبنانية الأميركية” في جبيل، يرى أن الحضور الفلسطيني، الذي كان غير مرغوب فيه ضمن هذه البقعة الجغرافية، قد تحوّل إلى واقع، بدون أن يخلو الأمر من “امتعاض”!
هناك، قوبلت فكرة إنشاء “النادي الثقافي الفلسطيني” في خريف 2013 بالرفض مراراً من قبل رئاسة الجامعة، قبل أن يصرّ جمع من الطلاب على الأمر، ويقدّموا كل “التطمينات” اللازمة عن “استقلاليّة” هذا “الجسم”، مع اقتصار دوره على نشر التراث، على غرار ما تفعله مجموعات ذات جنسيات أخرى في “اللبنانية الأميركية”. ولكن، بعد تذليل العقبات المرافقة للتأسيس، لم يستطع الطلاب الفلسطينيون “القفز” فوق منع الرئاسة لهم من ارتداء الكوفيات!
نشاط “النادي” الأول في بلاد جبيل الهانئة للتعريف ببعض الشخصيات الفلسطينية استقطب كثيرين، إلا أن هذا الأمر لم يعجب بعض الأحزاب الناشطة في “اللبنانية الأميركية”، فانهالت الشكاوى على رئاسة الجامعة، وتعدّدت الطلبات المنادية بغلق “النادي”! ولحسن حظّ الفلسطينيين أن الرئاسة أنصفتهم، وألقت على مسامع الرافضين لحضورهم مطوّلة عن امتثالهم للقوانين، ولو أنها منعت ضمن نشاط هؤلاء الأول الناجح أداء “فرقة الكوفية” للدبكة، بحجة أن أزياء أعضائها تشمل “الكوفية”!
يضمّ “النادي” 60 طالباً، اليوم، جلّهم من الفلسطينيين، بالإضافة إلى البعض المؤيد لهم من جنسيات أخرى، ولكن حراك أعضائه ضمن هذه البيئة حيث الغلبة لحزب “القوات اللبنانية” ليس بسهل! حتى ان سؤال “تطوير” أحد الطلاب الناشطين هناك عن موقفه من “النادي الفلسطيني” لا يُواجه بإيجابية، بل بكلام إنشائي يُتلى سريعاً، بعد إبداء رغبة في التهرّب من المقابلة…
محمود عباسي هو أحد مؤسسي “النادي الفلسطيني” في الجامعة اللبنانية الأميركية”، في حرم جبيل، يؤكد لـ”تطوير” استقلالية هذا التجمع عن الأحزاب الفلسطينية ، مضيفاً أن “القضية الفلسطينية ماتزال المحرّك، ولكن وفق أدوات مختلفة اليوم، فهمّنا يكمن في نشر تراثنا في صفوف من لا يعرف سوى الوجه الحربي من الشخصيّة الفلسطينية”. يقول: “في جبيل نتوّجه إلى الآخر من المنطلق الآتي: لا تحكموا علينا وتؤطرونا في إطار محدّد انطلاقاً ممّا فعله سلفنا، فكل منا لم يقصّر في حق الآخر…
تعالوا لنطوي صفحة الأحقاد الماضية، وليقترب كلّ منّا خطوة تجاه الآخر”.
الطالب عباسي يبدو واعياً لواقعه، فيؤكد “أنا مولود في لبنان، ولا يصح أن أظلّ خائفاً من الآخر، وكذلك لن يرتاح الآخر طالما أنه يناصبني العداء بناء على أحداث الماضي، لذا جاءت فكرة النشاطات الثقافية ضمن “النادي” للتعريف بنا، وكسر الجليد بعض الشيء بيننا وبين الطلاب في جبيل”.
ولكن تجربته بين حرم “قريطم” حيث بدأ دراسته الجامعية في كلية الهندسة، و”جبيل” حيث يستكملها اليوم تثبت أن “خطواتنا مرصودة هنا (جبيل)، وأي نشاط نؤديه يدقّق فيه مقابل أنّه يمرّ مرور الكرام هناك (قريطم)، علماً أن بعض النشاطات يكرّر في الحرمين”.
في أثناء مقاربة الشهادات، ثمة شعور يتسلّل إلى الباحث بأن الطلاب الفلسطينيين غير مرحب بهم في جبيل، خصوصاً من يأتون من مخيّم نهر البارد، حيث ينظر إليهم نظرات مشككة بإستمرار. وفي الأقوال الململمة من هنا وهناك، لا يخلو الأمر من “تلطيشات” فردية تجاههم، ولو أن البعض حتى “القواتي” يطلب الحصول على أصواتهم في الانتخابات!
والسؤال عن تمويل نشاطات “النادي”في ظلّ الإصرار على الإستقلالية، هرباً من فرض أحد الجهات، ومن بينها السفارة الفلسطينية “أجندتها” عليه، يجيب عنه عباسي قائلاً: “نموّل النادي عبر اشتراكات الأعضاء، مع دعم ضئيل نتلقاه من منظمة “جمعية توحيد شبيبة لبنان” غير الحكومية، التي تقدّم المنح للطلاب الفلسطينيين في الجامعات اللبنانية الخاصة”.
وإذا كان التعاون بين النوادي الفلسطينية في الجامعات اللبنانية الخاصة واضحاً، وأمسى تأسيس “التجمع الطلابي الفلسطيني” حقيقة، حتى تظل المظلّة فوق رؤوس الأعضاء بعد تخرجهم، من الملاحظ أن نتاج هذه النوادي ضئيل راهناً؛ فلا يكفي عند تعداده التوقف طويلاً عند إعجاب لبناني متحذلق بطبق “المسخن”، أو علمه “أخيراً” بأنه ممنوع على الطلاب الفلسطينيين دخول القدس، أو حتى تيقنه أن زميله الفلسطيني لا يأتي الكليّة مدججاً بالسلاح!

السابق
حكايا أيتام في المدارس الداخلية بلبنان
التالي
غيرة مؤذن سعودي تتسبب في مقتل آسيوي