Perestroika أبو فاعور … الى أين؟

يعتبر البعض ان الاصلاحات التي برزت الى الواجهة اخيراً على أيدي وزراء، هي بمثابة “ثورة”، يخال لك أنهم يستبدلون فراغاً رئاسياً وهشاشةً أمنية كبيرة بقليلٍ من الامل. نقول “القليل”، خوفاً منا وعلينا بأن نعِدَ أنفسنا، كمواطنين لبنانيين، بأملٍ أكبر، جراء خيبات ظنٍّ سابقة جاءت على إثر فتح و”تبخّر” ملفاتٍ إصلاحية عديدة، صحيةً كانت، أم اقتصادية، أمنية أم بيئية. فما الجديد اليوم؟ وهل يحق لنا أن نأذن لانفسنا، كمواطنين، بوعودٍ أكبر، لا تتوقف عند طرح اشكالية الاصلاح فحسب، بل تتجه نحو متابعة جدية للملفات، باتجاه حلٍ واضح وشامل لكافة الاشكاليات المطروحة؟

“إصلاح” من دون كسر الحائط بين نظام الـ “Perestroika” وأبو فاعور

تشير عميدة كلية العلوم السياسية في الجامعة اليسوعية، كارول شراباتي، أنه مهم جداً فتح تلك المواضيع اليوم، واللآفت أن “كل الملفات فتحت، ونشعر ان لا عودة عنها”… ولكن الى متى، وبأي ضمانة؟

ترى شراباتي، أن حملة أبو فاعور الاصلاحية في وزارة الصحة، جاءت كردِّ فعلٍ لعمل المجتمع المدني المتواصل في مجال متابعة القضايا والفضائح الصحية المتراكمة، والتي ربما احتاجت الى قرار سياسي لِبتِّها. وتوضح شراباتي الى أننا اعتدنا معالجة الملفات في شكلٍ هرميّ يبدأ من الاعلى حيث “القرار”، ويطبّق على الارض، مدعوماً بـ”حراكٍ اجتماعي”. ولكنها تشير الى “أن الضغط بدأ من آخر الهرم”، أي أن تلك الاصلاحات هي، بشكلٍ أساسي، ترجمة لمطالب المجتمع المدني، مشيرةً الى أهمية المواكبة الاعلامية لتلك “الثورة الاصلاحية”، ومستذكرةً برنامج الـ”البيريسترويكا”، التي شملت الإصلاحات الاقتصادية، والذي أطلقه رئيس الاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، مرفقًا إياه بسياسة الـ”غلاسنوست”، التي تعني الشفافية، وتتضمّن حرية إعلامية أكبر في التعبير والكلام في إعادة هيكلة الاتحاد السوفييتي أواخر التسعينيات.

بالنسبة لهيئات المجتمع المدني الناشطة جداً، بحسب شراباتي، فقد ضغطت باتجاه إصلاحٍ طويل الامد، أي أن ترجمته الفعلية، مرفقةً بالقرار أو “التسوية السياسية” التي حصلت، ستترجم على مدى السنوات الآتية، مشيرةً الى أن الملف لن يغلق كحال باقي الملفات، وان متابعتهُ ستنجح، فقط إن لم يتخلّ روّاد الـNGO(s) عنها، على أن يكون لهم تمويل ودعم وطني ومحلّي أكبر.

وتوضح عميدة كلية العلوم السياسية لـ”النهار” أن “الشباب اليوم لم يعد يسامح”، بل سيحاسب ويراقب كل من يُخلّ بأمنه ومستقبله، سواء بقي في لبنان أو تركه. وهنا تذكّر شراباتي بعدد من الجمعيات الناشطة كـ”ALEF” و”Legal Agenda”، “كفى”، “مهارات” وغيرها، وترى في جدول أعمالهم رؤية وأهدافاً واضحة وجدية، حتى وإن اختلف مصدر التمويل وحجمه، فـ”علينا الاستفادة من كل ذرة إصلاح، وبأعين متيقظة على الأهداف غير المباشرة للخارج وسرّ دفق كل هذا المال”.

المهم البدء من مكانٍ ما…

اعتبرت استاذة العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية منى فياض، أنها كمواطنة لبنانية فرحة جداً بمبادرة وزير الصحة وائل أبو فاعور، خصوصاً أن الوضعين السياسي والامني، المنهارَين، يجعلاننا غير قادرين على عمل أي شيء في ظل “بلدٍ محتلّ”. فمن المنطقي واللازم أن نحسّن بيتنا وصحتنا وغذائنا. “فلنبدء بالاصلاح كُلٌ في مكانه وفي أي وقتٍ كان”، وليس على أحد أن ينتظر أو يسأل عن توقيت تلك الاصلاحات خوفاً من الغرق في معاني مبهمة، موضحةً أن “المهم هو البدء من مكانٍ ما”.

تشير فياض أن الاهم هو أن يقوى الوزير أبو فاعور على الصمود في وجه الهجوم السياسي الذي شُن ضده، خصوصاً أن المجتمع المدني من صفه ويدعمهُ، حتى ولو أن بعض الوزراء و”رجال السلطة” كانوا ضد خطوته الاصلاحية، وحاولوا لاسبابٍ تتعلق بمصالحهم الشخصية “تغطية الفاسدين” بهدف كسب المال، كما ترى فياض. ولولا حركة المجتمع المدني ووسائل الاتصال الحديثة، لما كانت هذه الاصلاحات قد تمت، علماً أن بعض أطراف المجتمع المدني كانت قد بدأت حراكها ورقابتها مسبقاً، وهذا ما سهل على أبو فاعور السير في خطوته.

أما بالنسبة للإصلاحات المالية، التي طرحها الوزير علي حسن خليل، فتشير فياض الى أن الامر يختلف كلياً، وأنه لا يجوز أصلاً المقارنة بينها وبين الاصلاح الصحّي لأبو فاعور، و”الذي يحوز ثقتنا أكثر من أي ملف او اصلاح مالي مرتبط بمصالح سياسية”. موضحةً أن الملف المالي منفصل، و”لا يمكننا معالجته بالخطوات التي تقدم بها وزير المال، بل من خلال البحث في عدة ملفات على مستوى الدولة ككل”. من هنا تؤكد فياض تشجيعها لـ”الإصلاحات البسيطة” المتعلقة بالمياه والاكل وما سواها من رقابة على ما يتعلق بحياة الناس اليومية.

إصلاحاتٍ “بديلة” للفراغ الرئاسي؟

اعتبر وزير الاقتصاد السابق، ورئيس “التجمع المدني لسلامة المواطن”، عباس خلف، أن مبادرة الوزير أبو فاعور كانت “ممتازة”، و”أننا، بوجودنا في منطقة مشتعلة على كافة الاصعدة، يصعب علينا أن نتحدث عن “توقيت” معيّن لمعالجة بعض الملفات الاصلاحية”، مشيراً الى أن “التوقيت يفرض نفسه على الجميع” وأن بعض الامور لا نستطيع تأجيلها وإلا خلُصت الى العدم. ويضيف خلف أن استمرارية ونجاح مبادرة وزير الصحة، متّصلة بالظروف وتطورات الملف، ومرفقةٌ بدوام نية الوزير معالجة القضية حتى النهاية. أما بالنسبة لدور المجتمع المدني كمواكب لـهذه “الثورة” الامنية الغذائية، فيؤكد رئيس “التجمع المدني لسلامة المواطن” على ضرورة تلك المساندة إعلامياً وعلى الارض، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وهنا يشير خلف الى “واقعٍ مؤسف” كما يصفه، يعود الى أن “المجتمع المدني ليس موحداً حول رؤية وهدف واضح وصريح، ويقلل من محاولات إنجاز عملية إصلاحية مكافِحة لضخامة الفساد الموجود في البلد”. ومن هنا يذكّر الوزير السابق، بوجوب حصول نقد ذاتي من المجتمع المدني، الذي تضعفُ بغيابه جدوى الاصلاحات وفعاليتها على الارض.

هذا وأمل خلف، في حديثه لـ”النهار”، بألاّ يحصل “تهميش” لملف الدواء والرعاية الصحية، الذي كان قد بدأ بمعالجته الوزير أبو فاعور سابقاً، وهو بنفس خطورة سلامة غذاء المواطن.

أما الاستاذة منى فياض، فترى أن هدف حملة أبو فاعور هو مورد أملٍ للناس أكثر من كونه بديلاً لفراغٍ رئاسي، سببه متعلق بـ”آيادٍ تمنع ملأه” وهو جزء أساسي من كيان الدولة، هشةً كانت أم حية. وتشير فياض الى أنه “لو كان يستحيل علينا اليوم حلّ مصير لبنان في هذه المنطقة المسمومة، فأقلّه لنشرب ونأكل من غير أن نصاب بتسممٍ فعليٍ أخطر قد يقف عائقاً لمستقبل أولادنا وصحتنا”. من هنا تدعو فياض المواطن الى مواصلة رقابته وضغطه على المعنيين، لكي لا نكون جزءاً من هذا الفساد، حتى ولو بسكوتنا عنه.

أسئلة عدة تطرح، وليس فقط بهدف الطرح، بل استجابةً لتساؤلات كلِ مواطن عن نتيجة تلك الخطوات، الناجحة الى الآن. إصلاحات الوزير ابو فاعور لم تأت لكسر النظام السياسي القائم، كما فعل غورباتشوف في “إشتراكيته” الاخيرة، بل هي جزء من واقعٍ حياتي واجتماعي، ترافق مع قرارٍ أو “تسوية” سياسية لـ”تحسين ظروف” عيشنا. إنما في نية هذا الوزير، نوعٌ من البحث عن”حقائق أكبر”، قد تكون أشمل وأخطر، ولا ندري إن كانت ستعالجُ جميعها، ولكن من الاكيد أن لا عودة الى الوراء. وإن كُسِر “الحائط الاكبر” أم لم يكسر، وفي ظل غيابٍ مؤقت لرئيس الجمهورية، يخالُ لنا ان البلد لا يزال “ماشياً” حتى بغياب الرئيس، او كما لو ان مجلس الوزراء يستطيع وحده الحكم والاصلاح؟ ربما يجوز السؤال عن توقيت الاصلاح، وليس عن مضمونه ومنحاه وجديته، فالحق لا يجوز أن يصبح “غريباً”، في كل ما يخص صحة المواطن، وهو حقٌ من حقوقنا الضائعة.

السابق
رعد: جاهزون للحوار مع كل الناس
التالي
اضاءة شجرة ميلادية عملاقة في رميش