بالرغم من أن الموقوفة سجى الدليمي هي زوجة سابقة لزعيم «الدولة الإسلامية» أبو بكر البغدادي، إلا أن الاهتمام بها جاء من قبل «جبهة النصرة» التي هددت بإعدام جنود لبنانيين محتجزين لديها ما لم تطلق السلطات اللبنانية سراحها. فلماذا هذا الاهتمام من «جبهة النصرة» بمصير الموقوفة، مقابل تجاهل تام له من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية» بالرغم من الصلة القوية التي تربط الدليمي بزعيمه البغدادي؟ وهل تعاطي الأخير مع اعتقال الدليمي يدخل حقاً في باب التجاهل أم أنه محاولة لتقليل خسائرها في حال افتضاح الأسرار التي تحملها الدليمي معها؟
بات معروفاً أن سجى الدليمي هي ابنة «الجهادي» العراقي عبد الحميد الدليمي، أو كما يعرف حميد ابراهيم الدليمي، وجميع أبناء الأخير دخلوا سلك «الجهاد» في سن مبكرة، ولم يعد أحد منهم يتمتع بحريته إلا ابنه خالد، حيث اعتقلت ابنته دعاء من قبل السلطات الكردية في أربيل عام 2008 بعد محاولة فاشلة لتنفيذ عملية انتحارية، كما اعتقل ابنه عمر من قبل السلطات العراقية عام 2012.
لم يكن هذا الولوج الجماعي لعائلة الدليمي في «عالم الجهاد» الميزة الوحيدة لها، فهناك ميزة أخرى هي أن هذه العائلة يمكن اعتبارها نموذجاً لحالة التشرذم التي أصابت مئات عائلات «الجهاديين» نتيجة الخلاف الذي حصل بين الجولاني والبغدادي في نيسان 2013.
وتشير المعلومات إلى أن الوالد حميد ابراهيم الدليمي، الذي كان يتمتع بمنصب قيادي في تنظيم «دولة العراق الإسلامية»، كان أحد الكوادر التي أرسلها أبو بكر البغدادي بصحبة أبي محمد الجولاني لتأسيس «جبهة النصرة» في سوريا منتصف عام 2011، ولكنه انقلب على زعيمه السابق البغدادي في أعقاب الخلاف مع الجولاني وقرر تأييد الأخير والوقوف إلى جانبه، حيث بقي يقاتل ضمن صفوف «جبهة النصرة في القلمون» حتى تاريخ 30 أيلول من العام الماضي لتختلف الروايات حول مصيره بين من يقول إنه قتل في معركة دير عطية كما تؤكد العديد من التقارير الإعلامية، ورواية أخرى تتحدث عن اعتقاله من قبل السلطات السورية، وأنه اعتقل آنذاك مع ابنته سجى، وذلك قبل أن تفرج السلطات السورية عن سجى وأبنائها لإتمام صفقة الإفراج عن راهبات معلولا بينما ما يزال هو قيد الاعتقال في دمشق.
ويعتبر الموقف الذي اتخذه حميد الدليمي وشكّل انقلاباً على انتمائه السابق إلى «دولة العراق الإسلامية»، السبب الرئيسي الذي يدفع قيادة «جبهة النصرة» حالياً إلى الاهتمام المبالغ به بمصير ابنته سجى الدليمي والمطالبة بإطلاق سراحها مهما كلف ذلك من أثمان، لأن «جبهة النصرة» تعتبر ذلك أقل ما يمكن فعله تجاه الرجل الذي ترك منصبه القيادي في «دولة العراق الإسلامية» وقرر الوقوف إلى جانبها رغم الضغوط الكبيرة التي كان يتعرض لها، سواء من قيادة تنظيمه السابق أو حتى من أفراد عائلته.
وفي هذا السياق، تشير المعلومات التي حصلت عليها «السفير» من مصدر مقرب من «الدولة الإسلامية» إلى أن خالد حميد الدليمي التحق بوالده في سوريا بعد أشهر فقط من تأسيس «جبهة النصرة» حيث انضم إليها وقاتل ضمن صفوفها في القلمون، ولكنه خلافاً لوالده قرر العودة إلى تنظيمه القديم بعد حصول الخلاف الشهير. ورغم أنه طوال فترة وجود والده لم يبد أي عداء تجاه «جبهة النصرة» إلا أنه سرعان ما ظهر على حقيقته بعد اختفاء والده ـــ سواء قتلاً أو اعتقالاً ـــ وأصبح يجاهر بانتقاده للجولاني وجماعته، مقابل التعبير عن ولائه الأعمى لقيادة «الدولة الإسلامية».
وشارك خالد الدليمي، المعروف الملقب «أبو سليمان البغدادي الدليمي»، في معارك القلمون ضد الجيش السوري و«حزب الله»، كما قام بقصف بعض المناطق اللبنانية بصواريخ غراد، وكان من أوائل من لجأ إلى قطع الرؤوس في منطقة القلمون، وذلك منذ كانون الأول الماضي، حيث لم تكن مثل هذه المشاهد أصبحت معهودة بعد.
وكان أبو سليمان البغدادي حاضراً إلى جانب أبو عزام الكويتي عند مبادلة شقيقته سجى براهبات معلولا في التاسع من آذار 2013، حيث صحب شقيقته واتجه بها إلى أحد المنازل في حوش عرب بالقلمون. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتواجد بها أبو سليمان بصحبة أبي عزام الكويتي حيث كان موجوداً لحظة مقتل الأخير بعد أسبوع فقط من إتمام عملية التبادل، وأصيب في بطنه إصابة اضطرته إلى ملازمة منزله عدة أسابيع، قبل أن يشفى ويقوم بتغيير مكان إقامته.
بعد ذلك انتقل أبو سليمان إلى محافظة الرقة المعقل الرئيسي لـ«الدولة الإسلامية» ثم إلى العراق حيث شارك في بعض المعارك وذلك بين شهري أيار وتموز، حيث عاد أدراجه إلى منطقة القلمون.
وتشير المعطيات المتوافرة إلى أن أبا سليمان يقوم حالياً بدور قيادي في تنظيم «الدولة الإسلامية في القلمون»، ويعتقد أنه هو نفسه من يطلق عليه ناشطو المنطقة اسم «الشيخ الدليمي» في تقاريرهم الإعلامية التي تتحدث عن مفاوضات بين «حزب الله» و«الدولة الإسلامية» بخصوص تبادل الجثث، الأمر الذي يشير إلى كونه أحد المسؤولين عن ملف التفاوض لدى «الدولة الإسلامية». وكانت «السفير» قد أشارت إلى أن «الشيخ الدليمي» هو شقيق سجى، وكانت الشبهات تدور حول شقيقها عمر الذي تبين أنه معتقل في العراق منذ عام 2012، ما يزيد من احتمال أن يكون المقصود هو شقيقها الآخر خالد (أبو سليمان البغدادي)، مع الإشارة إلى أن بعض المصادر تتحدث عن ابي سليمان البغدادي بوصفه «أمير داعش في القلمون»، ولكن لم يمكن التأكد من هذه المعلومة.
هذا الارتباط بين خالد الدليمي وتنظيم «الدولة الإسلامية» وكونه أحد قيادات التنظيم في القلمون على الأقل، علاوة على كون شقيقته سجى هي زوجة سابقة للبغدادي، يؤكد أن الاهتمام بمصير الموقوفة سجى الدليمي ليس حكراً على «جبهة النصرة» كما تشير الوقائع حتى الآن، بل هو من صميم اهتمامات «الدولة الإسلامية». ولكن قد لا يكون هذا الاهتمام على صعيد القيادة العامة للتنظيم وزعيمها أبي بكر البغدادي الذي من غير المعروف إلى الآن طبيعة علاقته بالموقوفة سجى بعد طلاقهما، ولكن من المؤكد أن قيادة «الدولة الإسلامية في القلمون»، والتي يعتبر أبو سليمان أحد أركانها، مهتمة بالموضوع إلى أقصى درجة، ولكنها مضطرة إلى الموازنة بين الاعتبارات الشخصية التي تدفعها إلى الاهتمام، والاعتبارات الأخرى المتعلقة بالخشية من انكشاف بعض الأسرار التي قد تسبب إحراجاً لقيادة التنظيم، سواء على الصعيد الشخصي أو على الصعيد الأمني