ماذا يريد الشباب من المعرض؟

– أسمع به لكنني لم أهتم يوماً بالذهاب إليه.

– المعرض لا يعنيني.. لماذا أنت مهتم؟

– هذا المعرض ليس للشباب!

– أي معرض؟

– إذا كان في البرنامج حفلة موسيقية أخبرني على “الواتس أب”.. خذ رقمي لو سمحت.

– هو معرض للمثقفين ليس للشباب.

– ذهبت مرة ولم يعجبني.

– لأساتذة الجامعة.. أنا طالب.

– أنتم لا تزالون تقرؤون الكتب!

هذه الإجابات التي أمطرت عليّ عندما سألت مجموعة من الشباب عن معرض الكتاب تطرح السؤال بجدية أكثر على القيمين على المعرض، ونحن المتابعون له منذ عقود: من هو جمهور المعرض؟ أين شبابه؟ هل هو لجيل محدد أم لكل الأجيال؟ لا أقصد النوايا بالطبع، فهي حسنة دائماً، إنما نتكلم على الفعل والممارسة والتخطيط.
عندما كنا في مقتبل العمر كنا ننتظر هذا المعرض كما ننتظر عيداً، أو عرساً، نهيئ له لوائح الكتب والميزانية، ونبحث عما يشفي غليلنا. وعندما نذهب إليه كانت ترافقنا أحلامنا وأفكارنا، وتحضر كل السجالات الثقافية التي كانت تهزّنا، من الثقافة الجنسية حتى الفلسفة، مروراً بالشعر والرواية والفنون.
أما اليوم فالذي يتجوّل في معرض بيروت للكتاب العربي الدولي يفتقد كثيراً لحضور جيل الشباب، وقد بدا الذين يؤمّونه يومياً من جيل سبق جيل الشباب، حتى لو وسّعنا قليلاً المسافة داخل هذا الجيل، واعتبرناه ممتداً من سن السادسة عشرة حتى الثلاثين. ذلك أن بعض المتزوجين الجدد يأتون إلى المعرض ليتسوقوا لأطفالهم ما تيسر لهم من كتب، على أساس أنهم هم لا يحتاجون بعد إلى القراءة، أو يكتفون بما تجود عليهم شاشات التلفزة من ثقافة، في الوقت الذي يعملون على إبعاد أطفالهم عنها، وشدّهم للقراءة من خلال كتب يجتهد مؤلفوها ومصمموها في رمي السحر على القراء.
نعم نرى في المعرض وفوداً كثيرة من أسر تضم الأهل والأطفال، تدخل وتتجول على أجنحة الأطفال فقط، ثم يخرجون محمّلين بما تيسر من غذاء لعقول أبنائهم. ويأتي الأطفال أو الفتيان إلى المعرض من خلال المدارس، التي تنظم إداراتها رحلات لزيارة المعرض، بالتنسيق مع إدارته. في حين كان من الأجدى أن يكون الأمر أكثر إلحاحاً على حضور طلاب المدارس اللبنانية كلها، وبإيعاز من وزارة التربية الوطنية، كون هذا المعرض هو الأكبر والأهم والأشمل وذو الصبغة الوطنية العامة في لبنان، وبالتالي لو اشترى كل طالب في لبنان كتاباً واحداً من هذا المعرض لانتعش المعرض وخف تأفف أصحاب دور النشر، وما خسرت الدولة شيئاً. فليس المطلوب أن تدفع الوزارة للطلاب ثمن كتب يشترونها من معرض الكتاب الرسمي، دعماً للقراءة ودور النشر، كما تفعل بعض دول الخليج. المطلوب قرارات دعم لا غير. من أسبوعين كنا نرى في إمارة الشارقة كيف يتوافد الطلاب كل طلاب المدارس إلى المعرض، لا ليشتروا كتباً وحسب، إنما ليشاركوا في ورش قراءة وكتابة ورسم، أو يشاهدوا عروضاً مسرحية لأعمارهم. فلو تقاربت الخطوات بين المسؤولين عن المعرض والمسؤولين في وزارة التربية لكانت النتيجة أفضل بكثير.
المؤسف أن هؤلاء الطلاب الصغار الذين قد تغريهم رحلات المدرسة إلى المعرض، ما إنْ يكبروا ويشبّوا حتى ينسوا المعرض وأهله، كأن المعرض للأطفال والكبار (الكهول والعجزة) فقط، وليس لهم كلهم بالطبع، لا يستقطب كثرة منهم إنما المهتمين فقط. فالقراءة باتت موضة باطلة عند من يكتفون بالتلفزيون من الكبار، حفاظاً على راحة عيونهم، أو جيوبهم في وقت بات سعر الكتاب يوازي أجرة يوم عمل، وتوقاً للاستمتاع أكثر بعصر الصورة وفنون الجذب البصري، ولأن مئات المحطات من شأنها أن تؤمن رغبة المشاهد في التزود بمعلومات في مجالات شتى، تمتد من السجالات السياسية والدينية ولا تنتهي عند فنون الطبخ وعجائب القدرات الجسدية.
النجوم جمهور المعرض
عندما يفكر القيمون على المعرض بجمهور المعرض يتركز اهتمامهم على الشباب، العنصر الأكثر نقصاً في المعرض، من دون الاهتمام بالحفاظ على العناصر الحاضرة أو التوسع في استقطاب الأجيال المواظبة والمهتمة. فحتى الكبار هم في حاجة إلى تحفيز وعناصر جذب، فالذين يطربون لحوار شيق على شاشة التلفزة، أو لتفاهات التنجيم والأبراج البعيدة عن الأسس العلمية، أو لحوارات فكرية أو أدبية أو اجتماعية… هؤلاء يمكن تلبية طلباتهم هذه بما هو أهم مما تؤمنه الشاشة، أي بلقاء النجوم مباشرة ورؤيتهم من قرب والتحاور معهم من دون حواجز. أعرف أن استقدام نجم في أي مجال من المجالات يحتاج إلى بذل مادي من إدارة المعرض، لكنها دورة حياة تتكامل، فمن يأتي بجمهور أكبر إلى المعرض ينشط الحركة داخله، لا سيما البيع، ما يؤمن بالتالي مردوداً، فحضور مليون زائر إلى المعرض غير حضور ثلاثمئة ألف أو حتى أربعمئة، فحتى لو انتعشت الكافيتيريا يمكن أن يرتد ذلك بالنفع على ميزانية المعرض، فكيف إذا زاد المبيع وأقبلت دور نشر إضافية وازدادت المساحة المعتمدة لخريطة المعرض…
المتابع للمعرض بات يعرف وجوهه الأساسيين، فعدد لا بأس به من المثقفين لا يذهب ليشتري كتاباً أو أكثر فقط، إنما يذهب ليلتقي “مجتمع” المعرض، الأصدقاء والصديقات، ويتمتع برؤية الإصدارات الجديدة بعينه، وإن كان لا يستطيع شراء ما يرغب فيه منها. ولا بأس بأن تكون جلسات نميمة ولقاءات غرام، هنا أو هناك، غير أن الغرام يكتمل أكثر بوجود جيل الشباب، ويتحول المعرض إلى مهرجان احتفالي لو استطاع القيمون على المعرض اجتذابهم، بل إنهم لا يأتون إلى المعرض أساساً إلا إذا تأمن لهم هذا الجو الاحتفالي. فالشبان يحتاجون إلى أكثر من أن تكون في المعرض كتب مصفوفة على الرفوف، يحتاجون إلى أن يتحرك الكِتابُ ويرحب بهم، أن يكون الكِتاب مختلفاً، كأن يكون الكترونياً مثلاً، أو يكون عن موضوع يخص الشباب ويهمه ويعنيه ويجذبه. فما كان يجذب جيل الشباب أمس لم يعد كافياً اليوم.
حظهم قليل
قد يكون الأمر في البداية بعيداً عن مسؤولية النادي الثقافي العربي القيم على تنظيم المعرض، إنما من مسؤولية الناشرين الذين يتشاركون مع النادي في إقامة المعرض، فماذا يقدم الناشرون للجيل الشاب؟ هذا هو السؤال الأساسي، في الوقت الذي يمكن أن نصنف ما يخرج من المطابع عندنا بين ما يطلبه الكبار وما يطلبه الصغار من القراء، أما جيل الشباب فحظه قليل جداً.
ماذا يريد جيل الشباب من المعرض؟ قد يكون هذا العنوان مناسباً لإقامة ندوة حوارية داخل المعرض، يأتي شبان معترضون أو مشجعون للمعرض ويعبّرون عن حاجاتهم ورغباتهم وطموحاتهم، وكيف يمكن أن تتحقق داخل حرم المعرض.
يمكننا أن نسأل: ما الذي يغري الشباب اللبناني اليوم ليتحول إلى زائر أساسي في المعرض؟
غير ما ذكرنا من منشورات تهتم بأمزجة الشباب ورغباتهم، إنْ ورقياً أو الكترونياً، فإن الكثير من الأنشطة يمكن أن يقترحها أي متخصص وتشكل عوامل استقطاب للشباب. ونسأل: لماذا لا يكون للرياضة التي تشغل حيزاً مهماً من اهتمامات الشباب مكان في أنشطة المعرض، أعني في الندوات واللقاءات التي تجري على هامش المعرض، وقد يكون كِتاب في الرياضة مثلاً حجة لها، أو قد تضاف إلى البرنامج من دون اختراع حجة، فالرياضة ثقافة، مثل الطبخ الذي باتت ورشاته لا كتبه فقط من أركان معارض الكتب الدولية. ولماذا لا تكون الثقافة الجنسية التي تهم هذا الجيل موضوعاً آخر يمكن التطرق إليه؟ ثم ما الذي يمنع من إقامة حفلات موسيقى شبابية جديدة، أو يكون في المعرض المزيد من تواقيع ألبومات الموسيقى والغناء، فيحضر النجوم والمعجبون، أو كما يقولون “الفانز” (Fans)؟ ولماذا لا يتوسع أكثر الحضور الالكتروني، وتكون ندوات وأنشطة تتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي؟ ولما أن النادي يقيم على هامش معرض الكتاب زاوية تشكيلية، يمكن أن يغري جيل الشباب بالكثير من فنون وجنون الالكترونيات، وغرائب البرامج التي يستخدمها الشبان أو يمكن أن يستخدمونها في أجهزة الكومبيوتر واللابتوب والأيباد والأيبود والأجهزة الخلوية المختلفة. ألا يجتذب مثل هذا النشاط عديد الشباب وعدة البارزين منهم، لتقديم ما يحلو في عيون بني جيلهم على الأقل، إذا هو لم يَفِضْ على أجيال أخرى.
كلما تقدم معرض الكتاب في العمر ازددنا خوفاً على جمهوره، إذا بقينا بعيدين كل البعد عن تجديد هذا الجمهور، وإذا عجزنا عن توريث المعرض لأجيال مقبلة، ليس بحلته الحالية، إنما بالكثير الكثير من نقاش أساليب التجديد ومسايرة تطور العصر.

السابق
حقيقة وفاة الفنانة صفاء مغربي ومن كان وراء الخبر؟
التالي
عن الطوائف والصيغة التوافقية للديموقراطية اللبنانية بالاستناد الى فكر مهدي عامل