لا تعديل جدياّ في سياسة أوباما الخارجية

قد يكون من المبكر إطلاق أحكام حاسمة على السياسات التي ستنتهجها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، بعد الخسارة المدوّية التي لحقت بالحزب الديموقراطي، في انتخابات التجديد النصفي لمجلسَي الشيوخ والنواب ولحكّام الولايات، على حَدّ سواء .

على رغم إعلان أوباما «عزمَه على التعاون مع الجمهوريّين، متطلّعاً إلى العمل مع الكونغرس الجديد لتكون السنتان المقبلتان بنّاءَتين بأفضل ما يمكن»، إلّا أنّ تعليقات المحلّلين السياسيين وحتى المسؤولين الأميركيين من كلا الحزبين، تشير إلى أنّ السنتين المقبلتين ستشهدان تجارب لطالما حفلت بها الحياة السياسة الأميركية، حين تنقسم السلطة التنفيذية بين رئيس لا يتمتع بغالبية تسانده، ومجلس شيوخ يعارضه في كلّ شيء تقريباً.

معظم التحليلات يشير أيضاً إلى أنّ الفوز بمقاعد الغالبية في مجلسَي الشيوخ والنواب لا يعني آليّةً صدامية على طول الخط، خصوصاً أنّ انتخابات الرئاسة والتجديد المقبل في مقاعد المجلس، يقتضيان الحكمة في إدارة «الصراع».
هذا على الأقلّ ما أعلنَه زعيم الغالبية الجمهوري الجديد في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، في الوقت الذي يدرك فيه الجميع أنّ سلطات الرئيس الكبيرة تؤهّله ممارسة صلاحياته بالطريقة التي تناسب اقتناعاته، خصوصاً في المجالات الأكثر حيوية بالنسبة إليه، أو في تلك التي يستطيع الدفاع عنها و»توريثها» إلى خَلفه.

مساعدو أوباما شدّدوا على ثلاث قضايا يستعدّ لاستعمال سلاح «الفيتو» ضدّها إذا حاولَ الجمهوريون تغييرَها أو المَساس بها، وهي: السياسة الخارجية، الضمان الصحّي أو ما يُعرَف بـ»أوباما كير»، والقيود الرقابية على الأسواق المالية وعدد من القوانين التي أُقِرّت في بداية ولايته.
لكن من نافل القول إنّ الولايات المتحدة دخلت «موجة» جمهورية، ستترك أثراً عميقاً على السياستين الداخلية والخارجية.

أوباما نفسه افتتح في الخطاب الذي ألقاه أمس الأوّل تعليقاً على نتائج الانتخابات، أولى التغييرات التي يرى البعض أنّها كانت من بين الأسباب الرئيسة التي أدّت الى هزيمة الديموقراطيين، حين طلب تفويضاً جديداً باستخدام القوّة ضد «داعش» في العراق وسوريا.

وفيما تؤكّد أوساط مطّلعة أنّ التغيير قد يكون شاملاً في «استراتيجيته» المعلنة، إلّا أنّ مطالبته بتفويض جديد لا يقوم على تغيير فعليّ فيها، ما يطرح علامات استفهام عن أسباب هذا الطلب، في وقتٍ تتحدّث أوساط عدّة عن تغييرات وشيكة في الطاقم الإداري الذي يتولّى مسؤوليات تنفيذية في إدارته، وعلى رأسها حقيبتا الدفاع والخارجية وعدد من مستشاري الرئيس، بعدما طفَت خلافاتهم معه وتسرّبَت إلى وسائل الإعلام، في شأن نظرته إلى إدارة ملفّات السياسة الخارجية والمهمّات العسكرية التي ينفّذها الجيش الأميركي بمختلف وحداته وأسلحته.

إنضمام «جبهة ثوّار سوريا» إلى قائمة ضحايا استراتيجية اوباما البطيئة على أيدي «جبهة النصرة» في منطقة إدلب، بعد العشائر السورية والعراقية التي نكّلت بها «داعش»، أثارَ نقاشاً وتعليقات عبَّرت عنها الصحافة الأميركية على صفحاتها الأولى، بما يشبه «النعي» الرسمي لتلك الإستراتيجية.

لكنّ اللافت هو تسريب تقرير إلى وسائل الإعلام الأميركية، نُسِب إلى مجموعة من «الوسطاء» وموَّله عدد من الحكومات الاوروبية والآسيوية، في شأن سوريا.

ويتحدّث التقرير عن «ضرورة رعاية ودعم اتفاقات محلية لوقف إطلاق النار، مؤكّداً أنّه لا يطرح حلّاً بعيد المدى ولا رعاية لمرحلة انتقالية أو شراكة في السلطة، بل هو محاولة لتخفيف العنف في بلد غير موحَّد، يجلس على برميل بارود».

ويلفت التقرير إلى أنّ طرفي النزاع يدركان أنّه لا يمكن لطرف تحقيق النصر على الطرف الآخر، ولا إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لكنّه على الأقلّ يفتح نافذةً نحو إمكانية تعايش أطراف النزاع بما يؤدّي إلى إيجاد أرضية تُمهّد للحديث عن مرحلة انتقالية تساعد على تطويق البؤَر الإرهابية وتُصلّب موقعَ المعارضة السورية المعتدلة، وتجبر النظام على القبول بـ»شراكة» جدّية معها، ما قد يُمهّد لتخفيف حدّة الاحتقان الذي تعيشه المنطقة برُمّتها.

ويتساءل الوسطاء إذا كانت الإستراتيجية الراهنة لا تعمل، فهُم على الأقلّ يطرحون طريقاً للخروج من هذا الجحيم ويتحدّون أوباما أن يطرح بديلاً عنه في سوريا!

 http://www.aljoumhouria.com/news/index/183868

السابق
برّي يُحدّد معايير قانون الإنتخاب.. واستمرار تساقُط الإرهابيّين
التالي
الحكومة تقبل المقايضة: العسكري مقابل 55 سجيناً