ترتبط الهوية الوطنية في فرنسا في شكل كبير بمطبخها المميز، ما دفع سياسيين من اليمين المتشدد لاعتبار الانتشار المتزايد لمطاعم الشاورما في البلاد دليلاً على “الأسلمة” الثقافية.
وافتتحت أربعة مطاعم للشاورما الشهر الماضي في بلوا ليتجاوز عددها العشرة في البلدة الجميلة الواقعة بوادي نهر لوار والتي يتوافد عليها السياح لزيارة قلعتها. ويستخدم لفظ كباب ايضا في فرنسا ودول غربية أخرى للاشارة الى الشاورما.
ويجادل حزب الجبهة الوطنية اليميني المتشدد بأن “بلوا المركز التاريخي ودرة التاريخ الفرنسي تتحول إلى مدينة شرقية.”
والرسالة الضمنية واضحة وهي أن مطاعم الشاورما المنتشرة في كل مكان والتي تحظى بشعبية بين الشبان ومحدودي الدخل مؤشر على أنه باتت لثقافة الشرق الأوسط جذور في فرنسا التي لا يرضى كل فرد فيها عن وجود خمسة ملايين مسلم على أراضيها.
ويقول تيبو لو بيليك مؤسس موقع (KebabFrites.com) الذي ينشر تقييما لمطاعم الشاورما في فرنسا ويعمل على الاشادة بجهد العاملين في هذا المجال إن “الشاورما تمثل انعكاسا بدرجة ما لجميع المشاكل المتعلقة بالهجرة والاندماج في فرنسا.”
ويتحدث داميان شميتز الذي يدير مطعما للشاورما في باريس بصراحة أكبر قائلا إنه بانتقاد مطاعم الشاورما “يمكنك أن تسيء للمسلمين من دون أن تصرح بذلك”.
وجلب المهاجرون الأتراك الشاورما إلى باريس في التسعينيات وسرعان ما لاقت قبولا بين المهاجرين القادمين من شمال أفريقيا.
وحاليا يباع 300 مليون شطيرة شاورما بسعر ستة اورو للواحد في نحو 10200 مطعم في فرنسا كل عام مما يضع القطاع الذي يبلغ حجمه نحو 1.5 مليار اورو (1.9 مليار دولار) وراء قطاع البرجر والبيتزا مباشرة وفقا لشركة جيرا كونسي المتخصصة في أبحاث السوق.
وباتت الشاورما في كل مكان في فرنسا.. في المدن والبلدات وتباع مجمدة في المتاجر وتقدمها المطاعم السريعة التي تخدم ركاب السيارات. حتى أن احد منتجات البطاطا (البطاطس) المقرمشة يقدم بطعم الشاورما ويروج له يوهان كاباي وهو لاعب ابيض البشرة في منتخب فرنسا لكرة القدم وفريق باريس سان جيرمان.
انتشار واسع
على الرغم من التزايد السريع في شعبية الشاورما إلا أنها تعاني من سمعة عالقة في الأذهان بوصفها وجبة سريعة مليئة بالدهون تقدمها مطاعم صغيرة مملوكة لمهاجرين مسلمين غير مندمجين في المجتمع. وتعززت تلك السمعة بفعل لقطات بكاميرات خفية بثتها برامج تلفزيونية وتظهر بعض الظروف غير الصحية لمطبخ اعدادها.
وفي ظل استخدام الطعام في الأغلب كرمز للهوية الفرنسية جعل حزب الجبهة الوطنية أحد مواضيع حملته الانتخابية معارضة الانتشار الواسع للحوم الحلال وهو ما يرى فيه تأثيرا للإسلام على التقاليد الفرنسية.
ولا يقتصر الأمر على اللحوم. فقد أحدث سياسي يميني ضجة عام 2012 بتكرار حكاية لا أساس لها عن خطف مسلمين صائمين في رمضان لكعكة شوكولاتة فرنسية من يد تلميذ.
وخلال حملة الانتخابات المحلية في آذار الماضي انتقد مرشحو الجبهة الوطنية في جميع أنحاء البلاد انتشار محلات الشاورما. والوضع على النقيض تماما في ألمانيا حيث تعتبر الشاورما رمزا إيجابيا لاندماج الأتراك في المجتمع الألماني.
وصورت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في ثلاث مناسبات على الأقل وهي تقوم بتقطيع لحم الشاورما. وبعث زعيم المعارضة البريطاني إد ميليباند رسالة إشادة لموقع الانترنت (بريتش كباب) قال فيها إن العاملين في هذا القطاع يقومون “بعمل شاق ويتفانون … لتقديم طعام عالي الجودة وبأسعار معقولة”.
ولم يقم أي سياسي فرنسي بتصرف مماثل.
على طريق السوشي والبيتزا
وقال الهان أرسلان الذي أطلق في عام 2006 أول سلسلة لمطاعم الشاورما في فرنسا باسم (او كباب) والتي تضم حاليا 13 فرعا ولا تزال تتوسع “نحن لا نطالب أي شخص بأن يتغنى بالشاورما أو جعلها طبقا فرنسيا.. كما نعلم فذلك لن يحدث أبدا”.
وأضاف أرسلان الذي كان والده يملك مطعما للشاورما في أزمير بتركيا “لكن الأمر يشبه وضع فرنسا اليوم مع المهاجرين إليها … أنهم يجلبون الثراء لفرنسا ولكن فرنسا لا تقبل ذلك… الشيء نفسه مع الشاورما”.
وتوجه بعض الاتهامات لمحلات الشاورما بأنها واجهة لغسل الأموال لكن العاملين في هذا القطاع يقولون إن مثل هذه الاتهامات مبالغ فيها إلى حد كبير.
لكن الاتهامات الأكثر ضررا للقطاع تتعلق بتفشي مخالفات السلامة الغذائية. لكن أحد مفتشي الصحة الذي طلب عدم نشر اسمه لأنه غير مخول بالتحدث إلى وسائل الإعلام قال إن هذه الهفوات لم تعد منتشرة في محلات الكباب أكثر من المطاعم الأخرى.
ولا يزال الكثير من الفرنسيين يثقون في بطونهم أكثر مما يثقون بالضجة المثارة حول الشاورما.
وفي بلوا أقرت أوزنور بوسكول وهي صاحبة مطعم للشاورما بأنه بالنسبة للبعض “فعندما تقول شاورما فإنك تعني العرب” لكنها قالت إن هذا الموقف بدأ يتغير وأشارت إلى أن زبائنها “جميعهم فرنسيون”. وأضافت “عندما كنت صغيرة كانت الشاورما حقا للأجانب. الآن أراها متاحة للجميع. لقدت تطورت.”
وقال شميتز الذي استقال من عمله كمستشار استراتيجي لفتح مطعم شاورما قرب محطة سان لازار في باريس إن الشاورما تسير على خطى أكلات مثل البرجر والبيتزا والسوشي التي كان ينظر لها في السابق على أنها دخيل أجنبي ولكنها الآن مقبولة تماما.
ويقول إن المشكلات المتعلقة بالصورة حاليا ستتلاشى مع الجيل القادم مشيرا إلى أن البيتزا جلبت عند وصولها لفرنسا في الستينات تهمة “صاحب المتجر الإيطالي القذر الذي لا يتكلم الفرنسية وتفوح منه رائحة العرق”.
وأضاف شميتز الذي يستأجر طاهيا فرنسيا شهيرا لإعداد وجبة شاورما قليلة الدسم متبلة على مهل “لولا أني أرى هذا الأمر ممكنا في يوم من الأيام لما كنت فعلت ذلك.”