«داعش» في درنة الليبية: «محكمة شرعية».. واستمالة ضباط!

يسعى تنظيم «مجلس شورى شباب الإسلام» المتشدد إلى ترسيخ وجوده في مدينة درنة على البحر الأبيض المتوسط شمال شرق ليبيا، والعمل على تحويلها إلى «إمارة إسلامية»، محاولاً في الوقت ذاته زيادة خبراته العسكرية، حيث أعلن أمس عن تأسيسه أول «محكمة شرعية» في البلاد، بينما تدل عدة مؤشرات إلى وجود سياسة منهجية تستهدف استقطاب ضباط الجيش الليبي، السابقين منهم والباقين على رأس عملهم، بغية زيادة خبراته العسكرية، في خطوة تذكر باستقطاب تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» لعدد من ضباط الجيش العراقي السابق، والذين ارتقوا تدريجياً إلى أعلى المناصب فيه.

ولم تكن الخطوة التي أعلن عنها، أمس، بتأسيس أول «محكمة شرعية» في المدينة مفاجئة، لأنه منذ سيطرة مجلس شورى «شباب الإسلام» على درنة، في نيسان الماضي، وهو يعلن صراحة أن هدفه تطبيق «الشريعة الإسلامية»، بل سعى مباشرة، وحتى قبل الإعلان الرسمي عن «المحكمة»، إلى تطبيق «الحدود الشرعية» (عقوبات القطع والرجم والجلد) بحق بعض المتهمين بارتكاب جرائم مختلفة مثل المخدرات أو «سب الذات الإلهية» وغيرها.
إلا أن تأسيس «المحكمة» يعتبر خطوة أساسية في ترسيخ وجود «الإمارة الإسلامية»، كما يحمل في طياته تهديداً صارماً بأن «شباب الإسلام» يحتكر من الآن فصاعداً، تطبيق «الشريعة»، ولن يقبل الشركاء معه، وهذا يعني عادةً إعلان الحرب على الفصائل المسلحة الأخرى وتهديدها بالنيل منها بذريعة مخالفة «الشريعة» أو «الردة» أو ما إلى ذلك من اتهامات معروفة.
ويتسلم «إمارة القضاء الشرعي» في «شباب الإسلام» اليمني أبو البراء الأزدي، المعروف بتشدده في تطبيق «أحكام الشريعة»، والذي قدم إلى ليبيا منتصف آب الماضي.
أما «الإمارة العامة» فقد ذكرت بعض التقارير الإعلامية أنها بيد «جهادي سعودي» انتقل من سوريا إلى ليبيا، منتدباً من قبل زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، لكن ذلك غير مؤكد، لاسيما أن مبايعة «مجلس شورى شباب الإسلام» للبغدادي بقيت من طرف واحد، ولم يصدر أي بيان رسمي عن المؤسسات الإعلامية التابعة لـ«داعش»، مثل «الاعتصام» أو «الفرقان»، بتأكيدها أو إعلان قبولها، بينما البيعة النهائية تقتضي مثل هذا القبول.
لكن يبقى أن مجرد إعلان «شباب الإسلام» مبايعتهم للبغدادي يحمل دلالات واضحة على نيتهم بانتهاج نهجه المتشدد. وسبق أن صدر عن «اللجنة الشرعية» في 20 آب الماضي بيان بخصوص رأي «شباب الإسلام» في مسألة الانتخابات في ليبيا، حيث لم يتردد في الحكم بالكفر على كل من «يشارك في انتخاب نواب البرلمانات التشريعية»، كما اعتبر وضع دستور للشعب من قبل «لجنة الستين» تحاكماً إلى الطاغوت، وهي أحكام تتطابق مع أفكار «داعش». كما قام مقاتلو «شباب الإسلام»، قبل حوالي أسبوعين، باستعراض عسكري في شوارع درنة، رددوا خلاله شعار «داعش» المعروف «دولة الإسلام باقية وتتمدد».
ويعتبر التأخر في إعلان قبول «البيعة» أمراً طبيعياً، لأن الأمر يحتاج إلى إرسال مبعوثين بهدف الاطلاع على واقع الجماعة التي بايعت، وتقدير جدوى القبول بهذه البيعة وإمكانية الالتزام بها من الطرفين، رغم أن أنصار «الدولة الإسلامية» سارعوا إلى إعلان خبر المبايعة والاحتفال به من دون انتظار الإعلان الرسمي لقبولها.
وليس تطبيق «الشريعة الإسلامية» الهدف الوحيد الذي يسعى إليه «مجلس شباب الإسلام»، بل له هدف آخر قد لا يقل أهمية، وهو تعزيز قوته العسكرية، ورفدها بمزيد من الخبرات التي تمكنه من حسن إدارة العمل العسكري تجاه خصومه من جهة، وتجاه مجتمعات المناطق التي يسيطر عليها أو قد يسيطر عليها مستقبلاً من جهة ثانية.
وفي هذا السياق، كان لافتاً إعلان «مجلس شباب الإسلام» عن قبوله توبة العشرات من ضباط الجيش الليبي السابقين، أو حتى أولئك القائمين على رأس عملهم حتى الآن في المؤسسات العسكرية أو الأمنية، وكذلك بعض القيادات العسكرية في كتائب مسلحة مختلفة. وأعلن في تموز الماضي عن قبول توبة العشرات من هؤلاء الضباط، بينهم من يتبع وزارة الدفاع أو مديرية الأمن العام، أو «كتيبة ناصر»، أو «لواء الثوار – وزارة الدفاع بنغازي».
وبينما يبدو مستغرباً السلوك المرن لـ «شباب الإسلام» تجاه ضباط الجيش أو القيادات العسكرية، مقابل تكفيرهم من يشارك في العملية الانتخابية، يرى بعض المراقبين أن لا غرابة في ذلك، لأن الغاية تكمن في محاولة استقطاب أكبر عدد ممكن من القيادات العسكرية لإغناء التنظيم بها، وتمكينه من تحسين قدراته القتالية، ممتثلاً بذلك بالقدوة التي رسّخها «داعش» قبل دخوله إلى سوريا، عندما أدخل في قياداته العديد من الضباط السابقين في الجيش العراقي المنحل، الذين كان لهم دور كبير في التقدم الذي حققه في كل من سوريا والعراق.
وقد يكون من قبيل المصادفة، أن يتزامن الإعلان عن تأسيس أول «محكمة شرعية» في مدينة درنة مع تقديم قائد «كتيبة شهداء أبو سليم» سليم الدربي، المناهض لـ«شباب الإسلام»، طلباً للجوء السياسي في تركيا. لكن مع ذلك يبقى لهذه المصادفة رمزية مهمة تشير إلى هيمنة «مجلس شباب الإسلام» المطلقة على المدينة واحتكاره النفوذ فيها.

السابق
إيران: وفاة مهدوي كني تثير أسئلة عن خلافته
التالي
ما هو مصير النساء الأزيديات الأسيرات لدى داعش؟