ضربة في مجلس الأمن

هل يقترب الفلسطينيون من الاعتراف بهم كدولة؟ إن التغييرات في تشكيلة مجلس الأمن الدولي تجعل وضع إسرائيل أشد خطورة في الحلبة الدبلوماسية وتعزز مكانة الفلسطينيين. ويبدي دبلوماسيون إسرائيليون تقديرهم الآن بأنه في أعقاب التغييرات في تشكيلة المجلس، من المنطقي أن يهرع أبو مازن لتجريب حظه بعد الأول من كانون الثاني 2015 ويطلب من مجلس الأمن العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة. فهذا هو السبيل الوحيد للانضمام لعضوية الأمم المتحدة كدولة. حتى الآن أفلح الفلسطينيون في الجمعية العمومية ونالوا صفة دولة مراقب ليست عضوا.

كما أن الفيتو الأميركي لم يعد مضمونا في جيب إسرائيل، وحسب مصادر سياسية، يأخذون بالحسبان سيناريو سيئا يخسر فيه الديموقراطيون الأغلبية في مجلس الشيوخ في الانتخابات النصفية المقررة بعد أسبوعين، وحينها يغدون محررين من التزاماتهم ويمكن أن يجروا حسابا مع نتنياهو على كل صداماته معهم. وقال مصدر سياسي إنه «تنتظرنا عاصفة سياسية في كانون الثاني». وفي الخلفية هناك اقتراب الفلسطينيين من نيل الاعتراف، حيث قال السفير الفلسطيني في الأمم المتحدة، رياض منصور إن الحكومة في رام الله تريد من المجلس أن يصوت قبل نهاية العام 2014 على القرار، الذي يلزم القوات الإسرائيلية بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية حتى تشرين الثاني 2016.
وقد جرت في نهاية الأسبوع انتخابات في مجلس الأمن، تم فيها انتخاب خمسة أعضاء جدد سيبدأون عملهم في الأول من كانون الثاني. دول خمس تخرج وتحل مكانها دول خمس جديدة تغدو أعضاء غير دائمين في مجلس الأمن لمدة عامين. من أوروبا ومجموعة الدول الغربية ستدخل إسبانيا ونيوزيلندا اللتان ستحلان مكان استراليا ولوكسمبرغ. المفاجأة الكبرى كانت خسارة تركيا الموقع بفارق 132 صوتا مقابل 60.
وتشير التقديرات إلى أن تقسيم الأصوات في المجلس على القرار بشأن طلب الفلسطينيين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة سيكون كالتالي: الدول الدائمة: أميركا تعارض، روسيا والصين على الأغلب تؤيدان لإحراج الولايات المتحدة وإرغامها على استخدام حق النقض (الفيتو)، بريطانيا لم تقرر موقفها بعد، لكن في ظل قرار مجلس العموم الاعتراف باستقلال الفلسطينيين يمكن الافتراض أن يتردد البريطانيون حتى النهاية، فرنسا لم تقرر بعد. الدول غير الدائمة العضوية الباقية: تشيلي تميل للتأييد، ليتوانيا تميل للمعارضة، الأردن يؤيد، تشاد تؤيد، نيجيريا مترددة. الدول غير الدائمة العضوية الجديدة: نيوزيلندا لم تقرر بعد، إسبانيا لم تقرر بعد، أنغولا لم تقرر بعد، ماليزيا تؤيد، فنزويلا تؤيد.

الفيتو أمل إسرائيل

من ناحية إسرائيل، التغييرات في تشكيلة المجلس تفاقم الخطر. هناك 15 دولة عضوا في مجلس الأمن بينها خمس دائمة وعشر تتغير. وبغية اتخاذ قرار هناك حاجة لأصوات أغلبية من تسع دول. وإذا تم قبول الطلب فإن لكل واحدة من الدول الخمس الدائمة العضوية خيار استخدام الفيتو وإجهاض القرار.
وحتى اليوم كان لإسرائيل درعا دفاع في مجلس الأمن: غياب أغلبية والأهم من ذلك فيتو أميركي مضمون. وكان مقبولا حتى اليوم الظن بأن لدى الفلسطينيين سبع دول تؤيد طلبهم الانضمام كدولة عضو ولذلك لا حاجة البتة لاستخدام الفيتو الأميركي.
لكن الوضع تغير حاليا. بعد التغييرات في تشكيلة المجلس، خسرت إسرائيل عمليا دولتين صديقتين جدا أيدتاها هما استراليا ورواندا، وهي تتلقى بدلا منهما دولتان إشكاليتان جدا يمكن اعتبارهما تلقائيا كمن ستصوتان إلى جانب الفلسطينيين وضد إسرائيل: فنزويلا وماليزيا. وتتنفس إسرائيل الصعداء لأن الأتراك لم يفوزوا بالمقعد لأن وضعنا حينها كان سيغدو أسوأ جدا وستكون حينها للفلسطينيين ليس فقط أغلبية تسع دول وإنما عشر دول مضمونة.
ولم يبق لإسرائيل حاليا سوى درع الدفاع الأخير وهو الفيتو الأميركي الذي تستند إليه. غير أن الأميركيين سيبذلون أقصى جهدهم كي لا يستخدموا هذا الفيتو؛ ومنطقي الافتراض أنهم سيمارسون ضغوطا على الدول الأعضاء كي لا يدعموا قبول فلسطين كخطوة من طرف واحد.
وسيحاول الأميركيون عرض بديل مثل استئناف المفاوضات بين الطرفين. الأوروبيون من جانبهم يمكن أن يعرضوا حلا وسطا: عدم قبول فلسطين كدولة عضو وعرض معايير للتسوية الدائمة وإنهاء الاحتلال: انسحاب إسرائيل إلى خطوط 1967 مع تبادل أراضٍ والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.
ويقول دبلوماسيون إسرائيليون إن أبو مازن ينال الآن إسنادا، ومنطقي الافتراض أنه سيقامر بكل ما معه وسيجسد تهديداته: ليس فقط الذهاب إلى مجلس الأمن بل كذلك الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. والتغييرات في غير مصلحة إسرائيل في مجلس الأمن سوف تعبر عن نفسها ليس فقط في التصويت على قبول فلسطين كدولة وإنما أيضا في مشاريع القرارات الأخرى التي ستصل بشأن إسرائيل مثل إدانة الاستيطان الإسرائيلي أو أدانة عمليات عسكرية إسرائيلية، والدعوة لإنشاء لجان تحقيق تابعة للأمم المتحدة بشأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وما شابه.

فشل أردوغان

هناك رأي شائع في محافل الأمم المتحدة يقول بأن مصر والسعودية عملتا بشكل جوهري ضد تركيا في مجموعة الدول العربية ودول عدم الانحياز ما سمح بفوز إسبانيا في السباق على كرسي في المجلس. كما أن اليونان عملت ضد تركيا. إسرائيل وبشكل غير مفاجئ صوتت لمصلحة إسبانيا.
وتشكل هزيمة تركيا ضربة لهيبة أردوغان، حيث كان هذا الاختبار الدولي الأول منذ تولى منصب رئاسة الدولة. وقد دخلت تركيا في السنوات الأخيرة في مواجهات مع دول كثيرة، وهي حاليا تدفع الثمن وبشكل باهظ. وقد دفع الأتراك أيضا ثمن رفض تركيا المشاركة في الائتلاف الدولي ضد داعش. وزير الخارجية التركي الجديد وصل خصيصا إلى الأمم المتحدة وأجرى جولة لقاءات إقناع لكنه فشل بشكل ذريع.
وفي مجموعة دول أميركا الجنوبية دخلت فنزويلا مكان الأرجنتين. ويشكل إرسال مندوب عن الرئيس نيكولاس مادورو إلى كرسي في مجلس الأمن تطورا بالغ السلبية جدا من ناحية إسرائيل بعد قطع العلاقات الديبلوماسية بين إسرائيل وفنزويلا وجراء العلاقات الوثيقة بين هذه الدولة الأميركية الجنوبية وإيران.
وقد وجه الأميركيون انتقاداتهم لانتخاب فنزويلا لعضوية مجلس الأمن، وقالوا إن هذا يثير إشكاليات مع ميثاق تأسيس الأمم المتحدة. وقالت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة سمانثا باور إن نشاطات فنزويلا في الأمم المتحدة وانتهاكات حقوق الإنسان في أراضيها تناقض روح ميثاق الأمم المتحدة. وأضافت أن «الولايات المتحدة ستواصل دعوة الحكومة الفنزويلية لاحترام الحقوق الأساسية للحرية وحقوق الإنسان لسكانها».
وتم اختيار فنزويلا لأنها كانت المرشحة الوحيدة من بين مجموعة دول أميركا اللاتينية. وقد أيدتها معظم دول القارة ليس لأنها تحب فنزويلا، وإنما أساسا من أجل الحفاظ على استقلالية هذه القارة في مواجهة الضغوط الغربية. وهكذا في آسيا تلقينا ماليزيا، وهي دولة قسم كبير من سكانها مسلمون، بدلا من كوريا الجنوبية الغربية التوجه. ومثل فنزويلا، فإنه ليست لإسرائيل علاقات دبلوماسية معها، كما أن هذه الدولة الآسيوية تدعم فرض المقاطعة على إسرائيل. وفي أفريقيا نرى أنغولا وهي تجلس على كرسي المجلس الذي كانت تحتله رواندا.

 

السابق
مَن مع ترميم الإرهاب؟
التالي
العثور على 7 جثث نساء….والقاتل يعترف بفعلته