هروب فتيات من منزل العائلة يثير جدلاً في السعودية

يستحوذ هروب فتيات سعوديات من منازل ذويهن على اهتمام باحثين اجتماعيين كثر في المملكة. وعلى رغم أن الحالات لم تصل إلى مستوى «الظاهرة»، فإن مجتمعاً «محافظاً» كالمجتمع السعودي ينظر إليها بعين «الريبة»، ممزوجة بـ «الاستغراب». إلا أن الأخطر من ذلك، هو ما كشفه أكاديمي متخصص في الشأن الاجتماعي عن رصد شـــبكات خارجية تستدرج السعوديات الهاربات لممـــارسة «الرذيلة»، مشيراً إلى أن حالات هروب الفتيات سجلت أخيراً تزايداً في الأعداد، لافتاً إلى أن السبب الرئيس هو «تخلّي الذكور عن واجباتهم ومسؤولياتهم وإلقاؤها على الفتيات». فيما قدّرت مصادر لـ «الحياة»، عدد حالات الهروب في المملكة بما يراوح بين 1500 و3 آلاف حالة. إلا أنه لم تكشف أية جهة رسمية عن العدد الدقيق للحالات، ما يفتح الباب واسعاً للسـؤال عن أسباب عدم الإعلان الرسمي.

وقال أستاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة الإمام الدكتور منصور العسكر، لـ «الحياة»: «إن هروب الفتيات تحوّل أخيراً إلى ظاهرة بعد تزايد الأعداد خلال الأعوام الماضية»، موضحاً أن هناك نوعين من الحالات، أولهما ما يسمى بـ «الاختفاء»، والآخر هو «الهروب»، مشيراً إلى أن الأسرة لا تبلّغ الجهات المختصة من باب الستر وتجنّب «الفضيحة»، ولأنها ربما تكون مختطفة، ولأن جهات ربما تخلط بين الهروب والاختفاء.

وعزا العسكر أسباب هروب الفتيات إلى «عوامل اجتماعية ونفسية»، بيد أنه أكد أن السبب الرئيس للهروب، الذي بدأ ينتشر أخيراً هو «التخلّي عن المسؤوليات داخل الأسرة، من خلال تخلّي الأبناء أو الأب عن دورهم الرئيس في تلبية حاجات الأسرة وإلقائها على عاتق الفتيات، ما يشكّل ضغطاً كبيراً عليهن، من خلال انشغال الأب أو الأبناء في السهر مع الأصدقاء أو السفر أو في أعمال خاصة، وبالتالي يصبح العبء كبيراً على الفتيات داخل الأسرة، لإنجاز أعمال كثيرة».

وشــهدت الأعوام الماضية تغيّرات كثيرة على مستوى المفاهيم والأنماط الاجتماعية في المجتمع السعودي، أدت وفق العسكر إلى «منع أسر بناتها من زيارات صديقاتهن، أو الخروج من المنزل أو الالتقاء بأحد، ما ساهم في شكل كبير في زيادة الضغط النفسي عليهن، وهو ما دفع بعضهن إلى التفكير في الهروب، للتخلّص من الحياة القاسية التي يواجهنها داخل منازلهن».

وأعدَّ العسكر قبل نحو ثمانية أعوام، دراسة شاملة على مستوى المملكة عن هروب الفتيات، استغرقت عامين، وقدّمت إلى الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وشملت مختلف المناطق، ودرس خلالها 5 آلاف حالة، ورصد أسباباً عدة للهروب وتشخيص الوضع الاجتماعي للفتيات.

وكشف العسكر أنه «أثناء إعداد الدراسة، رصدت شبكات خارجية في بلدان عربية تســـتغل هروب الفتــيات لاستدراجهن إلى أعمال منافية للأخلاق»، مشيراً إلى أن محاكم في الرياض وجدة سجلت مثل هذه الحالات. وأوضح أنه «يتم استدراجهن من خلال صديقاتهن في هذه البلدان، وبعض الفتيات تجبر عائلتها على قصد هذه البلدان بحجة قضاء الإجازة الصيفية، وبعد الوصول تهرب الفتاة بالاتفاق مع صديقتها، التي تتولّى تسهيل أمرها، لتكتشف لاحقاً أنها تعمل مع شبكة غير أخلاقية»، مشدداً على أن هذه حالات «قليلة جداً». وذكر أن محافظة جدة (غرب) تعتبر «من أكثر المناطق على مستوى المملكة في حالات هروب الفتيات، نظراً إلى كثرة الشقق المفروشة، ما يسهّل عليهن الهروب».

وأكد رئيس مركز التنمية الأسرية في الأحساء الدكتور خالد الحليبي، أن معدّل حالات هروب الفتيات في المملكة في تزايد، لافتاً إلى أنه تم تسجيل 1400 حالة هروب في عام واحد. وأوضح أن «نسبة كبيرة من هذا الرقم لأجنبيات». فيما لمّح إلى أن هروب الفتيات ربما يتحول إلى «ظاهرة». وأكد أهمية «التصدّي لها نظراً الى تأثيراتها الخطرة على العائلات وسمعتها، وما ينجم عنها من ضرر كبير على المجتمع».

السابق
«التوتر» بين الرياض وطهران «مؤشر» تشنّج في المنطقة
التالي
تركيا الأردوغانية محاصرة