لبنان ولعق الجرح ساخناً

هو لبنان، البلد الّذي تشتعل حدوده في البقاع، وتشتعل شاشته تصفيقاً في حفل انتخابات ملكة الجمال. ماذا يفعل الشعب في عيد الأضحى؟ هل يقلب المحطة بين خبر المعركة وخبر المسابقة؟

ربما تكون حالة إنكار او مجرد مشهد سوريالي، وربما تكون أيضاً هي الحياة. ربما هي محاولة منا أن نقنع أنفسنا أنّنا نستحقّ العيش. احتمالات عديدة تحيط بالمشهد اللبناني الّذي لا أجد التفسير المقنع له. ليس وطن السلام ولا هو وطن الثورة. الجمال ربما. الخضار الممتد أعلى جباله وليله المضيء وأبراجه الّتي لا نعرف من يسكنها.

هو لبنان، البلد الّذي تشتعل حدوده في البقاع، وتشتعل شاشته تصفيقاً في حفل انتخابات ملكة الجمال. ماذا يفعل الشعب في عيد الأضحى؟ هل يقلب المحطة بين خبر المعركة وخبر المسابقة؟ كم هو ثقيل مساء الوطن حين يخيّم كالظلام على أبنائه بينما هم يتسامرون.  بلد التناقضات، ربما هو بلد محكوم بان يبقى هكذا. لكنّه جرحنا المفتوح، الوطن الّذي نريد ونحب.

في ردهة ما أو زقاق فرّ من براثن الطائفية والمحاصصة والدمار والهمّ، ربما نجد لبنان. لا لبنان جبران باسيل ونساء العبث الّذي يريدهم، ولا لبنان النائب محمد رعد الّذي يريد وطننا خالياً من المرح واماكن السهر، ولا هو لبنان رئيس مجلس النواب نبيه برّي الّذي بنى وجوده على قضية تغييب الإمام موسى الصدر، معمّماً حالة إنكار لتعزيز مكانته. ليس لبنان “وسام الأرز” ولا لبنان “14 آذار” والشعارات الّتي لا “تحبّل”.

ليش حتّى لبنان فيروز ولا الحالة الرحبانية، إذ صورة لبنان الرحابنة، على جماليتها، ناقصة. وربما نجهد نحن، أبناء هذا الوطن، أن نجد له تعريفاً، فلا نجد. نعرف أنّنا نعيش في الضيق والقلّة وغياب الخدمات، عيشة لا ضمانات فيها ولا أمان. لبنان البلد الّذي لا يتم فيه تأجيل حدث كانتخاب ملكة جمال، لكنّه يغرق في الفراغ الرئاسي من دون أن يرفّ له جفن. هو جمال الصورة، يا إلهي كم أن الداخل يتألّم.

هو لبنان، تذهب إلى مقاهيه وأماكن السهر فيه، وتجدها “محجوزة” حتّى آخر كرسي، وتجلس في أحد شوارع العاصمة تراقب الشوراع (كشارع الحمرا أو فردان، الخ) فتجد أن معظم السيارات الّتي تمرّ “فخمة”. تسأل نفسك كيف ذلك والبلاد تختنق من الوضع الاقتصادي المزري الّذي وصلت إليه وغلاء المعيشة. هو لبنان الصورة، “يقسّط” سيّارة ويعيش عمراً وأعماراً بالتقسيط، أقساط يتوارثها الأبناء، ولكنّه لا يرضى ألا يكون “عييشاً”.

في جلسة مع الأصدقاء، يخبرك أحدهم أن الشقة في المنطقة التي تطل على الواجهة البحرية والقريبة من “مينا الحصن” يفوق سعر الشقق 10 ملايين دولار “لأنه هونيك ساكنة هيفا وهبي”.  هو هذا الوطن نفسه الّذي يلجأ أبناؤه إلى التبعية السياسية والتحزّب لأسباب اجتماعية واقتصادية وطائفية. يموت شبابه هنا، على بعد خطوات من الحدود، لكن الدولة لا تتحرك لردعهم ولا لتغطيته وإقفال مخارجه ومعبره.

هو لبنان الضيّق بنا، وجعنا، وجعنا الّذي يجهله الغرباء الّذين لا نقدّم لهم سوى لبنان الصورة وصحن التبولة. هو هذا البلد، الّذي يلعق الجرح ساخناً. لا الجرح يزول ولا نرى هنا مجالا للكيّ. ننتظر في هذه الأثناء، جالسين على رفوف الوهم، إعلان نتائح ملكة الجمال. نسأل بعدها من أي منطقة أتت، نستدلّ على طائفتها من اسمها. نقلب إلى المحطة التالية. نرى ما يحدث على الحدود. ثم نخلد إلى النوم.

السابق
مصادر عسكرية: الجيش أحكم سيطرته على حركة الانتقال بين عرسال وجردها
التالي
هل تدخل الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة ضد قطر؟