استفتاء سكوتلندا لم يحسم شيئا

بريطانيا

يخامر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الآن شعور بالسعادة. لو كان خسر الاتحاد من خلال اللامبالاة المطلقة، لم يكن التاريخ سيغفر ذلك. ولو كان الاسكوتلنديون صوتوا لصالح الاستقلال عن بريطانيا، كان هذا الرجل المسكين سيصنف للأبد في المرتبة التالية لنيفيل تشامبرلين في معرض إخفاقات بريطانيا بلا أمل في الخلاص.
من السابق لأوانه القول إن المملكة المتحدة لديها ما يبرر شعورها بالسعادة.

هناك شيء واحد جيد: هو أن نسبة المؤيدين للاتحاد جاءت أعلى قليلا من استطلاعات الرأي التي جعلت هذه النتيجة متوقعة. رحب كاميرون، الذي جعل شعوره بالسعادة يتفوق عليه بالنتيجة باعتبارها إعلانا لـ«الإرادة المتفق عليها للشعب الاسكوتلندي». وقال أليكس سالموند، الذي قاد الحملة من أجل الاستقلال وأعلن استقالته عقب إعلان النتائج، إن الأغلبية كانت ضد الاستقلال «في هذه المرحلة».
وهنا تكمن المشكلة.. لو انتصر القوميون، فإنهم بذلك بدأوا استقلالا محفوفا بالمخاطر، ومرحلة انتقالية مكلفة، ولكن الوجهة النهائية قد تكون واضحة.

طلب الاستقلال لم يذهب بعيدا. عندما تأخذ في الاعتبار التنبؤات المشؤومة للحملة الرافضة، والتضليل الواضح من جانب الحملة المؤيدة (بشأن الضرائب والنفقات) وعدم التجانس (بشأن العملة)، والتهديدات من جانب الشركات الاسكوتلندية بالاتجاه صوب الجنوب، والتوافق الثابت خارج اسكوتلندا بأن الاستقلال سيكون خطأ مأساويا، تجد أن تأييد الاستقلال بنسبة 45 في المائة يشير إلى قدرة معينة على الصمود.

وبالمقارنة مع الجانب الآخر، من بين هؤلاء الذين يصوتون لصالح الاتحاد، رأى 47 في المائة أن مخاطر الاستقلال تشكل السبب الرئيسي للبقاء على الاتحاد، بينما رأى 27 في المائة فقط، أن «الارتباط القوي بالمملكة المتحدة والتاريخ والثقافة والتقاليد المشتركة» تحظى بأهمية أكبر.
وعد كاميرون أن وستمنستر ستعمل الآن على نقل المزيد من الصلاحيات إلى اسكوتلندا. هل تعد هذه مشاعر قومية باردة؟ أشك.

والآن لنفترض أن اسكوتلندا وباقي أنحاء المملكة المتحدة يختلفون حول السياسة الدفاعية والخارجية، أو افترض مجددا، أن اسكوتلندا ستكون أقل حرصا من إنجلترا على دعم الولايات المتحدة في القيام بإجراء عسكري في منطقة الشرق الأوسط، ومن ثم هناك مسألة صغيرة تتعلق باستفتاء المملكة المتحدة الموعود بشأن الانسحاب من عضوية الاتحاد الأوروبي.
لو أن اسكوتلندا – في الوقت المناسب – تحكم نفسها بنجاح في كل القضايا الداخلية، فلماذا تستسلم بقناعة لقرارات المملكة المتحدة المتعلقة بالسياسة الدفاعية والخارجية؟ ولنفترض، من ناحية أخرى، أن المملكة المتحدة كانت قادرة على كبح جماحها والمضي قدما في طريقها.

هذا يهون من صعوبة الأمر، لأن المرحلة الجديدة لنقل السلطات من شأنها أن تطيح بالتوزيع الدستوري غير المتوازن بالفعل، وتُذكِّر بأن الاسكوتلنديين – رغم وجود برلمان خاص بهم في أدنبره – يتمتعون حاليا بميزة غريبة تتمثل في إرسال أعضاء البرلمان الاسكوتلنديين إلى وستمنستر للتصويت على الأمور التي تخص الشعب الإنجليزي فقط.

ولأن اسكوتلندا تميل إلى اليسار، كان هذا الإجراء مهما من أجل الحفاظ على قوة حزب العمال في الجنوب.
ومن أجل الإيفاء بمطالب المحافظين من الإنجليز، قال كاميرون إن باقي المملكة المتحدة يجب أن يحظى أيضا بنقل سلطات من الحكومة المركزية، مما يعني تصويت الإنجليز على السياسات الإنجليزية. ومن المحتمل إجراء إعادة هيكلة دستورية جذرية تقريبا مثل تلك التي ينطوي عليها الاستقلال الكامل لاسكوتلندا.

من الصعب القول إلى أين يقودنا ذلك. فعلى سبيل المثال، إذا انتهى المطاف بإنجلترا بأن تكون لها حكومة خاصة، مثلما هو الحال بالنسبة لاسكوتلندا، فكيف يمكن لبريطانيا أن تختار من يشغل منصب رئيس الوزراء؟ النتيجة المنطقية أن نقل السلطات يعني نوعا من نظام الحكم الفيدرالي الموزع بشكل كبير، ولكن المؤسسات والأحزاب السياسية في بريطانيا لا تقوم على هذا الأساس.

ورغم ذلك يعد الأمر واضحا: حملة الاستقلال حركت القوات في الاتجاه الذي يدفع اسكوتلندا وإنجلترا إلى مفترق طرق. واليوم هناك وعد بنقل سلطات إنجليزية. والخطوة التالية تتمثل في الدعوات من أجل استقلال إنجليزي. لم يجر حسم شيء يا رئيس الوزراء.

السابق
هل الصراع بين أوباما والجيش مبالغ فيه؟
التالي
أتراك وأكراد حيال… «داعش»