حروب الآخرين على أرض سوريا

ما زالت الحرب الاميركية التي اتسعت بالامس نحو الاراضي السورية وضمت خمسة حلفاء عرباً،جزءاً من خطة استعادة الاستقرار في العراق. لم تصبح مقدمة لمخطط فرض الاستقرار في سوريا، وربما لن تصبح ابداً.

انها حرب تصحيح اخطاء الغزو الاميركي للعراق، او بالتحديد تصحيح خطيئة الانسحاب المتسرع من العراق قبل عامين، الذي ادى الى انشاء أول دولة اسلامية عابرة للحدود والقوميات والأعراق، بخلاف دولة طالبان الافغانية، وقيام أول خلافة اسلامية مناهضة لكل ما ُشكل من جمهوريات وممالك وإمارات على انقاضها طوال القرن الماضي.

هي ببساطة جولة جديدة من جولات الحرب العالمية الثالثة التي تجري بين اميركا وبين الجهادية الاسلامية، والتي اندلعت شرارتها الاولى في مطلع تسعينات القرن الماضي ولم تزل مستمرة حتى اليوم: تنظيم القاعدة الذي اخرج الاميركيين من العراق، ها هو يعيدهم إليه، على يد أحد أهم وأقوى وأشرس ورثته، بل وريثه الشرعي الوحيد، داعش، الذي بات يبدو معه التنظيم الاول وقادته أشبه بثلة من العقلاء والحكماء المسالمين الوادعين.

ما زالت الغارات الجوية والصاروخية الاميركية والعربية الاولى من نوعها على سوريا جزءا من الصراع على بغداد ومن النزاع حول مستقبل الدولة العراقية، وهي لا تمثل مؤشرا كافيا على بدء البحث في مستقبل الدولة السورية ولا طبعا في بدائل نظام بشار الاسد. ثمة تمهيد جدي لمرحلة ما بعد الخليفة ابو بكر البغدادي الذي انتهك الكثير من الخطوط الحمراء، ولحقبة ما بعد داعش الذي مثل ظهوره خرقا للكثير من المعايير الانسانية والاخلاقية والدينية، والدولية طبعا.

وجهت اميركا ضربتها الاولى المدوية في سوريا. ردُ داعش لن يتأخر، وربما لن يتخذ شكلا تقليديا  يقتصر على نحر رهين اجنبي، او أسير محلي او اكثر. قراءة الرسالة الاخيرة للناطق باسم التنظيم ابو محمد العدناني ينبىء بان الرد يمكن ان يكون هذه المرة داخل اميركا او اوروبا.. ويكون بديلا لتلك العملية التي قال الاميركيون انهم احبطوها في الضربة امس وكانت ما تسمى “مجموعة خرسان” تخطط لتنفيذها من داخل سوريا.

لن تغير الضربة سلم الاولويات: في العراق جدول محدد يمضي قدما، عنوانه توسيع المشاركة السياسية بين الطوائف والقوميات، وتوزيع المسؤولية الامنية على حرس وطني يفترض ان يتشكل في مختلف انحاء الفدرالية العراقية ويساهم في تصفية داعش وفي الحؤول دون ظهور بدائل له مستقبلا. في سوريا ثمة ملامح أولى لاعادة بناء المعارضة السورية من نقطة الصفر، او من مرحلة ما قبل قيام الائتلاف الوطني وحتى ما قبل ظهور الجيش الحر، الذي تزامن قرار تفكيك قيادته العسكرية مع الغارات الاميركية. وأيضا ثمة توسلات من النظام لكي ُيسمح له بالالتحاق بالحملة العسكرية الاميركية ويكون جزءا من العملية السياسية التي يفترض ان تعقبها، او ربما تواكبها.

اميركا تنفذ اليوم عملية تجريبية لا خطة استراتيجية. ضمانات نجاحها مساوية لاحتمالات الفشل الذي يمكن تبين علاماته ونتائجه المريعة في افغانستان والعراق واليمن والصومال وفي كل مكان تدخل فيه الاميركيون وتركوه خراباً. وهو ما لا يمكن تمويهه او تعويضه لاحقاً بضم خمس دول عربية الى حملتهم العسكرية. فالقرار تفصيلي، بل هامشي في هذا السياق، وهو لن يخدم في تعديل صورة الغزو والاحتلال العالقة في الاذهان منذ العام 2003 عندما امتنع العرب عن المشاركة في الحرب على العراق، وحذروا الاميركيين من مخاطرها.

يعرف البغدادي قبل سواه أنها مجرد ضربة أولى. ويعرف ايضا ان أميركا لن تكسب الحرب من الجو، وهي ستضطر عاجلا ام آجلا للنزول الى البر.. او الفرار كما فعلت قبل عامين في العراق، وكما ستفعل هذا العام في افغانستان. وفي الحالتين يكون قد اصبح قاب قوسين او ادنى من تحقيق أمنيته الاخيرة التي جاهر بها عندما قرر خلافة اسامة بن لادن وايمن الظواهري وانور العولقي: الدولة او الشهادة.

الحرب في بداياتها، والسؤال الاهم الان: من سيصمد اكثر، البغدادي أم اوباما؟

 

السابق
السفارة السعودية اقامت حفل استقبال في اليوم الوطني
التالي
غارات جوية جديدة على مقرات داعش في الرقة وريف حلب