تتجه الولايات المتحدة إلى إطلاق حملة عسكرية فضفاضة لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» – «داعش» في سوريا، قد تستمر لسنوات، وتؤدي إلى خلق «جيش» رديف من المسلحين في سوريا يكون تابعاً لها ولدول عربية عدوة لدمشق، وذلك بحسب ما أظهرته تصريحات وزير الدفاع الأميركي تشاك هايغل، ورئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبسي أمام الكونغرس.
في هذا الوقت، يبدو أن مهمة واشنطن لإيجاد حلفاء لها على الأرض السورية ستكون عسيرة، حيث لا تزال مواقف المجموعات المسلحة ملتبسة حول المشاركة في التحالف الدولي ضد «داعش»، لاسيما أن مواقف هذه الفصائل تعكس بدورها الإرادات الحقيقية للدول الداعمة لها، بما تسعى إليه من خطط وأجندات خفية قد تتعارض في تفاصيلها مع الخطة الأميركية المعلنة.
ويمكن القول إن من شأن المواقف التي جرى التعبير عنها من قبل بعض الفصائل الكبيرة والمؤثرة، في حال الإصرار عليها أن تؤدي إلى خلط الأوراق على الساحة السورية، وتترك تداعيات واسعة قد لا تخلو من مفاجآت. ومن غير المستبعَد أن تكون المواقف المعلنة حتى الآن من قبيل فتح باب المساومة، وتقديم الذرائع إلى الدول التي تدعمها لتعزيز موقفها في المطالبة بحصة أكبر من كعكة الغنائم التي تشرف الولايات المتحدة على توزيعها بين هذه الدول، أو على الأقل تمكين هذه الدول من لعب دور ما، بعد أن دخل اللاعبون الكبار بأنفسهم إلى ملعب المنطقة.
وبينما لم يعلن حتى هذا الوقت، أي فصيل استعداده للمشاركة في القتال تحت راية التحالف الدولي، بشكل صريح وعلني، كان لافتاً أن تسارع فصائل كبيرة إلى إعلان رفضها ذلك. لكن أكثر ما يثير الاستغراب هو موقف «جيش الإسلام»، الفصيل المحسوب على السعودية نشأةً ودعماً، إذ من المفترض أن يأتي موقفه منسجماً مع ما تظهره الرياض من حماسة بخصوص تشكيل التحالف الدولي ودعمه بالمال والسلاح والمقاتلين. ولكن على العكس جاء موقف «جيش الإسلام» أكثر تشدّداً من موقف «جبهة النصرة»، الأمر الذي قد يعتبر مؤشراً مهماً إلى أن لدى الرياض هواجس كبيرة بشأن التحالف الدولي وتداعياته وتأثيره على توازن القوى ومعادلاته الحساسة في المنطقة.
وقال وزير الدفاع تشاك هايغل، خلال جلسة مشتركة مع رئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبسي أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ أمس، إن القيادة المركزية للجيش الأميركي ستعرض الخطة الحالية على الرئيس باراك أوباما اليوم، وإنها تتصوّر «ضرب الملاذات الآمنة للتنظيم من أجل تدمير البنية التحتية والقدرات في مجال الإمداد والتموين ومراكز القيادة» في سوريا.
وقال ديمبسي إن الضربات الجوية الساحقة ستضعف قدرات «داعش» هناك، مع استمرار الجهود على نطاق أوسع لهذه الغاية، ومن ذلك تدريب مقاتلين سوريين في السعودية. وأضاف «لن يكون ذلك مثل حملة للصدمة والرعب، لأن هذه ليست ببساطة الطريقة التي يقوم عليها تنظيم الدولة الإسلامية. لكنها ستكون حملة متكررة ومتواصلة».
وكان شاع استخدام تعبير الصدمة والرعب لوصف الهجوم الجوي الأولي على بغداد في بداية الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، وهو يشير إلى عقيدة عسكرية تقوم على الاستخدام الكاسح للقوة لتقويض إرادة العدو على القتال.
وحاول هايغل وديمبسي إقناع الكونغرس بحجة أوباما في توسيع العمليات ضد «داعش» التي ستشمل ضربات جوية أميركية في سوريا للمرة الأولى، وكذلك مزيداً من الضربات والمستشارين العسكريين في العراق.
وقد يجري تصويت في مجلس النواب الأميركي هذا الأسبوع بشأن طلب أوباما تخصيص 500 مليون دولار لتسليح وتدريب مقاتلي المعارضة السورية «المعتدلين» في إطار هذا البرنامج.
وأعلن هايغل أن تلك الأموال ستساعد على تدريب أكثر من خمسة آلاف مقاتل سوري في العام الأول، لكنه أقرّ بأن هذا لن يكون سوى خطوة في تحويل دفة الأمور ضد مقاتلي «الدولة الإسلامية». وقال «خمسة آلاف (مقاتل مدرب) هي مجرد بداية. هذا جزء من الداعي لأن يكون هذا الجهد جهداً طويل الأجل. وخمسة آلاف وحده لن يكفي لتحويل دفة الأمور. إننا ندرك ذلك». وأشار إلى أن السعودية وافقت على استخدام أراضيها من أجل تدريب المسلحين وأيضاً على المساعدة في عملية التمويل.
وأعلن هايغل أن الولايات المتحدة ستراقب المسلحين «المعتدلين» حتى لا تسقط الأسلحة في الأيدي الخطأ، فيما أعلن ديمبسي أن وضع خطة التدريب ستأخذ ما بين ثلاثة إلى خمسة أشهر. وأشار إلى أنه سيتم تدريب المسلحين على أساس «وحدات من أجل الحصول على فاعلية أكبر، مع قيادة قوية».
وحاول هايغل التهرب من الرد على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة ستردّ إذا استهدفت الطائرات السورية المجموعات التي ستقوم واشنطن بتدريبها، قائلاً «لم نصل إلى هذه المرحلة بعد، حيث إن تركيزنا منصبّ اليوم على محاربة داعش»، معتبراً أنهم سيدافعون عن أنفسهم، مضيفاً «سنساعدهم إذا هوجموا» من دون تقديم توضيح كيف سيتم ذلك.
وأعلن ديمبسي أنه لا نية لإشراك قوات في قتال مباشر في العراق، لكنه لم يستبعد دوراً برياً أعمق. وقال «إذا كانت قوات الأمن العراقية وقوات البشمركة الكردية في مرحلة ما مستعدة لاستعادة الموصل، وهي مهمة أرى أنها ستكون معقدة للغاية، فإنه من المحتمل أن يكون تقديم المشورة بشأن القتال المتلاحم أو المصاحبة في تلك المهمة جزءاً من تلك المهمة».
وأوضح «إذا وصلنا إلى مرحلة بات يتوجب فيها على مستشارينا مرافقة القوات العراقية في هجماتها ضد أهداف محددة لتنظيم الدولة الإسلامية، فإنني سأوصي الرئيس بالسماح بذلك». وقال إن «معظم الدور الذي يقوم به العسكريون (الأميركيون) استشاري» مؤكداً أنه «لا توجد نية» في الوقت الحالي لمشاركتهم في القتال، لكنه قال إنه إذا تغيرت الظروف وإذا كانت هناك «عملية معقدة بشكل استثنائي» يخطط لها الجيش العراقي، فربما يصبح ضرورياً «توفير النصائح القتالية عن قرب» ما يتطلب توجه المستشارين إلى الجبهة مع نظرائهم العراقيين.
وأكد ديمبسي أن أي استخدام للقوات الأميركية في الميدان سيحدث بموافقة من الرئيس، موضحاً أن أوباما «أبلغني بالعودة إليه بحسب كل حالة»، مضيفاً أن المعارك المستقبلية في العراق قد تتطلّب وجود قوات أميركية على الأرض للمساعدة في توجيه الضربات الجوية الأميركية لقوات المسلحين في تنظيم «الدولة الإسلامية».
ورداً على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة ستنشر قوات عسكرية على الأرض السورية إذا رفضت جميع الدول المشاركة في التحالف هذا الأمر، أكد ديمبسي أن القوات الأميركية وحدها، حتى مع وحدات مدرعة على الأرض في سوريا، لن تتمكّن من هزم «داعش»، مضيفاً أنه من الضروري مشاركة شركاء عرب ومسلمين في محاربة التنظيم على الأرض. وقال «لا أعرف حليفاً للولايات المتحدة يعتمد فكر داعش، لكنني أعرف حليفاً مهماً للولايات المتحدة يموّل داعش»، معتبراً أن «تغلب المعارضة السورية على داعش سيتطلب دعم الأردن وتركيا والأكراد السوريين».
ورفض هايغل الإجابة بشكل مباشر على سؤال عما إذا كانت الطائرات السعودية ستشارك في الحرب ضد «داعش»، مكرراً أن 40 دولة عربية وغربية أعلنت التزامها بدعم التحالف.
وكرر هايغل «سنواصل الضغط من أجل حل سياسي في سوريا، يؤدي إلى إنهاء عهد نظام «الرئيس بشار) الأسد، الذي فقد الشرعية لحكم سوريا وخلق الظروف التي سمحت بظهور داعش ومجموعات إرهابية أخرى».
وقاطع محتجون معارضون للحرب جلسة اللجنة مراراً، وهتفوا بشعارات مثل «لا حل عسكرياً». وتم إخراج محتجّ من القاعة وهو يرفع لافتة كتب عليها «مزيد من الحرب يساوي مزيداً من التطرف».