أوباما يحارب بوتين بـ’داعش’

بعد أن نفذ العرب، بإتقان لافت، دورهم في الفتنة المذهبية، لا يسعهم الآن سوى التمني للرئيس الأميركي كل التوفيق في القضاء على «داعش». يمكننا، من الآن، تخيّل بقية المشهد: طلعات طيران يومية. إصابة أهداف لمقاتلي «داعش». عناوين بارزة على معظم الفضائيات العربية التي سترحّب وتصفّق. مؤتمرات صحافية للناطقين باسم الرئاسة والخارجية الأميركيتين.

ثم، بعد أسابيع قليلة، يبدأ الإعلام الأميركي، وليس الفضائيات العربية، بالانتقاد ثم الحديث عن صعوبة القضاء على «داعش» من دون عمليات برية، وصولاً إلى الاتهام بالفشل. أما السرّ الكبير فسيحيط فقط بحجم مليارات الدولارات التي ستنفقها دول الخليج لتغطية هذه الحرب الطويلة.
لنطرح سؤالاً بسيطاً فقط: ما الذي دفع باراك أوباما فعلاً إلى تشكيل هذا التحالف؟ هل الخوف من «داعش» فقط؟
لنرَ الآن كيف كان العالم قبل ساعات من اجتماع جدة الذي أطلق الجبهة الدولية والإقليمية ضد الإرهاب:
ــــ شعبية أوباما في مستوى متدنٍّ جداً. الجميع يتهمه بالضعف والتقصير. اللوبي المؤيّد لإسرائيل يهاجم سعيه للاتفاق مع إيران. بعض هذا اللوبي مستاء من سوء العلاقة بين أوباما وبنيامين نتنياهو ومستاء من انتقاداته لبناء المستوطنات الإسرائيلية. مؤيدو أوباما ضد «داعش» لم يتعدوا 32 في المئة، بينما أكثر من 55 في المئة يرونه متردداً ومتخبطاً في استراتيجيته. لا بد إذاً من عمل خارجي لتحسين الشعبية قبل الانتخابات القريبة. المسرح العربي هو الأفضل… دائماً.
ــــ المؤسسة العسكرية الأميركية مستاءة من خطوات خفض الميزانية العسكرية (من 700 مليار إلى أقل من 540 ملياراً) وخفض عديد الجيش الأميركي إلى أقل مستوى منذ عام 1940. لا بد إذاً من بؤر نار خارجية لتبرير الحفاظ على ما هو قائم. المسرح العربي جاهز.
ــــ الرئيس فلاديمير بوتين ينعش الحلم الروسي. الشعور القومي في روسيا تنامى على نحو لافت بعد التحدي البوتيني المستمر لأميركا في الملفات الدولية. العقود العسكرية تتمدّد صوب الشرق الأوسط والمغرب العربي. العلاقات تتطوّر مع مصر والعراق والجزائر والمغرب، وخصوصاً مع سورية وإيران. 3 فيتوات روسية وصينية لمنع المغامرات الأطلسية في سورية. الفخ الأوكراني الذي أُريد منه تطويق بوتين زاد الشعور القومي الروسي، وقد يضرّ بالاقتصاد الأوروبي.
ــــ خطوط النفط شهدت في السنوات الماضية تطورات كثيرة. البعض استهدفها. بعضها الاخر سقط بيد الارهاب. بعضها الثالث خضع لبازار تنافسي خطير بين اميركا واوروبا من جهة وروسيا من جهة ثانية. لا يستطيع اوباما الا العودة لتأمين حماية مباشرة لخطوط النفط.
ــــ دول البريكس (أي روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا) تقرر إنشاء مصرف للتنمية بـ 50 مليار دولار مع احتياطي 100 مليار دولار. يُراد له أن يحلّ مكان صندوق النقد الدولي أو ينافسه لاحقاً. تقرّر هذه الدول أيضاً التفكير في عملة بديلة للدولار الأميركي. ليس سهلاً أن يرى أوباما هذه الدول التي تمثل 40 في المئة من سكان العالم وخمس الإنتاج العالمي متجهة لتشكيل قوة عالمية بديلة ومهددة. لا بد إذاً من التذكير بقوة أميركا. لاحظوا عبارات أوباما في خطابه الأخير. الكثير منها يصبّ في خانة هذا التذكير. قابله خطاب لبوتين يؤكد فيه الاستمرار في منع أميركا من التأثير في الدول التي لا تتفق مع سياستها. قال الرئيس الروسي مراراً إن على أميركا أن تقبل التعامل معنا كحلفاء أنداد، لا كتابعين.
ــــ إيران تحقق أرباحاً كثيرة من مفاوضاتها مع الغرب (استعادت ما لا يقل عن 6 مليارات دولار). تموضع نفسها في صدارة الدول المواجهة للإرهاب. تثير مخاوف السعودية وبعض الخليج في العراق واليمن وسورية ولبنان، وصولاً إلى بعض المناطق الآسيوية والأفريقية. تزداد الضغوط السعودية والإسرائيلية على أوباما. لا يمكن أن تربح إيران بالاتفاق النووي مع الغرب وبتعزيز مواقعها حول الخليج والبحر الأبيض المتوسط.
ــــ الحليف السعودي مهدد فعلياً بـ«داعش»، خصوصاً بعد أن وضع التنظيم و«النصرة» على لائحة الإرهاب.
ــــ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلوّح بالحليف الروسي. تثير زيارته لموسكو قلق أميركا. تتسرب أنباء عن صفقات سلاح. يجري حديث عن احتمال وساطة مصرية بين السعودية وسورية. يؤكد هذا الاحتمال توقف مصر عن توجيه أي انتقاد علني للرئيس بشار الأسد وقلب صفحة الرئيس محمد مرسي والإخوان المسلمين. لاحظوا الكلام العالي جداً الذي قاله كيري في القاهرة، طاوياً بذلك نهائياً صفحة الانتقادات الأميركية لما فعله السيسي ضد الإخوان المسلمين. كالعادة، المصالح أهم من المبادئ.
ــــ في سورية الأخبار غير مشجعة. الأسد يعود رئيساً للمرة الثالثة. الجيش وحليفه حزب الله يستمران بالتقدم في الغوطة والقلمون وحلب، رغم بعض النكسات في الرقة وغيرها. تتعدد المقالات والبرامج عبر التلفزات الأميركية التي تقول إن التحالف مع الأسد أفضل من دعم مسلحين لم يبق من اعتدالهم شيء وسط هيمنة «داعش» و«النصرة» وغيرهما على المشهد. يغرق الائتلاف السوري المعارض في خلافاته وانشقاقاته فيخذل الحلفاء الغربيين، حتى ولو أن بعض المعارضة على غرار كمال اللبواني يفاخر بوجوده في إسرائيل.
هكذا كان المشهد الدولي والإقليمي. فجأة تسيطر «داعش» على الموصل وتتجه صوب الشمال الكردي. سيقول التاريخ، يوماً، كيف ولماذا سيطرت «داعش» على كل تلك المناطق تحت أنظار الرادارات والقواعد الأطلسية. المهم أن القلق دبَّ أينما كان. ثم جاء ذبح صحافيين أميركيين ليزيد المشهد قتامة وقلقاً وخطراً. لا بد إذاً من منقذ أميركي. صارت عودة أميركا إلى المنطقة مطلباً شبه جامع. نجح أوباما في استعادة شيء من هيبة أميركا. عاد يقود تحالفاً دولياً وإقليمياً يعيده إلى العراق ويخفّف عنه الضغوط الداخلية. لم ينسَ أن يكثف العقوبات على روسيا ويدفع الأوروبيين إلى المزيد منها أيضاً.
هل سيستمر بالنجاح ليقضي على «داعش»، أم أن طريق التحالف مزروع بالفخاخ والألغام، وخصوصاً الفخ السوري؟ يبدو من مواقف الجمهوريين وبريطانيا وتركيا وألمانيا وإيران وروسيا، أن الألغام أكثر سرعة من آمال النجاح.

السابق
كهرباء لبنان: التيار سيعود تدريجيا
التالي
تراكم النفايات في قرى النبطية