على “شيعة السفارة” أن يتحسّسوا رقابهم مجدداً، ذاك أن انشقاقهم عن طائفتهم وابتعادهم عن حزب اللهـ”ها”، لن يحميهم من الوجدان السنّي المستعر بالموجة الداعشية. عليهم وأثناء إدانتهم “داعش” أن يتفادوا التعميم، فهم شيعة في النهاية، واستيقاظ الضغينة في صدورهم أمر وارد. السنوات التي أمضوها في خصومة “حزب الله” لا تعني شيئاً، ويمكن للممانعين الجدد، الذين استرجعوا فلسطين من “حزب الله” على نحو ما استرجع المسلمون الكعبة من القرامطة، أن يرصدوا شطتهم.
و”شيعة السفارة” هم اليوم في موقع شديد الغرابة. فها هو وليد المعلم يدعو أميركا علناً للتنسيق مع بلاده في حال قررت غزوها. لا بأس بالإمبريالية إذا كانت وظيفتها حماية نظام مجرم. جرى ذلك في ظل صمت ضمير الأمة وسوسلوف الممانعة المقيم في فرجينيا. “شيعة السفارة” حائرون، وحالهم يقول: “أجو شيعة حزب الله لعنّا على السفارة”. إذاً احتمال إدانتهم بشيعيّتهم صار ممكناً من قبل الوجدان السنّي هذه المرة، بعد أن دانهم سابقاً الوجدان الشيعي بانشقاقهم عنه! عليهم أن يتفادوا الكلام عن “داعش”، وأن يميزوا بينها وبين العشائر، وبينها وبين البعث، وبينها وبين كل شيء. من الأفضل لهم تجنب تناولها أصلاً. هناك إسرائيل. لماذا لا يحصرون اهتمامهم بجرائمها؟ وهناك بشار الأسد ونظامه… كم يبدو صعباً بالفعل الموقع الذي وجد “شيعة السفارة” أنفسهم فيه.
“حزب الله” بعد أن أنجز تحرير يبرود (نيو قدس) ودفع بأهل القلمون إلى عرسال، بدأ بالصراخ بأن “داعش” وصلت إلى لبنان مع اللاجئين. في هذا الوقت استعاد السنّة فلسطين، وها هم يُطلقون صواريخ الغراد إلى الجليل من نفس المنصات التي كان يُطلق منها حزب الله صواريخه. تبدلٌ هائلٌ بالأدوار والوظائف. كيف لجماعة هشّة كـ”شيعة السفارة” أن تستوعب هذا المتغير الهائل. أَسْعِفهم يا سوسلوف، فأنت من فرجينيا كنت قد منحتهم الاسم والصفة والوظيفة. ها هم اليوم متهمون برجس أصلي بعد أن تدعشن قومهم، والسفارة أقفلت أبوابها بوجههم. إتصِل بوليد المعلم، فربما يُنجدهم بغرفة في السفارة التي يطمح إلى إعادة افتتاحها في دمشق.
ليس هزالاً كل ما ورد أعلاه، والشخصيات الوارد ذكرها لا تمتّ إلى الخيال بعلاقة. لهذه القصة أشخاصها الحقيقيون، ووقائعها الفعلية. كاتب هذه السطور سبق أن ضمّه مناصرون لـ”حزب الله” إلى جماعة “شيعة السفارة” وكان من بين من أقدم على ضمه إلى هذه الجماعة المُتَخيلة، شيعة ملتحقون حديثاً بـ”حزب الله”، وزوار سابقون للسفارة ولواشنطن، علماً أنه لم يزر يوماً السفارة ولا زار واشنطن. اليوم، المطلوب منه أن يلتزم حدوده حيال “داعش” وأن يتجنب أوصافاً لها قد تسيء إلى الطائفة السنّية الكبرى. وإلا التهمة نفسها جاهزة، ولكن من سيُلصقها به هذه المرة هم زملاء من الطائفة السنيّة الكريمة.
وهذه بعض أحوال الأمة منذ قرون… فـ”وردة على بحر العرب”.