داعش ليس لها أعداء

 تنظيم داعش اقرب الى اللقيط منه الى المولود الطبيعي، إذ بالاضافة الى انه مجهول الابوين الشرعيين بحيث اننا نكاد نكتشف له كل يوم والدا جديدا  او على الأقل حاضنا جديدا. يضاف الى ذلك، وما يزيد من حالة "الغموض الخطر" التي تحيط به هي تعدد المستفيدين منه الذين لا يقلّون عن حجم الأعداء.

لا شك بأنّ ولادة تنظيم داعش وإعلان دولتها الإسلامية جاءا في لحظة تناقضات إقليمية مرعبة وصلت الى ذروتها، مما شكل حالة غريبة من التداخلات والتقاطعات والتناقضات لم نشهد لها مثيلا. ومحاولة المقارنة بينها وبين لحظة ولادة تنظيم القاعدة فيه الكثير من التبسيط حتى وان كانا يشتركان بنفس الرحم وبنفس عملية التزاوج بين نطفة الفكر الوهابي من جهة وبويضة الإسلام التكفيري من جهة أخرى.
الا ان الظروف التي رافقت ولادة تنظيم القاعدة في اب 1988، فقد كانت يومها بغاية الوضوح، ولا اشكال يذكر في معرفة الحسب والنسب، فالمخابرات المركزية الامركية والمخابرات السعودية هما الابوان الطبيعيان لها، وهذا امر اشبه بالمعلن ولا يحتاج لكثير بحث وتدقيق. كذلك الهدف والدور كانا بغاية الوضوح، فشكل قتال الاتحاد السوفياتي بما يمثل من احتلال لديار المسلمين ونشر للالحاد على حساب الدين والتدين الواجب الجهادي المقدس لها، مما حوّل الاتحاد السوفياتي حينها الى العدو الأول والوحيد.
واما بالعودة الى تنظيم داعش فهو اقرب الى اللقيط منه الى المولود الطبيعي، إذ بالاضافة الى انه مجهول الابوين الشرعيين بحيث اننا نكاد نكتشف له كل يوم والدا جديدا او على الأقل حاضنا جديدا. يضاف الى ذلك ومما يزيد من حالة “الغموض الخطر” التي تحيط به هي تعدد المستفيدين منه الذين لا يقلّون عن حجم الأعداء.
والغريب بالموضوع هنا هو هذا التشابك العجيب بين العداء والمصلحة من نفس الطرف، فالسعودية مثلا المستفيدة من تعاظم حجم داعش في العراق، والذي امّن لها ويؤمّن حضورا قويا كلاعب أساسي على الملعب العراقي، بعد ان طٌردت منه وتفردت به خصمها اللدود ايران هي نفسها هذه السعودية التي تخشى من تمدد هذا الخطر الى الداخل السعودي وزعزعة نظامها بكونه نظاما كافرا ومرتدا.
وكذلك الحال بالنسبة الى ايران المتضررة الأكبر من قيام داعش في العراق لدرجة اجبارها على القبول بتسوية سياسية دفعت بسببها اثمان بالغة، واطاحت برأس رجلها الأول نور المالكي. هي نفسها هذه الايران التي سهلت بقرار منها خروج قيادات هذا التنظيم من سجن أبو غريب وسهلت لهم الذهاب الى سوريا للاستثمار هناك بضرب الثورة السورية وتقديم حليفها الأسد كمحارب اول للارهاب مما سمح له بالبقاء كحاجة لا غنى عنها.
وهذا التناقض بمقاربة موضوع داعش ينطبق بحذافيره على الإدارة الاميركية، فداعش نفسها التي تشكل حليف أساسي لها، يسهم بشكل كبير بليّ ذراع ايران واجبارها على القبول بالشروط الامركية على طاولة المفاوضات، هي نفسها هذه الإدارة أيضا تخشى من تمدد هذا الوحش ووصوله لتهديد مصالحها ان في شمال العراق او حتى بالخوف من تفلته من عقاله والانقضاض عليها بعد ذلك، وما 11 أيلول/سبتمبر عنها ببعيد.
فهذا التناقض الكبير بين الخصوم المفترضين لداعش، ان استمر، فانه يعني بان الدولة الإسلامية في العراق والشام سشهد مزيدا من القوة ومزيدا من النمو والتغلغل بالمنطقة، على العكس تماما مما اذا تم الوصول الى تسوية تشكل أرضية لقرار مشترك، حينها فقط يكون القضاء عليها امر بغاية السهولة… والى ذلك الحين فان داعش الان ليس لها أعداء.

السابق
إصابة خبير في منظمة الصحة العالمية بايبولا ورصد الفيروس في الكونغو
التالي
هل فعلا عادت داعش والنصرة إلى عرسال؟