يبدو أن اختراق تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» للخطوط الحمراء، عبر تهديد اقليم كردستان العراق، ومن ثم تنفيذه أول عملية اعدام بحق صحافي أميركي خلال الأزمة الأخيرة، مستعيداً بذلك تجربة الإعدامات المصوّرة خلال فترة الاحتلال الأميركي المباشر للعراق، قد دفع الغرب باتجاه تجاوز الخطوط الحمراء السياسية على المستوى الإقليمي، والانتقال مباشرة من التلميح إلى التصريح الواضح بضرورة أن تلقى جهود مكافحة التكفيريين دعماً من قبل إيران.
وفي هذا الإطار، برز أمس موقفان غربيان يبدوان منسقين في الشكل، حيث دعت وزارة الخارجية الأميركية دول المنطقة، بما في ذلك ايران، الى التعاون من أجل درء الخطر الذي يمثله «داعش»، وذلك بعد ساعات قليلة على دعوة مماثلة أطلقها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، في وقت كشف موقع «ستراتفور» عن لقاء عقد مؤخراً في سلطنة عمّان بين مستشار للرئيس الاميركي جو بايدن ونائب وزير خارجية ايران لشؤون الشرق الاوسط حسين أمير عبد اللهيان، لمناقشة تداعيات غزوة «داعش» للموصل.
ويبدو أن التطورات الميدانية السريعة في العراق، والتي استدعت تدخلاً جوياً من قبل الولايات المتحدة، وتسليحياً من قبل دول أوروبية عدّة، آخرها المانيا، قد أضيف إليها تطوّر رمزي آخر، منذ ليل أمس الاول، حين بث تنظيم «داعش» لقطات لقطع رأس الصحافي الأميركي الذي كان مختطفا في سوريا منذ العام 2012 جيمس فولي، وإعلان وزير حقوق الإنسان في العراق، عن أن التنظيم المتشدد أعدم 420 إيزيدياً وهو يحتجز 690 فتاة من طوائف عراقية مختلفة.
وفي استفاقة متأخرة إلى الخطر الذي يمثله «داعش»، وسنوات من غض الطرف عن الجهات الداعمة لهذا التنظيم، وآليات تمويله وتسليحه، خرج الرئيس الاميركي باراك اوباما، مساء امس، بخطاب اكد فيه أن «لا مكان لداعش في القرن الحادي والعشرين»، مشيراً إلى أن هذا التنظيم «لا يتحدث باسم أي ديانة، فليست هناك ديانة تقول بذبح الأبرياء»، داعياً إلى التعبئة لتجنب انتشار ما أسماه بـ«السرطان»، ومشدداً على أن قتل فولي «صدم ضمير العالم أجمع».
وفيما لم يقدم الرئيس الاميركي تفاصيل عن رؤيته لتلك «التعبئة» ضد «داعش»، تولت وزارة خارجيته هذه المهمة، حين شددت، في بيان صدر ليل امس، ان الولايات المتحدة ستعمل مع الدول المجاورة للعراق وسوريا لوقف تدفق المقاتلين الأجانب إليهما، مشيرة إلى أن «كل من يحارب داعش يقوم بخطوة في الاتجاه الصحيح، ويمكننا الحديث مع إيران، إن قررت القيام بذلك».
وقدّرت وزارة الخارجية الاميركية عدد الأجانب الموجودين في سوريا والعراق بنحو 12 ألفاً، مشيرة إلى ان من بينهم عدد من الأميركيين، ومؤكدة أن واشنطن لن توفر جهداً لمعاقبة كل من يعرّض حياة مواطنيها للخطر، ولإعادة الصحافي الذي تحتجزه «داعش» في اشارة الى ستيفن سوتلوف، الذي ظهر في نهاية شريط ذبح فولي، والذي هدد متحدث باسم «داعش» انه سيكون الضحية التالية لعمليات الاعدام.
وقبل ساعات من هذا الإعلان، اطلق وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس تصريحات تصب في الاتجاه ذاته، حين اعرب عن امله في أن «تتحرك دول المنطقة كافة ومن ضمنها إيران، إضافة إلى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي معاً ضد «داعش».
وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أوّل من المح إلى استعداد الغربيين للتعاون مع ايران لمواجهة «داعش»، حين كتب في مقال نشرته صحيفة «تلغراف» يوم الاحد الماضي أن ثمة ضرورة لأن «تتعاون بريطانيا مع دول مثل السعودية وقطر ومصر وتركيا، وحتى مع إيران» لمواجهة خطر التنظيم المتشدد.
من جهته، أعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، في مقابلة نشرتها صحيفة «لوموند» الفرنسية امس، أنه سيقترح قريبا عقد مؤتمر حول الأمن في العراق ومحاربة تنظيم «داعش»، معتبرا أن الوضع الدولي اليوم هو «الأخطر» منذ العام 2001. واستخدم هولاند عبارة «الإستراتيجية الشاملة» التي اطلقها باراك اوباما حين امر بشن ضربات جوية في شمال العراق.
لقاء اميركي – ايراني
وتزامناً مع الحديث عن إمكانية التلاقي بين الغرب وطهران ضد «داعش»، كشف موقع «ستراتفور» الاميركي المقرّب من الأوساط الاستخبارية، عن مسعى لإعادة إحياء قناة ديبلوماسية خلفية من أجل بحث هذا التهديد، كانت بدايتها في لقاء عقد في مسقط بين نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ومستشار نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، جيك ساليفان، وذلك بعد انهيار الجيش العراقي في مواجهة تنظيم «داعش» في حزيران الماضي.
ولفت الموقع إلى أن الولايات المتحدة عملت مع إيران خلف الكواليس من أجل إزاحة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، الذي تعتقد الدولتان أنه يتحمل المسؤولية عن الأزمة السياسية الحاصلة في العراق، وان الدولتين اتفقتا على ضرورة التخفيف من حدة الخلافات بين السنة والشيعة وكذلك بين بغداد وأربيل.
لكن عبد اللهيان انتقد امس الغربيين بسبب تغاضيهم عن عمليات دعم وتمويل وتسليح «داعش»، في الوقت الذي ينهمكون فيه بمراقبة التحويلات والحسابات المصرفية الإيرانية تطبيقاً للعقوبات الخاصة بالملف النووي. وشدد عبد اللهيان على ان ايران تقدم دعماً «سياسياً» لبغداد واربيل، متحدثاً بشكل خاص عن «نصائح سياسية» و«تبادل خبرات»، ونافياً في هذا الإطار تقديم اي دعم عسكري.
في هذا الوقت، أعلن وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، أن حكومته مستعدة لتزويد أكراد العراق بالأسلحة «في أسرع وقت ممكن». وقال خلال مؤتمر صحافي «نريد أن نقوم بذلك بكمية من شأنها تعزيز قدرة الأكراد الدفاعية»، مشيرا إلى مخاطر حدوث «كارثة» قد يكون لها نتائج «مدمرة» على باقي العالم.
المسار الحكومي
وفي وقت يتركز الاهتمام الدولي على الدعم العسكري للأكراد ضد «داعش»، يبدو ان المسار الحكومي في العراق يسير على قدم وساق، حيث اعلن موقف وزير الخارجية العراقي المنتهية ولايته هوشيار زيباري أن الوزراء الأكراد الذين علّقوا مشاركتهم في حكومة المالكي عادوا إلى حكومة تصريف الاعمال، مؤكداً عودته «إلى بغداد كوزير للخارجية».
من جهته، نصح رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي خلفه الرئيس المكلف حيدر العبادي بتشكيل حكومة غالبية سياسية إذا ما واجه مطالب كثيرة وتعرض للابتزاز من قبل الأطراف السياسية.
وأمل المالكي في كلمته الأسبوعية للعبادي أن «يمضي وأن يتمكن من تشكيل حكومته، وفق المعايير والالتزامات والكفاءات، والا توضع على طاولته مجموعة كبيرة من المطالب والتحديات وعمليات الابتزاز».
ميدانيات
ميدانياً، وجّهت القوات الأميركية ضربات جديدة إلى «داعش»، بحسب ما أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي، فيما ذكر مسؤول آخر في البنتاغون أن «الضربات تركزت على شمال العراق حيث تحاول القوات الجوية الأميركية منع تقدم المتطرفين»
إلى ذلك أعلنت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن جسرا جويا لنقل المساعدات الإنسانية إلى شمال العراق بدأ في مستهل عملية تستمر عشرة أيام لتقديم خيام ومساعدات أخرى إلى نصف مليون شخص «يكافحون من أجل البقاء» عن طريق تركيا والأردن وإيران.
وفي الشأن الداخلي، أعلن مسؤولون في محافظة الأنبار أن المحافظة تنتظر موافقة مبدئية لإعادة 200 من ضباط الجيش العراقي السابق إلى الخدمة. وقال مسؤول في مجلس المحافظة، إنه ينتظر حاليا الموافقة لإعادة حوالي 1500 من ضباط الجيش والشرطة الذين صرفوا نتيجة قانون اجتثاث البعث.