ماذا يحصل في بلدية بيروت؟

تختلف الأسباب والنتيجة واحدة: هناك أكثر من معترض ومتحفظ ورافض للتشكيلات الإدارية التي وضعها محافظ بيروت القاضي زياد شبيب في بلدية بيروت، وشملت رؤساء مصالح وإدارات ومراكز أخرى.

كانت بلدية العاصمة التي تشمل بخدماتها نحو نصف سكان لبنان، أي ما يعادل نحو مليوني نسمة، أمس، محور لقاءات واجتماعات، بالإضافة إلى مركز المحافظة نفسها التي أقفل رئيس السلطة التنفيذية فيها هاتفه الخلوي، فيما ردت أمينة سر مكتبه على المتصلين قائلة أن المحافظ في «اجتماعات عمل ولا يمكنه الحديث مع أحد»، وعليه، تعذر الاستماع إلى رأيه بشأن خطوته الإدارية.
وعلمت «السفير» أن هناك مسعى لتجميد قرار التشكيلات التي وافق عليها وزير الداخلية نهاد المشنوق قبل سفره إلى حين عودته.
وقد بدا رئيس بلدية بيروت بلال حمد «غير راض»، مع أنه نفى ذلك في اتصال أجرته معه «السفير» قائلاً «لم أطّلع بعد على التشكيلات، وليس لدي موقف مسبق منها وأنا بانتظار اطلاعي عليها والتنسيق معي كوني رئيس البلدية المنتخب، وذلك وفقاً للأصول واللياقات والأعراف المتبعة».
ينسحب عدم الرضا أيضاً على «الثنائي الشيعي» الذي لم يعلق أحد من مصادره على الموضوع حتى الآن، فيما تمنى القيادي في «التيار الوطني الحر» زياد عبس أن تكون التشكيلات التي وضعها المحافظ «تراعي التوازنات الطائفية والسياسية في لبنان، والأهم أن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب، مع الأخذ بالاعتبار معيار الكفاءة». وأشار عبس إلى أن خطوة المحافظ تأتي من «ضمن خطة إصلاحية أكبر، وعليه نتمنى في حال وجود أية شوائب في التعيينات، أن يتم استدراكها في الخطوات اللاحقة».
ولكن ما هي قصة التشكيلات والتعيينات؟
للوهلة الأولى، يستنتج المتابعون أن المعلومات التي رشحت عن التعيينات «لا تنسجم والأجواء التي أشيعت في البلاد بعد عودة الرئيس سعد الحريري ومن ثم دعوة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله للحوار». ويتوقف هؤلاء عند المنحى الذي أخذته التعيينات باتجاه إمساك شخصيات محسوبة على «تيار المستقبل» بمفاصل أساسية في مصالح البلدية ودوائرها، وعلى رأسها مصلحتا المالية والهندسة. ويقول هؤلاء أن «طبخة التشكيلات تحمل بصمات بعض مستشاري وزير الداخلية وأحد نواب عكار ومحافظ بيروت وتضمنت نوعا من المفاضلة بين أبناء التيار السياسي الواحد باتجاه تعزيز الأكثر موالاة لأصحاب القرار والنفوذ».
ولعل المأخذ الأبرز «هو عدم التشاور مع جميع الفرقاء السياسيين، وبالتحديد مع حركة «أمل» و«حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، وهنا يعبر زياد عبس عن «احترام التيار لمحاولة رأس السلطة التنفيذية في بيروت (أي المحافظ) إجراء ما يراه مناسباً من دون تدخل السياسيين»، ولكنه يأمل أن «يتم تطبيق هذا المعيار على الجميع، وليس على أفرقاء سياسيين دون غيرهم». ويلفت الانتباه إلى أن «ملف الجامعة اللبنانية، وعلى أهميته، لم يتم إلا بالتشاور مع جميع الأطراف السياسية في البلاد، ولم يتصرف فيه الوزير الياس أبو صعب وفقاً لميول التيار ورئيسه الجنرال ميشال عون».
ويتوقف المتابعون عند مفصل أساسي يتعلق بالتوزيع الطائفي لمدراء المصالح في البلدية، وتجاوز التشكيلات لعرف تاريخي يراعي التوازنات المبنية على عدد ناخبي العاصمة. وهنا تشير شخصية بيروتية معنية بالشأن البلدي لـ«السفير» الى أنه «جرت العادة أن يتوزع مدراء المصالح التسعة في البلدية على خمس شخصيات مسلمة (ثلاثة من الطائفة السنية ومدير مصلحة شيعي وآخر درزي) وأن تكون حصة المسيحيين أربعة مدراء مصالح (أرثوذكسيان وماروني وكاثوليكي)».
أما اليوم، ووفق المصدر نفسه «وضع المحافظ شبيب في تشكيلاته خمسة مدراء مصالح من المسيحيين بينهم ثلاثة أرثوذكس، فيما بقي أربعة مدراء فقط للمسلمين، مع العلم أن سبعين في المئة من ناخبي بيروت هم من المسلمين في مقابل ثلاثين في المئة للمسيحيين من جميع الطوائف» والكلام لشخصية بيروتية معنية.
في مقابل اعتراض البعض على عدم مراعاة التوازن المسيحي ـ الإسلامي في توزيع مدراء المصالح، تشير شخصية متابعة للشأن البلدي في بيروت ومحسوبة على «الثنائي الشيعي» إلى أن المحافظ «تجاوز التوازن ضمن مدراء المصالح من المسلمين أيضاً على حساب الحصة الشيعية». ولذا «لا يجوز، وفق الشخصية نفسها، أن لا تتمثل الطائفة الشيعية في تسع مصالح في البلدية مع أن عدد الناخبين الشيعة يصل إلى 75 ألف ناخب في بيروت وهم ثاني قوة ناخبة بعد السنة البالغ عددهم نحو 220 ألف ناخب».
الشخصية نفسها تشير إلى أن «تعيين المحافظ شخصية سنية في إدارة مصلحة المالية بعدما كانت عرفاً من حصة الطائفة الشيعية، بالإضافة إلى تعيينه شخصية سنية أيضاً في منصب قائد فوج حرس البلدية الذي كان يتولاه ضابط متقاعد من الجيش من طائفة أخرى. في المقابل، تلفت مصادر مدافعة إلى انه تمت مراعاة الحصة الشيعية عبر تعيين بدرية عبدالله في إدارة مصلحة أمانة سر المجلس البلدي بعد نقلها من الصحة، ولكن مصادر «الثنائي الشيعي» تعتبر المنصب (أمانة سر المجلس البلدي) مركزا «يمكن تجاوزه وتهميشه عبر جيش المستشارين في رئاسة البلدية».
وبرغم نفي رئيس بلدية بيروت بلال حمد لـ«السفير» اعتراضه على التشكيلات، إلا أنه أشار في اتصال معه إلى أن «رئيس بلدية بيروت هو رئيس البلدية الوحيد في لبنان الذي لا يملك صلاحيات السلطة التنفيذية في بلديته، وهي التي أنيطت بمحافظ العاصمة المعيّن من قبل مجلس الوزراء». وعليه، يؤكد حمد «لذلك درجت العادة، وعند حصول تشكيلات كبيرة في البلدية أن يتم التنسيق مع رئيس البلدية، وهو أمر لم يتم حتى الساعة»، وفق حمد الذي قال «أضعف الإيمان أن يتشاور المحافظ مع رئيس البلدية المنتخب في تشكيلات في البلدية التي يرأسها، فهل يعقل أن يدخل إلى مكتبي غداً مدير مصلحة يعمل معي، ولم أستشر بتعيينه؟ كيف ذلك حتى لو كان هذا الشخص ملاكاً؟».
يذكر أن جلسات تنسيق أسبوعية تجري بين رئيس البلدية والمحافظ منذ تولي المحافظ شبيب منصبه وتم خلالها البت في الكثير من الأمور البلدية «برغم أن القانون يقول أن المجلس البلدي يقرر أما المحافظ فوظيفته التنفيذ، ومع ذلك كانت البلدية تنسق مع المحافظ في كل شيء، بينما تفرد الأخير في التشكيلات ولم يتشاور أو حتى يطلع رئيس البلدية عليها، وفي ذلك خرق لأصول التنسيق والتشاور المتبع تاريخياً بين الطرفين» على حد تعبير أحد أعضاء المجلس البلدي.
بالإضافة إلى الاعتراضات السياسية المتمثلة بعدم الاستئناس برأي بعض الأفرقاء السياسيين، وأيضاً، ما أسماه البعض القفز على التوازنات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين وحفظ حصة الشيعة في المصالح، وكذلك عدم إطلاع رئيس بلدية بيروت على التشكيلات، برز اعتراض بيروتي على عدم إعطاء الأولوية لـ«أبناء العاصمة في التشكيلات، وهو أساس في موظفي أي بلدية، حيث تعطى أولوية الوظائف فيها لأبناء المدينة أو المنطقة المعنية». وغمز البعض من قناة تعيين بعض الشخصيات في مراكز مهمة، ومنها مصلحة المالية (علي عثمان من منطقة الإقليم على سبيل المثال لا الحصر). ودافع البعض عن عدم مراعاة الأولوية لأبناء بيروت بالقول إن «المحافظ مضطر للأخذ من الموظفين في البلدية وللأسف أن أبناء بيروت ليسوا كثرا في المراكز التي شملتها التشكيلات».
من جهته، رأى عضو مجلس بلدية بيروت هاغوب تارازيان أن «القرار يعود للمحافظ، وأن التغيير ضروري وينشط العمل البلدي، وبالنسبة لي المهم أن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب». وأشار إلى ان السؤال الأساسي يكمن في «هل لدينا ثقة بالمحافظ أم لا؟».
وعليه فإن المرجع الوحيد للاعتراض على ما يقوم به، وفق تارازيان، هو «طرح الثقة به في مجلس الوزراء من قبل الفرقاء السياسيين». ورأى أن شبيب «شخص يمكن الثقة به، ونحن ندعمه».

 

السابق
شبكة دعارة في البوار
التالي
هل تختفي اللغة الآرامية من العراق؟