من يعرقل تنظيم الوجود السوري في لبنان؟

أكثر من مليوني و900 ألف سوري لجأوا الى بلدان مجاورة هرباً من القتل والدمار والقصف والقنص، والأسلحة الكيميائية وغاز السارين،… توزعوا على البلدان المجاورة جغرافياً الى سوريا، من بينها لبنان الذي لم ينظم حتى اليوم الوجود السوري منذ بدء الأزمة السورية في العام 2011، في حين تمكنت كل من تركيا والأردن من اقامة مخيمات عند الحدود مع سوريا.

موزعين عشوائياً، يعيش أكثر من مليون و150 الف لاجئ سوري في فقر مدقع وظروف معيشية اكثر من سيئة في كل المناطق السورية. اضافة الى الوضع المعيشي القاسي للاجئين برزت في الفترة الأخيرة، سيّما بعد أحداث عرسال تداعيات الوجود الكبير للسوريين وعدم تنظيم وجودهم على الوضع الأمني والاستقرار في لبنان. شكلت معارك عرسال، نقطة فصل، خصوصاً، بعد معلومات عن خروج المسلحين من المخيمات والاشتباك مع الجيش اللبناني.

أحداث عرسال سلّطت الضوء على تفاقم المشكلة، وأعادت ملف انشاء المخيمات للاجئين الى الواجهة، رغم العوائق الكثيرة التي تواجه الدولة لأسباب متشعبة، فالأطراف اللبنانية متفقة على فكرة انشاء المخيمات، انما الآراء متناقضة في ما يتعلّق بآلية التنفيذ ومكان اقامتها، في حين يرفض المجتمع الدولي اقامة أي مخيم لا يبعد مسافة 30 كيلومترا عن الحدود، وذلك بسبب المخاوف من قصفه.
ويشير وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس الى أن “المجتمع اللبناني يشهد اكتظاظاً واحتقاناً ينذران بانفجار كبير، لذا هناك ضرورة لمعالجة الوضع بأسرع وقت ممكن”.
ويؤكد لـ”النهار” ان الوزارة تتبنى “كل ما هو متفق عليه من الأطراف السياسية كافة”، لافتاً الى “استمرار دراسة فكرة انشاء مراكز عند الحدود تلتزم شرطي ضمانة دولية وتمويل”.

تضخم الأزمة

بلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان مليون و151 ألف وفق آخر تقرير صدر عن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCR)، غير ان الحكومة تقدر ان عددهم تخطى ثلث سكان لبنان.
يجمع السياسيون اللبنانيون على ضرورة حل هذه المشكلة، ويعزو النائب في كتلة المستقبل جمال الجراح سبب تضخم الأزمة الى غياب الحكومة السابقة عن هذا الموضوع والنأي بنفسها، ما أدى الى انتشار مخيّمات عشوائية غير مدروسة من الناحية الانسانية او الأمنية.
في 24 أيار 2014، قرر مجلس الوزراء تشكيل خلية لمواجهة النزوح السوري الكثيف الى لبنان، وجرى التأكيد على ضرورة الامساك بالملف وعلى معايير دقيقة وضعت لصفة النازح، منها أن كل من يذهب إلى سوريا من النازحين المسجلين على جدول المفوضية السامية لشؤون اللاجئين يفقد صفته كنازح.

ويؤكد الجراح لـ”النهار” “اننا اليوم في مرحلة يتوجب فيها على الحكومة أن تدرس انشاء المخيّمات وتنظيمها بهدف مراعاة الوضع الانساني وحفظ امن لبنان واستقراره، مشدداً على أنه لا يحق لأحد أن يطلب من السوريين مغادرة. وكان وزير الداخلية نهاد المشنوق شرح لـ”النهار” أن “اللاجئين السوريين هم أربع فئات: فئة عليها أحكام قضائية في سوريا لا يرضى لبنان ان يعيدها الى بلادها، فئة تمتلك أوراقا سليمة، فئة دخلت لبنان بطريقة غير شرعية وقد تمت تسوية اوضاعها في الامن العام اللبناني، واخيرا فئة لا أوراق في حوزتها وهي أيضا لا يمكن اعادتها الى سوريا”. ولفت الى “ان النظام السوري يرفض في المطلق اعادة اللاجئين أيا يكن وضعهم القانوني”.
ويرحب الجراح بفكرة انشاء المخيمات عند الحدود، مشيراً الى ان جغرافية لبنان لا تحتمل القيود والشروط التي تفرضها الأمم المتحدة، مؤكدا انه “على الحكومة اللبنانية مناقشة الامر مع الامم المتحدة”.

البعد عن الواقع

“اللي بيعد العصي مش مثل اللي يكلها”، يعلق النائب ألان عون على رأي المجتمع الدولي في شأن مكان انشاء المخيمات، “النظريات التي تخرج من غرف المجتمع الدولي بعيد كل البعد عن الواقع الذي نعيشه في لبنان”.

تواجه فكرة انشاء المخيمات داخل الأراضي اللبنانية، معارضة خصوصا من الأطراف المسيحية، فهاجس التوطين وتكرار التجربة الفلسطينية في لبنان اضافة الى الوضع الأمني، تشكل مثلاً عن ما يمكن ان يحصل في المستقبل.
لا يرفض التيار الوطني الحر فكرة انشاء المخيمات، انما يؤكد ضرورة انشاء المخيّمات، إما داخل الأراضي السورية او عند الحدود، وقول النائب عون لـ”النهار” على انه “لا يمكن الاستمرار في عدم التواصل مع الجانب السوري، وذلك لجهة مسؤوليته تجاه السوريين في لبنان وليس من الجانب السياسي فقط”.

تنتشر في لبنان مخيمات عشوائية، انما الخوف من تكريس انشاء مخيّمات في الداخل، وفق عون، هو في ” اشكالية ديمومة هذا الوجود”، ويشير الى أن إشكالية اخرى متصلة بأن “أعداداً من الموجودين لديهم خلفيات عسكرية وقتالية”.

ويقول وزير العمل سجعان قزي لـ”النهار” انه “منذ اليوم الأول طالبنا بمخيّمات سورية ليس فقط حرصاً على الأمن اللبناني ،انما للحفاظ على كرامة اللاجئين المشردين بشكل عشوائي في لبنان”. وفي رأيه، أن هذا الوجود أصبح يهدد الأمن في لبنان من النواحي العسكرية والاجتماعية والاقتصادية، ولا سيّما من ناحية العلاقات بين الطوائف والمذاهب في لبنان.

“الحل بات ضرورة”

فكرة انشاء المخيّمات اعترضتها عقبات عدة أبرزها رفض النظام السوري اقامة مخيّمات داخل أراضيه، وفق قزي الذي يشرح ان “العقبة الثانية تمثلت في رفض المنظمات الدولية انشاء المخيمات عند الحدود السورية بحجة أمن النازحين في حين أنها بنت مخيمات لهم على الحدود التركية – السورية والأردنية- السورية، والسبب الثالث هو عدم ترجمة بعض الأطراف اللبنانية لالتزاماتها في بناء المخيّمات اذ اعتبروا أن الموافقة المبدئية تغني عن التنفيذ”.

الحل بات “ضرورة”، لتنفيذ بناء المخيّمات على الحدود اللبنانية السورية في منطقة عازلة، ويطالب قزي بتنظيم اعادة السوريين الى ديارهم لأنه يتبيّن أن مئات الألوف من اللاجئين السوريين يدخلون ويخرجون من سوريا بشكل دوري، مما يعني أن صفة اللاجئ لا تطبق عليهم، ويضيف أن في سوريا فرزاً جغرافياً وحتى طائفياً وهناك مناطقة تابعة للنظام السوري مستقرة وأخرى تابعة للمعارضة السورية مستقرة، وما على السوريين الا ان يختاروا المناطق التي يرتاحون اليها ويعودا الى ديارهم”.
ويؤكد ان “لبنان لا يستطيع تحمل المزيد من النازحين، فحدوده ساقطة عملياً وأمنه مهدد، واقتصاده يئن تحت وطأة الأحداث وميزانيته في عجز ووحدته الوطنية تترنح، لذلك على اللبنانيين ان يتخذوا قراراً موحداً ويسيروا به بغض النظر عن ما يريد المجتمع الدولي”.

رغم التوافق على ضرورة تنظيم الوجود السوري في لبنان، والتشديد على انشاء مخيّمات عند الحدود، تبقى مشكلة التنفيذ بالتمويل. أما الاعتبارات السياسية، فمنها ما هو متعلق بموقف “الامم المتحدة” من انشاء مخيّمات عند الحدود وبضغط قوى “8 آذار” لاعادة العلاقة مباشرة بين الحكومتين اللبنانية والسورية، ومنها ما هو غير واضح تماماً!

السابق
دياب لم يقتل خنقاً… وهذه تفاصيل الجريمة واسبابها
التالي
«داعشي» يقتل 300 مدني سوري لأنه رأى «حورية»