نظرية المؤامرات

تسود ظاهرة نظرية المؤامرة عادة المجتمعات غير الديموقراطية التي تفتقر الى مؤسسات شفافة او ثقافة سياسية متطورة تنبذ وجود قضايا غير خاضعة للنقاش المفتوح وتعتبرها محرمات. والتعلق بنظرية المؤامرات سهل، لانه يبعد المسؤولية عن مروّجيها، ويلقونها على عاتق قوى خفية وخبيثة لا يمكن التحكم بها. النقاش الراهن في المشرق العربي في شأن الظواهر والحركات الدينية المتطرفة وابرزها “داعش” تهيمن عليه نظريات المؤامرة التي يروج لها سياسيون وصحافيون ومن نصبوا انفسهم حماة للسّنة أو الشيعة أو هذا النظام أو ذاك من أجل تعبئة الدعم ضد خصومهم. والتاريخ المعاصر للمنطقة يبين خطورة وسهولة تجييش العواطف حين يحري اللجوء الى التخويف المذهبي أو الطائفي، والى طرح الاخطار التي تواجه أي فئة على انها اخطار وجودية وليست فقط تحديات سياسية.

المضحك المبكي هو ان “مسؤولية” ايجاد “داعش” في هذا السجال السياسي العقيم كما رأينا أخيرا في لبنان يمكن ان تقع على الولايات المتحدة، أو على النظامين السوري والايراني، أو على بعض الانظمة الخليجية، وفقا لاجتهادات الطرف الموجه للاتهام ومصالحه. طبعا الخطاب المؤامراتي لا يرى ضرورة للبراهين والادلة الموضوعية القابلة للتدقيق والاثبات، وعندما تواجه هذه الاتهامات بالنفي، عندها يسرع مروجو المؤامرة الى المطالبة بتأكيدات، واعتبار النفي على انه تأكيد للتهمة الاساسية.
ليس دفاعا عن النظامين السوري والايراني، وانا اعتبر الاول نظاماً اجرامياً مسؤولاً عن تدمير بلاده، والثاني نظاماً ثيوقراطياً رجعياً، ولكن لا ادلة على انهما مسؤولان عن “داعش”. ومن الغباوة القول ان واشنطن مسؤولة عن “داعش” التي تهدد اليوم العراق حيث استثمرت اميركا الغالي بشريا وماديا لايجاد عراق مختلف. صحيح ان اموالاً خليجية (معظمها الآن من رجال اعمال) وصلت الى حركات اسلامية في سوريا من “جبهة النصرة” الى “داعش”، لكنها لا ترقى الى مستوى القول إن “داعش” هي خليقة دولة قطر أو السعودية (رجال الاعمال الكويتيين هم اكبر ممول للحركات الاسلامية في سوريا).
صحيح، كما قالت هيلاري كلينتون قبل ايام، ان “اخفاق” اوباما في تسليح المعارضة السورية في بداية الانتفاضة، احدث فراغا ” ملأه الجهاديون الان”، أو أن نظام الاسد استغل الحرب التي شنتها داعش على فصائل “الجيش السوري الحر واستفاد منها”، لكن هذا لا يعني ان اميركا او سوريا مسؤولتان عن ايجاد “داعش”.
بروز “داعش” ربما كان حتميا بعدما دمرت الانظمة “العلمانية” العربية، العسكرية والبعثية تحديدا المجتمعين السوري والعراقي، وقضت على امكان بناء حكم تمثيلي، وأحدثت الفراغ الذي تملأه الان هذه الظواهر الوحشية مثل “داعش”.

السابق
قانون الايجارات سيصبح نافذا نهاية العام
التالي
لا جديد في موضوع اقرار السلسلة