الموضة الجهادية عند الرجال

“الكفار” يسرقون لباس الجهاديين، يحولونها إلى موضة ثيابية شائعة، بمقدور كل شخص أن يرتدي من تصاميمها، متماثلاً مع الأصوليين الإسلاميين بلا أن يكون واحداً منهم. بهذه الطريقة، علق أبو حمزة التونسي، وهو أحد كتاب موقع “السلفي المودرن” الفرنسي، على رواج السروال الأفغاني، والقميص المتهدل حتى الركبتين، بالإضافة إلى الحذاء الرياضي، أو البوط شبه العسكري، بين غير الجهاديين، ولا سيما “الصليبيين” الشباب منهم في فرنسا والولايات المتحدة الأميركية. إذ يعمدون إلى ارتداء “الثوب السلفي” مغيرين أشكال وجوههم عبر إرخاء الذقن وتطويل الشعر، فيقتربون بمظهرهم من مقاتلي “بلاد الله” من دون أن يكونوا على هذه الحال فعلاً.

إحتج التونسي، وتساءل عن سبب السطو على الأسلوب الثيابي الإيماني، وعلى انتشاره الكبير في “الغرب”. تأرجحت نظرته بين التهديد والتحليل الديني، بحيث ممنوع على “الكافر” أن يرتدي مثل “المؤمن”، لكن، في حال جرى ذلك، فهذه إشارة إلى صحة الإسلام. فهؤلاء، الذين يتبعون الموضة الجهادية، يبدون كأنهم اهتدوا إلى السراط المستقيم، نظراً إلى أن وصايا النبي محمد، المتعلقة بالمظهر، تلامس فطرتهم، خصوصاً بما يرتبط بلحاهم، التي قالت عنها زوجة الرسول عائشة بنت أبي بكر أنها تخلق جمال الرجل. أما مقاس السروال، فيتصل بحكمة أخرى، مفادها رفعه إلى فوق الكاحلين، أو مثلما جاء في حديث نبوي عن الإسبال:
“إزرة المؤمن إلى عضلة ساقيه، ثم إلى نصف ساقيه، ثم إلى كعبيه، فما كان أسفل من ذلك في النار” (رواه أحمد وصححه الألباني). تالياً، يخلص التونسي إلى التأكيد على أن ارتداء “الكفار” للباس شبيه بـ”الثورب السلفي”، يؤكد أن الإسلام “خير أمة أخرجت للناس”، ولا يتوقف الكثيرون عن الإعجاب بها علناً أو سراً.

لباس الجهاديين

بالطبع، إجابة أبو حمزة التونسي تصدر عن ذاته المحددة إديولوجياً، التي ترد الظاهرة الثيابية إلى الميل الخفي نحو الإسلام وطرقه في الإرتداء. إلا أن تلك الموضة الرائجة، التي تحاكي، بالأساس، اللباس الأفغاني، تنتشر لأسباب أخرى. البديهي بينها، يرتبط بإطالة اللحية والشعر، التي اعتمدها عدد من المشاهير في العالم، أكانوا ممثلين (جورج كلوني)، أو رياضين (دايفيد بكهام) أو غيرهم. ما أدى إلى ترويج هذا الشكل الوجهي. مع الإشارة إلى أن الموضة غالباً ما تستند إلى “النجوم” كي تصير متداولة، تماماً مثلما هي الحال مع مصممي الأزياء، الذين يقدمون منتجهم الجديد إعلانياً عبر أحد المغنين أو المغنيات، وبالتالي، يثيرون استهلاكه، ومن ثم ذيوعه بين الناس، أو فئة معينة منهم.

لكن، ما يستدعي الإستفهام أكثر هو كيفية انتشار “الموضة الجهادية” في مجتمعاتٍ، لا يتوقف إعلامها عن بث صور الأصوليين الإسلاميين، الذين تخافهم نتيجة إرهابهم. وبعبارات أخرى، ماذا يعني أن يرتدي أحدهم ثياب “البعبع”، القاعدي على سبيل المثال، في حين أنه مصدر رعبه، أو كيف يرتدي “القتيل” المحتمل لباس “القاتل” الموثق على الشاشات وفي الصحف والمواقع؟ قد تكون الملاحظة الأساسية، أن الترويج لصور الجهاديين السلفيين بهدف الخوف منهم، وللباسهم، أو ما يشبهه، من أجل شرائه، يؤدي إلى جمع الأفراد، المتلقين لتلك الصور، بـ”ثوب الخطر” المتوقع، ليلبسوه، كما لو أنهم يحاكون الأعداء بالمظهر، أو يقتربون من الإرهاب بارتدائه.

يستهلك المرء الإرهاب مرتين، أولاً، كصورة إعلامية، وثانياً كموضة ثيابية. إذ يلبس الثوب الجهادي لأنه يخاف من أصحابه الأصليين، وكي يتماثل معهم، مقترباً منهم، ومبعداً إياهم عنه في الوقت نفسه. ذلك، أن هذا التماثل الشكلي ينطلق من الخوف، وإليه، بهدف تداركه، فعلى أساسه، يتساوى التعلق بمصدر الخطر بالانفصال عنه. بالتالي، تنطوي المعادلة الإرتدائية على الشكل التالي: “نلبس مثلهم، نتشبه بصورهم، وعندما يصلون إلينا، يكون التآلف معهم قد وقع مسبقاً، فلا يرعبوننا”، إلا أن هذه الآلية لا تلغي الذعر بالتماهي، حتى لو بلغ الأخير درجاته الأعلى، بل أنها، على العكس، ترتكز إليه، ويظل مرافقاً لها، كنقطة انطلاق، وكـ”بنية جوانية”، بعد توهم غيابه. ربما، هي تنجح في تخفيفه، لكنها، بالأصل، لا يمكنها أن تزيله، بسبب إنتاجه لها. فببساطة، لا تنتشر الموضة الجهادية من دون أن تُقرن بصورة إرهابيها، وعليه، الترويج لها يحصل بالتخويف من مطلقيها الأوائل، أما استهلاكها، فيتجه صوب موضوعين، الثوب والذعر من لابسه المضمر.

في هذه الجهة، ثمة أكثر من إرهاب. واحد، هو الركيزة، تبثه الصورة الإعلامية، وثاني، سمته أنه كامن، تنشره الموضة، وثالث، بمثابة منتج، يُستهلك للإتقاء منه. وهنا، لا بد من الذكر أن إحدى شركات الأزياء، التي تأخذ من ثياب الجهاد نموذجاً لتصميماتها الثيابية، تقع في لوس أنجلوس، وتدعى “مخافة الله”. وفي حال الربط بين إسمها وآلية إستهلاك الموضة الجهادية، من الممكن تحديد وجه من وجوه الشبه بينهما، بحيث أن الإثنين يستندان إلى الخوف من الموضوع: بغاية احترامه، بالنسبة للرب، الذي كلما ضاعف المرء من “المخافة” اتجاهه، يبتعد عن الخطيئة ويقترب منه أكثر. وبهدف استهلاكه، بالنسبة لصورة الإرهابي، الذي كلما ضاعف المرء من خشيته نحوها، يقترب منها، ويبتعد عنها أكثر، على حد سواء.
وعلى المستويين، تحضر، على ما يقول الفيلسوف سام هاريس عن “مخافة الله” مرتكزاً إلى قاموس التحليل النفسي، متلازمة استكهولوم، بحيث أن “الضحية” تتعلق بمصدر خوفها، أو بعدوها، معلنةً، بشكل مباشر أو غيره، تأييدها له، والتعاطف معه. وبحسب ذلك، وراء ارتداء الفرد لثياب الخطر، ثمة ولاء للخطر نفسه، قد يكون مرده إلى الإعتياد على الصورة المكررة إعلامياً لدرجة التمسك بها، ومحاكاتها بالمظهر. وكما أن “مخافة الله”، في وصايا الكنيسة، تنطوي على حب له، وتقي من عقابه، كذلك استهلاك الإرهابي، في “وصايا” الموضة، تنطوي على مواءمته، وتحمي من خطره.

من ناحية، “محبة الله” تجري بالإبتعاد عن الخطيئة، ومن ناحية أخرى، مواءمة الإرهابي تحصل بالإقتراب من مظهره. مُمارس الأولى، المحبة، المسكونة بالمخافة، هو القديس، الذي يحق له دخول “بيت الرب” وأكل جسده مرات عدة، ومُمارس الثانية، المواءمة، وقبلها الرعب، هو الإرهابي بلا إرهاب، الذي يقدر على دخول صورة الخطر، وارتدائها مراراً كثيرة. بهذا الفعل، يستمر الدين، وينتشر الرهاب، خوفاً واستهلاكاً. بعد ذلك، على أبو حمزة التونسي إدراك أن “الكفار” غيروه إلى منتج، يتعلقون به كلما أرعبهم، يلبسوه كلما هددهم، وربما ليس ضرورياً أن يعترض على كل هذا الحب، على كل هذه التوبة الثيابية من قبلهم!

السابق
الإعادة القسرية لفلسطينيي سوريا.. إنتهاك لمبدأ لحماية الدولية للاجئين
التالي
آخر فتاوي علي جمعة