وفي اليوم الأخير من تموز 2014 توقفت أعمال البناء في التجمع المهني في بلدة مغدوشة، إثر صدور قرار هيئة شورى الدولة القاضي. يبدو أن هذا القرار ينهي مرحلة من النزاع الدائر منذ عام 2000، بين النائب ميشال موسى ومجلس الجنوب وبلدية مغدوشة من جهة وبعض أهالي البلدة من جهة أخرى.
مغدوشة بلدة جنوبية تقع على تلة مشرفة على مدينة صيدا، يسكنها أكثرية ساحقة من أتباع الكنيسة الكاثوليكية، ويطلق عليها اسم عاصمة الكثلكة في الجنوب. معظم أهلها يعيش من العمل الوظيفي، وتنتج البلد أكبر كمية من ماء الزهر الطبيعي في لبنان. وجرت العادة أن ينتخب النائب الكاثوليكي لدائرة الزهراني من البلدة نفسها، ومنذ عام 1992 يشغل المقعد النيابي الدكتور ميشال موسى. وفيها مدرسة تكميلية قديمة يبلغ عدد غرفها 15 غرفة وتقع في منطقة البيدر القديم الذي تحول إلى حي سكني لأهالي البلدة.
عام 2000 أعلن مجلس الجنوب عن نيته بناء تجمع مهني ملاصق للمدرسة وتحويل البناء القديم إلى مدرسة مهنية. هذا التوجه دفع بالمجلس البلدي يوم كان يرأسه العميد الياس خليل لتقديم طلب إلى وزير التربية آنذاك عبد الرحيم مراد تطالب البلدية وضع المبنى بتصرفها. وكان مبررها، أنه من الأفضل دراسة جدوى بناء مدرسة مهنية أو تجمع مهني قبل البناء، في الوقت الذي يوجد مدرسة مهنية متطورة في مدينة صيدا، وأخرى في بلدة عنقون الملاصقة لمغدوشة.
يومها أخذ مراد قراراً بوضع المبنى بتصرف البلدية، هنا يقول مصدر من مغدوشة إن النائب ميشال موسى اتصل بمراد وأخبره بمشروع المدرسة المهنية مما دفع مراد للاتصال مجدداً برئيس البلدية خليل والاعتذار منه وطلب تسليم مفاتيح المبنى لمديرية التعليم المهني والتقني. وقد التزمت البلدية بذلك وسلمت المفاتيح. بعد سنتين من تاريخه بدأ العمل بالمبنى لمدرسة مهنية إلا أن عدد الطلاب لم يتجاوز 75 طالباً منهم أربعة أو خمسة طلال من مغدوشة نفسها والباقي التحق بها بعد رسوب معظمهم في مدرستي صيدا وعنقون.
بعد الانتخابات البلدية عام 2010، اتفق النائب موسى ومجلس الجنوب والبلدية، التي رأسها جورج يونان، على بدء مشروع توسيع المدرسة وتحويلها إلى تجمع مهني، على مساحة 800 م2 من أصل 1200 م2 وهي المساحة الإجمالية للعقار. وقد بدأ البناء من دون الحصول على التراخيص القانونية والخرائط المصدقة من التنظيم المدني، مما دفع بعض الأهالي للاتصال بالنائب موسى الذي أبلغهم إصرار مجلس الجنوب على تنفيذ المشروع.
بعدها زار وفد من الأهالي رئيس البلدية يونان وعضو المجلس البلدي جورج حكيم وقد اقترح عضو الوفد فيليب خوري أرضاً صالحة لبناء المدرسة في مكان آخر وبعيداً عن الحي السكني، يومها تنصل يونان من المسؤولية ورماها على عاتق النائب موسى ومجلس النواب. وبدأ البناء من دون الالتزام بالتراجع عن أراضي الغير، ما شكل اعتداء على أراضي آخرين ومنهم رئيس البلدية السابق غازي أيوب، وعاد بعض الأهالي لمراجعة البلدية، وينقل أحد المراجعين أن جورج حكيم أخبرهم: ” نرتكب مخالفات ولكن نريد البناء رغم ذلك”.
وكيل أحد المدعين غازي أيوب المحامي وسيم الناشف يقول: “تم البناء رغم مخالفة التراجع القانوني ومخالفة الاستثمار العام والاستثمار الشعبي فمساحة البناء تبلغ 775م2 في حين أن القانون يسمح البناء على 240م2. تقدم بعض الأهالي بدعوى عند القاضي العقاري حسن سكيني، ومحكمته تبحث بالمخالفات ضد الغير. وقد أصدر قراراً بوقف العمل وضرورة الالتزام بالتراجع القانوني عند حدود الغير. وهذا القرار اتخذ بعد التقرير الذي أعدته الخبيرة فدوى القزي وأكدت فيه حصول مخالفات تجاه الغير.
من جهة أخرى أصدر قاضي الأمور المستعجلة أياد البردان قراراً بوقف الأعمال، لعدم قانونية البناء وعدم الحصول على المستندات القانونية اللازمة.
ويقول الناشف: “عندها تقدم مجلس الجنوب من المجلس الأعلى للتنظيم المدني بطلب تعديل استثنائي للتصنيف المعتمد، ويطلب أن يصير التراجع عن أراضي الغير متر واحد ومضاعفة نسبة الاستثمار 3 أضعاف”.
أحد المقربين من الدكتور فيليب خوري يوضح أن الخوري ووسام الحاج حاولا مراجعة مسؤول المجلس الأعلى للتنظيم المدني الياس الطويل، إلا أن الأخير لم يهتم بالاستماع إليهما.
بعدها زار وفد آخر الطويل، الذي برّر سعيه للموافقة على التعديل الاستثنائي بحجة أن المشروع هو مدرسة يبنيها مجلس الجنوب. لكن جواب أحد أعضاء الوفد كان: مجلس الجنوب هو المتعهد، فهل تم إحضار موافقة المالك أي وزارة التربية؟ هذا الأمر دفع بالطويل الطلب من رئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان إحضار موافقة من وزارة التربية وهذا ما وعد به قبلان.
عندها تقدم وفد الأهالي بكتاب إلى وزير التربية، واجتمع الوفد إلى النائب ميشال عون، الذي اتصل بوزير التربية بو صعب وطلب منه الالتزام بالقانون. فوجّه وزير التربية الياس بو صعب رسالة بعدم الاستجابة لطلب المجلس الأعلى للتنظيم المدني بتعديل التصنيف، وعدم الاستجابة لتشييد البناء ضمن النظام الحالي المعتمد.
رغم ذلك استمر البناء في الطابق الأول والثاني. أما هيئة شورى الدولة فكانت تؤخر أخذ القرار بانتظار جواب التنظيم المدني. ولما كان التنظيم المدني لم يأخذ موافقة المالك وبالتالي لا يستطيع إجراء أعمال البناء. ويروي أحد المتابعين أن ضغوطاً شديدة قد مورست على القاضي سكيني والقاضي نزار الأمين (شورى الدولة) إلا أن الوقائع والقانون أملا عليهما اتخاذ القرارات القانونية المناسبة. من جهة أخرى تم الاتصال بعضو المجلس البلدي في مغدوشة جورج حكيم وهو من المقرّبين من النائب ميشال موسى، إلا أنه رفض الحديث وقال: “إن رئيس البلدية هو المعني وهو الذي يعطي الموقف المناسب.” وعند الاتصال برئيس البلدية جورج يونان، رفض أيضاً التحدث بحجة أنه لم يتبلغ قرار شورى الدولة.
ولكن هل يترك هذا الموضوع أثراُ على العلاقة بين الرئيس نبيه بري والنائب ميشال عون؟ هل تؤثر هذه المسألة على علاقة بري بالنائب ميشال موسى؟ وخصوصاً أن وفداً من مغدوشة اجتمع إلى العميد محمد سرور في المصيلح وأخبرهم الاخير أن عليهم مراجعة القضاء.
وينقل أحدهم عن مستشار بري الدكتور أحمد جواد موسى أننا لا نريد أن نتدخل في زواريب مغدوشة. هل سيكون ذلك نهاية المطاف أم سيصر مجلس الجنوب على العودة لإكمال البناء، بصفته المتعهد المستفيد من البناء، رغم قرار شورى الدولة.
يجيب المحامي الناشف: “إذا حصل ذلك، فلا يبقى أمامنا سوى اللجوء إلى محكمة الجزاء.”