كاظم الساهر في بيت الدين

لم تعد مشاركة الفنان العراقي كاظم الساهر في المهرجانات أو الحفلات تقتصر على تقديم ألبوم جديد، فأرشيفه الغني والأغنيات الناجحة له على مدى السنوات العشرين الأخيرة كافية ليطلّ من خلالها على جمهوره، ويختار منها ما يجده متلائماً مع مزاج الناس.

ككل عام لا يتخلف القيصر عن الموعد لإحياء حفلتين ضمن مهرجانات بيت الدين، حيث يحقق حفله دائماً حضوراً كاملاً، ليترك بصمته الفنية في هذا المكان الأثري الذي احتضن عمالقة الفن العربي والعالمي.
كان عشاق الفن والمشاعر والإحساس على موعد ليلتي الجمعة والسبت الماضيتين مع ليلة رومانسية بامتياز. جمهور غفير حضر من لبنان وبعض الدول العربية للاستماع الى ذلك العاشق الأبدي الذي لم تعد الكلمات والعبارات والمصطلحات تنصفه.
تخطى فنه كل الحدود. فها هو يعتلي المسرح ليكشف عن هذا السر الذي يربط الرجل بالمرأة. وحده يعرف كيف تفكّر الأخيرة. يفضح أحاسيسها، ويجسّد هواجسها بكلمات تخطّت كل الحدود.
أما بغداد فتبقى كلمة السرّ بين المغنّي العراقي ومحبيه. لبغداد كلمات خاصة تنبع من قلب الساهر لتصل مباشرة الى جمهوره الذي بنى معه علاقة قائمة على عناصر بدت واضحة. فمن خلال حضوره المميز على المسرح وقوة إحساسه بما يغنيه وعميق مشاعره، تبرز طاقاته في جميع أغانيه. الجمهور يتفاعل، يملأ الفواصل بين الأغاني بكلام حماسي. أما القيصر فلم يبخل بالأغنيات والوقت، بل وقف على مدى ساعتين متتاليتين على المسرح. وفي كل مرة يُحرجه جمهوره، فلا مفر له، ولا بد من أن يتجاهل برنامجه الغنائي الذي اعتمده خلال الحفل، لينزل عند رغبة محبيه ويغني كل ما استطاع وبكل ما يمكن أن يفيض بعاطفة جياشة، وبكل شجن أخّاذ. استهلّ حفله بـ«ها حبيبي» و«بغداد لا تتألمي». اما قصائد الشاعر الراحل نزار قباني فكانت الحاضر الأبرز. وحضرت «زيديني عشقا» و«قولي احبك»، كذلك غنى «أحبيني» و«هل عندك شك» و«يا صايغين الذهب». وبين أغنية وأخرى يصرخ «بغداد» من جديد، في أغنية خاصة، وفي مشهد يطغى عليه الحنين الى الوطن. يصفه احد الحاضرين بـ«المستبد»، فيرد عليه بأغنية «المستبدة»، ليختتم حفله بـ«مدرسة الحب».
يعرف الساهر كيف يحرّك جمهوره ويطربه. ينحني دائماً أمام وطنه الأم الجريح، بغداد. يقف رجل عراقي بين الحضور، ويصرخ في الفضاء المفتوح «كاظم غنيلي بغداد، أنا جيت من العراق تأحضرك، غنيلي بغداد».
ومن القيصر تحية خاصة الى لبنان مع أغنية «يا رايحين لبنان»، حيث حمل علماً لبنانياً سلمه إياه أحد الحاضرين، ليلوحّ به وهو يؤدي الأغنية.
كانت ليلة كاظم الساهر بكل ما للكلمة من معنى. الجمهور يتمايل مع كل كلمة يغنيّها القيصر، ويرددها معه عن ظهر قلب. ويبقى الأهم من ذلك، أن الساهر على يقين بأن بلده العراق يحتاج إلى أن يفرح رغم كل ما يعيشه من حروب ومآسٍ. فهو، في كل مرة يُشعل مهرجاناته بأغاني بغداد التي طالما تغزّل بها أكثر من امرأته المدللة التي يغنّيها.
يُذكر أن الساهر على موعد جديد مع جمهوره، حيث سيطل ضمن مهرجانات «إهدنيات»، في إهدن، شمال لبنان، يومي الثامن والتاسع من آب الجاري.

السابق
مئات السيارات تخرج من عرسال في أكبرعملية نزوح
التالي
لماذا يشكل إعلان «الخلافة» خطراً على الإسلام؟