قلمون حزب الله – فيتنام اميركا

والاخبار القادمة عن أهالي وسكان قرى البقاع الشمالي تنبيء عن أجواء الحرب التي باتوا يعيشون يومياتها بكامل تفاصيلها، وصار الكلام عن الصراع بين الأسد والمعارضة هو كالكلام عن مرحلة غابرة حتى عند القوى المناوئة للنظام نفسه، وحل محله في مقدمة سلم الأولويات عندهم الان مقاتلة حزب الله والبيئة الحاضنة له، وصار التخوف من عملية هجوم مرتقب على القرى الشيعية الممتدة على طول الشريط الحدودي هو الهاجس اليومي لسكان هذه المناطق.

لم تكتف الولايات المتحدة بإعلان وقوفها التام خلف حكومة سايغون، بل إنّ كينيدي وقع معاهدة صداقة وتعاون (لاحظ التسمية)، بين بلاده وفيتنام الجنوبية في نيسان 1961. وبعد اشهر قليلة وصلت طلائع الجيش الأميركي الى سايغون وكانت في البداية عبارة عن 400 جندي اوكل اليهم تشغيل المروحيات، وفي السنة التالية بلغ عدد الجنود الامركيين 11 الف ليصل بعدها الى 17الف وفي صيف 1963 وصل عدد الجنود الى 69000 جندي ولم ينته التورط الامركي في فيتنام الا على خسارة 57522 قتيل وعشرات الاف الجرحى والأسرى.

هذه المقدمة التاريخية لتورط الجيوش في أراضي الاخرين يمكننا استحضارها بأرقامها المهولة ونتائجها المأساوية كما غيرها من التجارب وإسقاطها على واقع تدخل حزب الله في سوريا، مع فارق جوهري اثبتته الأيام وأوضحته تسلسل الاحداث حتى وإن كان الحزب لا يزال يكابر في مقاربته للسياقات التي أودت به غريقا في المستنقع السوري. ومن اجل التأكيد مرة جديدة يلاحظ وبسهولة أي متتبع لمجريات الأمور منذ معركة القصير ” والنصر الالهي” الذي رافقه تسوية سحرية بانسحاب مقاتلي المعارضة من أرض المعركة في 2013 ليليها بعد ذلك سيطرة سهلة لمدينة يبرود في 2014/03/24 بعد صفقة كان حكي عنها في حينها.
وكنا آنذاك قد حذرنا كما كثيرون من عملية استدراج يتعرض لها الحزب الى الداخل السوري وما هذه الانتصارات السريعة الا بمثابة طعم لا يؤدي ابتلاعه الا للوقوع في المصيدة.
الا ان شهوة تحقيق الانتصار، والشبق المفرط في الاعتماد على القوة، يجعل من العقول الهادئة والتفكير السليم بحكم المغيبة بين ضجيج الاحتفالات وسكرات توزيع الحلوى. فالمجال حينها يكون للرؤوس الحامية فقط التي لا تنتج الا محصلات مدمرة ليس فقط على أصحابها وانما على مجمل الجو المحيط بها.
حتى وصل بنا الامر الان عند تناولنا للمشهد السوري، الى اختصار كامل أحداثه في المعارك الدائرة على السلسلة الشرقية لجبال لبنان والتي تسمع أصواتها داخل العمق اللبناني. والاخبار القادمة عن أهالي وسكان قرى البقاع الشمالي تنبيء عن أجواء الحرب التي باتوا يعيشون يومياتها بكامل تفاصيلها، وصار الكلام عن الصراع بين الأسد والمعارضة هو كالكلام عن مرحلة غابرة حتى عند القوى المناوئة للنظام نفسه، وحل محله في مقدمة سلم الأولويات عندهم الان مقاتلة حزب الله والبيئة الحاضنة له، وصار التخوف من عملية هجوم مرتقب على القرى الشيعية الممتدة على طول الشريط الحدودي هو الهاجس اليومي لسكان هذه المناطق.
هذا التطور الخطير جدا في مجريات الاحداث وفي تبدل الأولويات عند قسم كبير من مقاتلي المعارضة (النصرة) والحديث عن تواجد لمقاتلي داعش في جرود القلمون ما حدا بالكثير من المحللين بالقول عن وجود صفقة ما في مكان ما مع بشار الأسد ومن خلف ظهر حزب الله وايران تفضي الى السماح بتمرير مخطط يجعل من القتال مع حزب الله هو الهدف الرئيسي للمقاتلين على حساب تأخير اسقاط نظام بشار وتحويله الى استثناء بشرط تخلي هذا النظام وجيشه عن أي مشاركة فعلية في القتال، وترك الساحة القلمونية للطرفين من اجل تصفية بعضهما. وما لهذا التطور الخطير من انعكاسات مميتة على الداخل اللبناني وسهولة عبور كتلة النار هذه من بوابة عرسال الجاهزة في ظل الانقسام السياسي الحادي والفراغ الرئاسي.
وهنا أيضا لا تجدنا الا مضطرين مرة جديدة للتحذير والتنبيه وهذا اقصى ما نستطيعه بان مرحلة جديدة تلوح في الأفق عنوانها الأول والأخير هو تحويل منطقة القلمون الى فيتنام حزب الله.

السابق
مصرع مواطنين أثناء تصديهما للمسلحين في عرسال
التالي
عن السنّة والشيعة