الانسداد السوري: أين الأمل؟

الانسداد السياسي السوري منذ الاستقلال كان يُفتح عادة بانقلاب عسكري، لكن الأمر لن يتكرر، لأن الانسداد هذه الأيام أكثر صلابة بحيث يعجز العسكر عن فتحه، خصوصاً بعد عقود من حكم آل الأسد تركز فيها القرار العسكري في يد الاستخبارات وتحولت فرق الجيش أدوات تنفيذية صماء.
والانسداد السوري يتعدى المحلية الى نفوذ اقليمي ودولي متعاظم، والى قفزات ايديولوجية الى الوراء تعبر عنها قرارات لـ «داعش» تحرق الماضي والحاضر، محاولة بناء المستقبل على صورتها ومثالها.
تحيا سورية وتموت بين «داعش» وبشار كطرفين انتقاميين، فلا يمكن الوثوق بقادة «الدولة الإسلامية» المدّعاة والأشبه بغزاة أتوا من آسيا البعيدة، يجدد «خليفتهم» فظاعات هولاكو وتيمورلنك تجاه أي تراكم حضاري أو تراث إنساني، ولا يمكن الوثوق ببشار الأسد لأنه، على الأقل، لم يتقدم بنقد ذاتي لمسيرة نظامه، منذ كسره ربيع دمشق وحتى إلحاقه الأذى الأحمق بمتظاهري الثورة السورية، قبل أن تسلم هذه الأخيرة نفسها للسلاح وعروض البيع في سوق نخاسة الثورات.
وجرى التمهيد لموت الوطنية السورية ببلورة سياسات تستند الى مواجهة طائفة بطائفة. وإذا كانت الطائفية مكنّاة لدى الحكم الأسدي لأنه يدير بيروقراطية ممتدة في خلايا البيئات السورية كلها، فإن الطائفية المقابلة بدت مكنّاة هي أيضاً، على رغم شعارات الديموقراطية وحقوق الإنسان، ثم ظهرت بإعلانها الجارح مع سيطرة «داعش» على غالبية أرض الثورة وناسها.
هكذا يذهب الشعب السوري الى مزيد من الضياع في الوطن والشتات، كما تضيع المعارضة المدنية فتعوض عن ذلك بممارسة الحد الأدنى الممكن من وجودها الهامشي بضجة الكلام وثقافة كشف الظواهر والتصدي لتحليلها. أنظر الى كتاباتهم الذكية ولكن البائسة هنا وهناك وهنالك، تفهم قليلاً وتحزن كثيراً.
في الصراع السوري طرفان انتقاميان لا يتقبلان الحوار، أما ما طرحه معاذ الخطيب فيبدو تمنيات تستعلي على الواقع، لأن الحكومة السورية لا وجود لها خارج بشار الأسد، ولأن المعارضة صارت جزءاً من الماضي بعدما طواها غزاة «داعش». كيف لهذين النقيضين الغائبين أن يتحاورا؟
وإذا كانت الأمم تحيا بالأمل، فإن القضية السورية التي أفلتت من أيدي السوريين، لا أمل لها إلاّ بتسوية اقليمية – دولية لم تنضج بعد ويفترض أن تشمل العراق بما هو شريك في التعرض لغزوة «داعش» وفي تقرير طبيعة سلطة كردستان العراق وشمال شرقي سورية. هذه التسوية سيتحكم فيها الأميركي والروسي دولياً (حتى وهما يتحاربان بالوكالة على حدود نفوذهما في أوكرانيا)، ويتحكم التركي والإيراني إقليمياً، فيما يتراجع النفوذ العربي في اعادة تكوين بلدين شهدا مجد الأمويين والعباسيين ومنارات النهضة العربية الحديثة.
أليس لافتاً أن موت المدينة في سورية والعراق علامة على موت نظام ومعارضة؟ وإلاّ كيف نفسّر تهميش دمشق في النظام والثورة السوريين وتهديم حلب، ومثل هذا الأمر ينسحب على بغداد والموصل. دولة بلا مدينة وثورة بلا مدينة، تعنيان وطناً بلا أفق، في انتظار اعادة تكوين تفرضها قوى خارجية قادرة.
قديماً صرخ عبدالناصر: يا أهلاً بالمعارك، واليوم يصرخ الحاكم المنهار والثائر الخاوي: يا أهلاً بالوصايات.

السابق
جابر: التمديد للمجلس سيكون أبغض الحلال
التالي
بالفيديو: ظاهرة التحرش تعود الى مصر في اول ايام العيد!!