إسقاط «الماليزية» وعودة أميركا إلى أوروبا

يغير حادث تحطم الطائرة الماليزية السياق الدولي الذي تندرج فيه الأزمة الأوكرانية. فما لا شك فيه أنه عمل إرهابي أنزل الموت الجماعي، سواء عن قصد أم لا، في مجموعة كبيرة من المدنيين. ولا يسع الغرب أن يغض النظر عن الحرب في شرق أوكرانيا. واليوم، تتصدر أوكرانيا الواجهة الإعلامية من جديد بسبب حادث سيؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة الدولية وتعريفها من جديد.
ولا شكّ في أن الغرب سيرد على الإرهاب الدولي من طريق فرض حزمة جديدة من العقوبات الاقتصاديّة والسياسيّة على موسكو، وربما يتخذ بعض الخطوات العسكرية. وهذا الردّ حتمي. فالوقوف موقف المتفرج يرسي سابقة خطيرة تطلق أيدي الإرهابيين حول العالم. وسمعة القادة الغربيين في أميركا، وألمانيا، وفرنسا، أي العالم الديموقراطي الحر، على المحك. وصدقيتهم وثيقة الصلة بقدرتهم على ضمان دوران عجلة النظام العالمي. ولن تسمح وسائل الإعلام الغربية والرأي العام الغربي للحكومات بالانصراف إلى شؤون الحياة السياسية العادية من دون رد حاسم على إسقاط الطائرة وتوضيح أسباب الكارثة الأخيرة.

ولن تنتهي المشكلة عند التحقيق في الكارثة الجوية. وسيطالب الغرب روسيا والانفصاليين بوقف المعارك وأعمال العنف. ولو أثبتت التحقيقات أن روسيا والانفصاليين غير ضالعين في إسقاط الطائرة، لن تنتفي مسؤوليتهما. فهما، من طريق المشاركة في المعارك ودعم أعمال العنف، ساهما في بث حال من الاضطراب والفوضى أدّت إلى الكارثة. ولن تنجح محاولات موسكو تضييع الوقت في تنظيم «مجموعات اتصال» بين الأطراف المتنازعة. فالكرملين يتوسل هذه المجموعات من أجل دعم الانفصاليين لوجيستياً. وحينما تظهر أولى البينات البائنة على تورط الانفصاليين بإسقاط الطائرة، تنتفي حاجة التواصل معهم. وترفض مبادرات موسكو السلمية بعدما كانت في السابق موضع ترحيب أوروبي.

والحق أنّ العمل الإرهابي هذا وسم رسمياً الأحداث التي تجري في شرق أوكرانيا بسمة الحرب، وقطع الطريق على ظهور موسكو، في آن واحد، في صورة المعتدي وصانع السلام. وتبرز الحاجة إلى أن يسمي الغرب الأمور بأسمائها، فيصف إسقاط الطائرة وأحداث أوكرانيا بالعدوان والحرب والإرهاب. وتغامر الدول الغربية التي ستتقاعس عن ذلك بفقدان ثقة مواطنيها.
وإذا لم تقدم روسيا على تبديد التوتر، أي سحب جيشها من الحدود وكبح الانفصاليين، اضطر عدد من الدول الغربية إلى انتهاج سياسة واقعية. وتقتضي هذه أن تشدد أميركا طوق العقوبات على موسكو. ويرجح أن تسعى أوروبا إلى لغة مشتركة مع موسكو، خصوصاً أن برلين وباريس وغيرهما من العواصم الأوروبية تنزل على دعوات «اللوبيات» الروسية، وتدعو إلى مواصلة البحث عن الصيغة الأمثل للتعامل مع روسيا. والدعوات هذه ساهمت في بلوغ الحال ما هي عليه اليوم.

وإذا لم تردع العقوبات الاقتصادية والسياسية موسكو، بادرت الولايات المتحدة إلى تقديم مساعدة عسكرية لأوكرانيا في حربها على الإرهاب وربما عبر قنوات حلف الناتو. وأُرجح أن البيت الأبيض بدأ تحضير حزمة مساعدات أوكرانيا من أجل مكافحة الإرهاب. وسعى الكرملين إلى الحؤول دون تمدد حلف الناتو إلى شبه جزيرة القرم، ولكن سياسته أدت إلى إحياء حلف الناتو وعودة أميركا إلى أوروبا من أجل توفير الدعم «للحلف في مواجهة الإرهاب» وتنظيم عمليات السلام الدوليّة على الحدود بين أوكرانيا وروسيا.

السابق
فرنسا تستبعد فرضية إستهداف الطائرة الجزائرية بنيران أرضية
التالي
إطلاق صاروخ من خراج بلدة بيت لهيا – قضاء راشيا الوادي