تاريخيا كان لبنان أقل البلدان العربية فقراً بالمياه، إذ ان المعدل السنوي لهطول الأمطار يصل الى800 مليون متر مكعب الا ان لبنان يشهد منذ سنوات تراجعاً كبيراً في نسبة هطول الامطار وتوزعها على مدار العام، وصلت إلى حدود الخطر خلال السنتين الماضيتين، تزامنا مع التغييرات المناخية وتراجع المساحة الخضراء من 80 % قبل مئات السنوات إلى أقلّ من 13 % حاليا.
هذه السنة تراجعت نسبة المتساقطات بشكل كبير، وبالتالي تراجعت كمية المياه الجوفية إلى نسبة كبيرة وصلت إلى ثلث الكمية التي كانت تخزّن العام الماضي. وقد انخفض عدد الأيام الممطرة من 80 -90 يوما في السنة الى 70 يوما، مع ارتفاع الحرارة بطريقة غير عادية. هذا الانخفاض في نسبة الامطار أثر على المخزون المائي، في ظل عدم اهتمام المعنيين باقامة السدود او الابار الاصطناعية.
رئيس لجنة الاشغال العامة والمياه محمد قباني حذّر من كارثة حقيقية، وقال في حديث لـ”جنوبية” إنّ اللجنة تتابع أزمة المياه اكثر من اي وقت مضى وتصدر التوصيات وتعمل على ترشيد الناس”. ويتابع: “نحن كسلطة تشريعية نراقب ولا سلطة لدينا لاصدار القوانين وقد عقدنا مؤتمرا صحفيا اصدرنا خلاله عددا من التوصيات التي من شأنها المساعدة على التقليل من آثار الكارثة المائية منها تخفيف مصروف المياه وعدم المبالغة بالاستهلاك اليومي وان يمتنع المزراعون عن زراعة ما يحتاج الى ريّ كبير.”
علما ان هذا التغيّر في المناخ سيؤدي في المستقبل إلى خسارة مخزون مياه الشفة في غضون 50 عاماً وسيرتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص في مياه الشرب في لبنان. مع تراجع نسبة المياه في الينابيع أكثر من 30 في المئة، فيما عدد كبير من الينابيع شهد جفافاً مطلقاً. أما المياه الجوفية، فقد تراجعت كثيراً بنسب متفاوتة مناطقياً. فقبل 20 سنة، كان المزارع يستطيع الحصول على المياه من عمق 10 أمتار، لكن الآن هذا نادر جداً، إذ غالباً ما يصل عمق الآبار إلى 40 متراً وأحياناً إلى 100 متر.
وتشير التقديرات الى ان انفاق المواطنين على شراء حاجاتهم من المياه، سواء للشرب أو الحاجات المنزلية، او حاجات الفنادق والمستشفيات والمدارس والمسابح، تفوق نسبة 2 % من الدخل القومي. وبحسب الخبير المائي الدكتور بسام همدر فإنّ العجز المائي في لبنان وصل الى 400 مليون متر مكعب، وذلك بعد ما قدر سابقُا بـ300 مليون متر مكعب. وهو مرتبط بتراكم العجز وقلة الموارد المتساقطة من أمطار وثلوج وتزايد نسبة الكثافة السكانيّة بمعدل 1.3 في المئة. ويتوقّع،ـ في العام 2025، أن يخفض حصة الفرد الى 700 متر مكعب مع استمرار هذا المستوى من التساقط.
وكان لافتا اقتراح لجنة الطاقة النيابية استيراد المياه من تركيا مع استبعاد فكرة تحلية المياه بواسطة باخرة بسبب ارتفاع قيمة الكلفة. فهل يتكرر سيناريو “فاطمة غول” لكن هذه المرة مائيا؟ والى متى سيستعين لبنان بتركيا ومحيطه لتأمين الموارد الاساسية كالماء والكهرباء؟