المقاومة ترسم معادلة ’تل أبيب مقابل غزة’

وبعد ستة أيام من حرب “الجرف الصامد” على قطاع غزة، لخص المراسل العسكري للقناة العاشرة الإسرائيلية الوضع قائلا: “إسرائيل كانت تود أن يتوقف إطلاق النار في غزة قبل ساعة أو ساعتين، بعد أن تجثو حماس على ركبتيها وترفع راية بيضاء، ولكن لا يبدو أن هذا سيحدث في هذه الجولة وليس في قطاع غزة”.

وفي اليوم السابع كانت المقاومة في غزة تسجل أنها في ستة أيام دكت تل أبيب ومحيطها فقط بما لا يقل عن 47 صاروخاً، فيما تطلق صافرات الإنذار في حيفا بعد سقوط صاروخ من غزة شمال حيفا.
وشكل يوم أمس “يوم الصافرات العالمي” حين انطلقت صافرات الإنذار من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، وصولا إلى نهاريا، بفضل صليات الصواريخ المتواصلة التي أمطرت المدن والمستوطنات الإسرائيلية.
وأفلحت الصواريخ الفلسطينية في اختراق “القبة الحديدية” وتحقيق إصابات مباشرة في عدد من المدن، وخصوصاً في بئر السبع وأسدود وعسقلان. وأثبتت “حماس” و”الجهاد الإسلامي” أنه حتى بعد ستة أيام من القتال لا تزال قدرة السيطرة ووتيرة الإطلاقات والتصدي الميداني عالية جداً، ما خيب آمال الإسرائيليين في نهاية سريعة للمعركة.
وفي اليوم السابع للمجازر الإسرائيلية بحق اهالي غزة، يعقد وزراء الخارجية العرب اجتماعاً اليوم لبحث موضوع العدوان على القطاع وتنسيق التحركات العربية والاتفاق على الدعم المادي الذي ستقدمه الدول العربية الى غزة.
وأعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي عقد للمرة الأولى اجتماع حكومته في قبو هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، “أنني لا أعرف متى تنتهي العملية، ونحن مستعدون لاستمرارها”. وأشار إلى “أننا نضرب حماس بشدة متزايدة”، مبرراً عدم قدرة جيشه على الحسم “باستخدام حماس سكان القطاع كدروع بشرية”. وقال، في موضع تبرير استهداف المدنيين الفلسطينيين، “من يستتر في المساجد؟ حماس. من وضع مخازن سلاح تحت المستشفيات؟ حماس. من أنشأ قيادات في بيوت سكنية، أو قرب رياض الأطفال؟ حماس. إن حماس تستخدم سكان القطاع دروعاً بشرية وهي تجلب الكارثة على مواطني غزة، لذلك فإن مسؤولية كل مساس بالمدنيين في غزة – ونحن نأسف له – يقع على حماس وشركائها فقط”.
وقد جاء كلام نتنياهو في مستهل الجلسة الأسبوعية لحكومته، في ظل تبادل اتهامات مبطنة بين المستويين السياسي والعسكري حول مسؤولية الفشل في عدم الحسم. فالجميع يعتقد أن إسرائيل تقف أمام مفترق طرق مهم يحدد مصير العملية برمتها: هل ترغب في الانتقال إلى معركة برية أم تلجأ إلى اتفاقات وقف إطلاق نار جديدة. ويبدو أن الجيش الإسرائيلي لا يسوِّق بضاعته جيداً حتى لدى الحكومة، فبعد أن نال تفويضاً بتجنيد 40 ألف جندي احتياط، وبعد أن حشد ثلاثة ألوية مشاة ولواءي مدرعات حول غزة موحياً بقرب الهجوم البري، يجد نفسه يتقدم خطوة ويرجع خطوات إلى الوراء.
وبعد أن كان قائد سلاح الجو الإسرائيلي قد أعلن أن بوسع سلاحه تحقيق الأهداف ذاتها للعملية البرية من دون المجازفة بأرواح الجنود، خرج متحدث باسم الجيش ليعلن أن قائد السلاح لم يقل هذا الكلام. وجاء هذا التراجع بعد أن فهم منه أن الجيش ليس في وارد شن المعركة البرية. وتعرض الجيش لانتقادات من جانب سياسيين لاحظوا عدم حماسه للعملية البرية. وقد اختبر الجيش نفسه في عملية برية قام بها الكوماندوس البحري “شييطت 13” لتفجير ما وصفه بمخازن صواريخ على بعد أقل من ثلاثة كيلومترات عن الحدود. لكن “الصياد” وقع في المصيدة، حيث أمطرهم مقاتلون من “كتائب القسام” و”سرايا القدس” بوابل من نيرانهم وأصابوا أربعة منهم. واضطر الجيش الإسرائيلي لتشكيل فرق إنقاذ بحري وجوي، مستخدماً الطوافات وطائرات “إف 16″ وبوارج حربية لتخليصهم من الكمين الذي وقعوا فيه.
وأثرت نتائج هذه العملية على معنويات القادة والجنود الإسرائيليين الذين لم يعودوا يتحدثون عن عملية برية إلا لهدف واحد، وهو تفجير أنفاق قريبة من الحدود وبعمق لا يزيد عن كيلومترين. ومن الجائز أن الحديث عن مثل هذا الهدف جعل الجيش الأقوى في المنطقة موضع هزء وانتقادات لإعداده وحوافزه القتالية. وهذه الانتقادات دفعت رئيس الأركان الجنرال بني غانتس ليسرب للمراسلين العسكريين معلومات مفادها أنه تواق لعملية برية، خصوصاً بعد انتهاء مهمات القصف الجوي والبحري، لكنه بحاجة إلى تحديد واضح لأهداف هذه العملية البرية. كما أشارت مصادر عسكرية إلى أن العائق في الحسم هو أن المستوى السياسي يريد توجيه ضربة قوية لـ”حماس” لا تطيح قدرة هذه الحركة على حكم غزة.
ويظهر أن الخيبة باتت نصيب الكثير من القادة اليمينيين في إسرائيل. فقد استخدم نائب وزير الدفاع، من “الليكود”، داني دانون تعبيراً سابقاً لوزير الدفاع موشي يعلون هو “كي الوعي” ليشير إلى مقدار الخيبة من النتيجة الحالية. فقد قال “حالياً ليس هناك كيٌ في الوعي من الضربة الإسرائيلية.. ينبغي زيادة الضغط الاقتصادي، إذ لا يجوز أن نضخ إلى غزة الوقود والكهرباء فيما هم يطلقون النار علينا”. وقال في نوع من الانتقاد أيضاً “أنا مع ضرب من يطلق الصواريخ علينا، حتى لو كان المقابل هو تدمير سلطة حماس”.
أما قائد سلاح البحرية السابق الجنرال أليعزر ماروم فقال “إننا إذا واصلنا القصف من الجو فإنني لا أعتقد أن بوسعنا إنهاء المعركة قريباً”. وأضاف “أننا نصل إلى استنفاذ قدرات سلاح الجو، ما يطرح الآن السؤال المعقد والصعب: ما الذي نريد تحقيقه. هل نريد إعادة الهدوء، بالوسع فعل ذلك، لأني أظن أن حماس معنية جداً بوقف النار”.
وانطلق الجيش الإسرائيلي في مهمة تجمع بين ترويع المدنيين ومحاولة رفع منسوب الدم الفلسطيني تبريراً لحالة العجز التي يعيشها. وارتفع عدد الشهداء إلى أكثر من 170 شخصاً، بينهم 56 سقطوا أمس الأول. كما ارتفع عدد الجرحى إلى أكثر من 1150.

ووزع الجيش الإسرائيلي منشورات تطالب سكان بيت لاهيا في شمال القطاع بمغادرة منطقتهم جنوباً، حتى يتسنى له تنفيذ عملية برية. ويبرر بعض القادة الإسرائيليين تأخر تنفيذ هذه العملية بعدم تجاوب السكان الفلسطينيين مع هذه المنشورات والخشية من تكرار مجزرة قانا اللبنانية في غزة. لكن هذه المقارنة يطرحها الجيش الإسرائيلي رسمياً من خلال عودته للحديث عن “نظرية الضاحية” وإمكانية تطبيقها في الشجاعية في مدينة غزة. وفي هذا الإطار عزز من غاراته على بيوت نشطاء وجمعيات خيرية، بل ومساجد ومدارس، ساعياً إلى تشكيل أثقل ضغط على “حماس” لتقبل بوقف إطلاق النار.
وليس صدفة أن غالبية الحديث عن وجوب وقف النار يأتي من جهات غربية، كانت أميركا في مقدمتها. وأعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري مجدداً خلال مكالمة هاتفية مع نتنياهو “استعداد الولايات المتحدة لتسهيل وقف الأعمال العسكرية على أن يشمل ذلك عودة إلى اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني العام 2012”.
ويبدو أن الإدارة الأميركية أصبحت في عجلة من أمرها لإنجاز اتفاق لوقف النار. غير أن مثل هذا الاتفاق صار يواجه مصاعب متراكمة. فإسرائيل التي يخشى رئيس حكومتها من اليمين المتشدد إن عاد إلى اتفاق “عمود السحاب” العام 2012، الذي رتبته مصر محمد مرسي والإدارة الأميركية، تصر على مطالب أخرى ولو شكلية. وهي تعرض وجوب إيجاد آلية تمنع “حماس” لاحقاً من إنتاج الصواريخ وتجرد غزة من هذه القدرة. ويرون في نموذج التعامل الأميركي مع سوريا بتجريدها من سلاحها الكيميائي صيغة مفضلة. وبديهي أن “حماس” لا يمكنها القبول بذلك، لأن هذا يعني بأشكال مختلفة تجريداً لها من سلاحها. وأعلن الجيش الإسرائيلي سقوط صاروخ أطلق من الأراضي السورية على الجزء المحتل من الجولان.
وبالمقابل فإن “حماس” تطالب برزمة، بينها فك الحصار عن قطاع غزة بشكل تام، بما في ذلك فتح معبر رفح والإفراج عن محرري صفقة جلعاد شاليت ممن اعتقلتهم السلطات الإسرائيلية بعد اختطاف وقتل المستوطنين الثلاثة في الضفة الغربية. كما تطالب الحركة أيضاً بتسهيل وصول المساعدات المادية والمالية إلى غزة. وظهر أن قطر وتركيا وعدة دول أوروبية ترغب في لعب دور الوسيط، ونقلت صيغاً لهذا الطرف أو ذاك. لكن إسرائيل تصر على وحدانية الدور المصري، وهو أمر لا يزال يصطدم بطبيعة العلاقة المتوترة القائمة بين “حماس” والحكم الجديد في مصر.
ويعتقد خبراء في إسرائيل أن مطالب “حماس” ممكنة التحقيق، خصوصاً أن جانباً مهماً من جوانب الحصار قد أزيل بعد حرب “عمود السحاب” وأن حكومة “التوافق” الفلسطينية تستطيع إعادة فتح معبر رفح بعد نشر الحرس الرئاسي هناك. أما مسألة الإفراج عن محرري صفقة شاليت فيمكن لإسرائيل فعل ذلك ضمن اتفاق سري ينفذ لاحقاً، ويتم إخراجه على أساس قضائي. لكن مثل هذا الاتفاق كفيل بتفجير صراع بين نتنياهو واليمين المتطرف، خصوصاً أن علاقته متوترة مع كل من زعيم “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان و”البيت اليهودي”، نفتالي بينت. وسيدعو هؤلاء اليمين إلى البحث عن زعيم له أقوى من نتنياهو الذي بات يوصف بالضعيف.

السابق
كيف لمسيحيّي لبنان أن يكونوا «أكراداً»؟
التالي
الجيش واليونيفيل يبحثان عن المنصات