جرياً على تقليدها السنوي، أقامت «ربانيون بلا حدود»، للعام الثالث، حفل إفطار بمناسبة ذكرى إطلاقها. بخلاف الأعوام الماضية حالت الظروف الأمنية دون إقامة الإفطار في أحد مرافق الضاحية الجنوبية فاستضافه استثنائياً فندق روتانا (الحازمية).
تميز إفطار هذا العام بكثافة وتعدد استثنائيين على مستوى الحضور السياسي والديني والاجتماعي. ومن أبرز الوجوه المدنية في إفطار «ربانيون بلا حدود»: النائب أمين وهبي، الوزير السابق إبراهيم شمس الدين، مستشار الرئاسة في حركة أمل د. زكي جمعة، أمين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر، رئيس الحركة اليسارية اللبنانية منير بركات، رئيس الرابطة القبطية أدمون بطرس، وفد من ائتلاف الديمقراطيين اللبنانيين، الإعلامي زياد نجيم، رجل الأعمال أنطوان ابو جودة، مدير المستشفى اللبناني الكندي د. كميل شمعون، المهندس راشد صبري حمادة، الدكتور زياد فهد، الناشط جوي حداد.
أما دينياً، فجمع الإفطار لفيف من رجال الدين يمثلون شتى العائلات الروحية: السيد محمد حسن الأمين، الشيخ محمد السوداني ممثل سماحة المرجع الديني آية الله الشيخ محمد اليعقوبي، الأب فرانسوا عقل، الأب نقولا صغبيني مدير دار العناية ــ الصالحية، المفتي أحمد طالب، المفتي الشيخ غالب عسيلي، الأب جوزف صغبيني كاهن الفرزل وزحلة للروم الكاثوليك، الأب شربل بحي، القس سهيل سعود، القس نقولا أيوب، الأب سافر خميس، الأب ايلي كيوان، الأب انطوان لطوف، الأب القاضي الياس صليبا، الأب عبدو رعد، الشيخ عامر زين الدين، الشيخ سعيد الاشقر، الشيخ راضي زين الدين، الشيخ إياد عبد الله، الشيخ صالح حامد، الشيخ أحمد جعيد، الشيخ أحمد المصري، الشيخ د. محمد خير الغباني، الشيخ أحمد كنعان، الشيخ محمد درة، الشيخ حسن شاهين، الشيخ عباس حرب، الشيخ أحمد العزير، الشيخ عباس الجوهري.
افتتاحاً رحب الشيخ محمد علي الحاج، منسق مبادرة «ربانيون بلا حدود»، بالحضور قائلاً: «إن استشرافنا للمخاطر التي تعمنا ببلواها اليوم، والتي تعبر عن نفسها من خلال تجيير الدين في سبيل أجندات سياسية لم ينزل بها الله من سلطان، هو ما دعانا لسنوات خلت، بالتعاون مع جمعية هيا بنا، إلى إطلاق «ربانيون بلا حدود». ونحن اليوم، رغم كل ما يعصف بنا، سعداء لأن نرى الشعار الذي وضعناه لأنفسنا ولمبادرتنا، «من حوار الأديان إلى مسؤولية الميدان» يتعَمّم وينتشر وتُسْتَوْلَدُ في سبيل تحقيقه أطر جديدة. إننا نطمح لأن تنتشر المساعي الطيبة في وطننا الحبيب، وعلى امتداد المنطقة، وأن تتكامل وتتعاون لأننا نؤمن أن المسؤوليةَ عن الخروج مما نحن فيه تقع على الجميع بدون استثناء، وإن لم تجمعنا المصيبة فماذا عسى أن يجمعنا؟ لقد عملنا في «ربانيون» بصمت، وبعيداً عن الإعلام أحياناً، وتحت الضؤ أحياناً أخرى، وبنينا الشراكات، لا سيما مع «اللقاء الروحي في جبل لبنان»، وكلي ثقة أن زملاءنا في الأطر الأخرى يعملون على المنوال نفسه وبالجد نفسه، ولكن هذا جميعاً يبقى دون المطلوب إذا ما قيس بالأخطار وبالتحديات التي تحيط بنا وتتهددنا».
ثم كانت كلمة للسيد محمد حسن الأمين قال فيها بعد الثناء على «ربانيون بلا حدود» وما تضطلع به من نشاطات وبعد الإشارة إلى أنه يقف خطيباً على منبرها للعام الثالث على التوالي:
«لقد شعرنا لحين أننا أمام ربيع عربي يبشر بمرحلة تحولٍ حقيقي ثم لم نلبث أن رأينا ملامح الخريف الكئيبة تجتاح هذا الربيع. رغم ذلك ما زلت على قناعتي بأنه على المسلمين والمسيحيين، وعلى كل مكونات هذا المجتمع العربي الكبير، والمجتمع الإسلامي الأكبر، أن يسعوا إلى ما يعيد للربيع رونقه؛ وهنا لا أتحدث عن ربيعٍ سياسي فقط وإنما عن ربيع فكري وثقافي وحضاريٍ يدرك فيه الواحد حق الآخر في الاختلاف وتدرك فيه الجماعة انها ليست الناطقة بالحق وحدها، ويدرك فيه الجميع أن الحق والحقيقة هما أبناء الاختلاف والتنوع. نعم، لا بد من ربيع فكري، ونعم لا بد من ربيع ديني أيضاً؛ نعم، لا بد أن نملك شجاعة توجيه النقد العنيف لما هو سائدٌ بكل أسفٍ في مجال تربيتنا الدينية. فهذه التربية، في معظم الأحيان، تزين للواحد منّا انه هو صاحب الاعتناق الحقيقي للدين دون الآخر وهذا أقصر الطرق إلى العنف والحرب».
ثم كانت كلمة للأب فرانسوا عقل، مدير جامعة سيدة اللويزة في دير القمر، أرادها على شكل رسالة صريحة مفتوحة إلى المسلمين وعلمائهم، ومن أبرز ما جاء فيها ولاقى استحسان الحضور وتنويههم:
«أيّها المسلمون الأحبّاء! كأنّي أرى، وانا الراهب المسيحيّ الشّريك لكم في هذا الوطن، ملامح إسلام جديد لم نعتدْ عليه. هو غير إسلام أهل السّنُّة وأهل البيت. إسلام بات بدون فقه وفقهاء ومن غير شيوخ وأئمّة وعقلاء.
لقد بات المشهد مشوّها جدّاً. الخطف والجلد والانتهاك والتّعدّي والتحرّش والتّنكيل والتّهجير والقتل والنّحر والصّلب… وكأنّنا لم نعد في عصر العلم والمعرفة والتّقدّم والتّكنولوجيّات والتّطور والتّحضّر… ثمّة أناس يدأبون في العودة بنا إلى الوراء؛ إذ يحلو لهم عيش ملاحم التّاريخ في جغرافية لم تشهد الآمان والاستقرار منذ أزمنة غابرة.
بالله عليكم، قولوا لي: إن أتى نبيُّ المسلمين اليوم إلى العراق وبلاد الشّام فهل يرضى بما يحدث؟ هل هذه هي رسالته ورسالة الإسلام التي من أجلها جاء؟
أيّها المسلمون الأحبّاء. أنقذوا دينكم ممّن لا دين لهم. فالماضي لن يستطيع أن يكون المستقبل».
أما مسك الختام فكان مع كلمة للشيخ أحمد المصري إمام مسجد الرفاعي (عاليه) مما جاء فيها:
لقد اجتمعنا فتصافحت قلوبنا بضيافةٍ كريمةٍ مباركة من «ربانيون بلا حدود». اجتمعنا وحبّذا لو كان اجتماعنا على ملأ من جميع أطياف الشعب اللبناني: اجتماع لا مداهنة فيه ولا نفاق؛ اجتماعٌ يقول باسمنا جميعاً أنّ لبنان لا يقوم، ولن يقوم، إلا باختلاف أطيافه وباختلاف مذاهبه. مختلفون نعم، متخاصمون لا، وشعارنا اليوم وغداً: نجتمع على ما نتفق عليه ونتحاور في ما نختلف فيه».
يذكر أن «ربانيون بلا حدود» مبادرة مدنية دينية أطلقتها هيا بنا بالتعاون مع «حوزة الإمام السجاد العلمية» و«اللقاء الروحي في جبل لبنان» وهي تهدف إلى تزويد الدينيين والمدنيين ذوي الخلفية الدينية بمزيد من المهارات في مجال تحكيم النزاعات وحلها تفعيلاً لدورهم في المجتمع. ومما يذكر أيضاً أن المبادرة تحظى بدعم معهد العلاقات الثقافية الخارجية الألماني.