تنص الفقرة الأولى من المادة السادسة من شرعة حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة للعام 1989 وبدأ نفاذها في 1990 بأن “لكل طفل حقاً أصيلاً بالحياة”، والفقرة الثانية من نفس المادة تنص على “تكفل الدول الأطراف الى أقصى حد ممكن لبقاء الطفل ونموه”. وللمفارقة وفي خطوة متناقضة وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على إنضمام الكيان الإسرائيلي المحتل الى الدول الموقعة على الشُرعة في 3/7/1990 وتسلَّم الإحتلال وثيقة التصديق والإنضمام في 3/10/1991 وبدأ العمل بها في 2/11/1991، وإذا كان وفقاً لشرعة حقوق الطفل وجوب محاسبة “إسرائيل” بإنتهاكها حقوق الطفل الفلسطيني بعد هذا التاريخ، إلا أن هذا لا يسقط الإنتهاكات التي مارسها الإسرائيلي في فلسطين ومحاسبة مرتكبيها من قادة الإحتلال منذ قبل وبعد قيام دولة الكيان في 15/5/1948، فالجرائم والانتهاكات التي مارسها الاحتلال بحق الفلسطينيين لا تسقط بتقادم الزمن.
وتنص المادة السابعة من الإعلان العالمي لحقوق الانسان للعام 1948، بأن “كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة منه دون أية تفرقة كما أن لهم جميعا الحق في حماية متساوية ضد اي تمييز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا” اما المادة التاسعة فتنص على ان “لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا” ..
ولا اعتقد بان المواد التي وقعت عليها معظم دول العالم قد خصصت طفلاً أو إنساناً دون آخر، فالجميع سواسية بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الجنسية أو المعتقد، لذا وجب معاملة الجميع على قدر المساواة والوقوف بجانبهم وحمايتهم والدفاع عنهم، الا أن واقع الأمر يشير إلى أن نصوص المعاهدات شيئ والتطبيق شيئ آخر لا سيما عندما يتعلق الأمر بالانسان الفلسطيني وبالطفل الفلسطيني وما يتعرض له من انتهاكات يومية سواء في الداخل الفلسطيني المحتل او في الشتات لا سيما على مستوى الحماية والحق في الحياة..
يقتل الاطفال وبدم بارد في الاراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية والقطاع، يعتقل الاب امام ابنائه والام امام اطفالها ويقتل الأب أمام أطفاله وكذلك الأم والاخت والاهل والجيران والاقارب، وتصوب البنادق في وجوه الاطفال وتهدم بيوت الفلسطينيين امام الاطفال، ويمنعون من ارتياد المدارس ويتم اعاقة حركتهم على الحواجز التي تقطع شوارع ومناطق الضفة، وتضرب القنابل الصوتية في ساحات المدارس، وتهاجم دور العبادة امام اعينهم، حالة الرعب والخوف والهلع ترافقهم اينما كانوا، في الشارع او المدرسة او البيت.. وهذا يحدث بشكل منهجي امام سمع وبصر العالم الراقي المتحضر الذي يتغنى بحقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان
عشرات لا بل المئات والآلاف من النماذج التي يمكن سوقها للدلالة على انتهاكات حقوق الطفل الفلسطيني في فلسطين المحتلة، إلا أن حادثة اختطاف الطفل محمد حسين خضرا (16 عاما) من أمام منزله في قرية شعفاط شمال القدس المحتلة من قبل مستوطنين حاقدين وقتله بالسكاكين وبدم بارد ثم الاقدام على إحراق جثته في الأحراش قرب قرية دير ياسين فجر الاربعاء 2/7/2014، يمثل قمة الأعمال البربرية والهمجية لسياسة الإحتلال، فمن ارتكبها ليسوا أقل من وحوش بشرية تتلمذت على أيدي متطرفين حاقدين يطلقون على العرب إسم الـ”الغوييم” استخفافا بهم واحتقاراً لهم، ويعتقدون بأن العرب قد خلقوا من أجل خدماتهم وقضاء مصالحهم، وأن ما يقوم به الفلسطينيون من تنسيق أمني مقدس هو واجب ومفروض عليهم وانهم “لا بد من ان يشكروا الله على منحهم هذه الفرصة لخدمة شعبه المختار”..
لم تشفع لمحمد طفولته البريئة ولا توسلاته أو طلبه للنجدة..، فتلك الوحوش قد تجردت من إنسانيتها وتخرجت من نفس المدرسة التي تخرج منها باروخ غولدشتاين مرتكب مجزرة الحرم الابراهيمي الشريف التي وقعت في 15 رمضان الموافق ليوم الجمعة 25/2/1994 وذهب ضحيتها 29 شهيدا من المصلين، وتخرجت منها عصابات الصهاينة من الارغون والشتيرن والبالماخ والهاجاناه وغيرها من العصابات التي ارتكبت المجازر بحق شعبنا الفلسطيني على مدار اكثر من تسعة عقود من الزمن..
ستضاف هذه الجريمة النكراء الى سجلات جرائم الاحتلال، ولن يتم محاسبة من ارتكبها كي لا تشكل سابقة في تاريخ الاحتلال تمنع من تكرارها، وعلى اهميتها لكن لا تكفي عمليات الادانة او الاستنكار او الطلب من الامم المتحدة تشكيل لجنة دولية خاصة للتحقيق بما جرى للشهيد محمد ابو خضير، لكن في المقابل فإن الاحتلال وبفعلته الشنيعة هذه حتما الى المزيد من حالة العزل والى خطوات متقدمة على زوال الشرعية وانهاء الاحتلال.
لا قيمة لاية معاهدات او مواثيق اواتفاقيات اوشرعات ولا لمن وقَّع عليها دون ان تترجم واقعاً عملياً على أرض الواقع، فحق الطفل الفلسطيني بالكرامة والحياة الكريمة والحماية.. كباقي اطفال العالم مطلب فعلي وعملي تراكمي، وليس فقط كلمات أحياناً لا تساوي الحبر الذي كتبت فيه.