العلاقات الاجتماعية تتدهور على درج الحداثة

الفايسبوك والواتس آب
التقيت رفيقة الطفولة بعد سنوات غياب، وتابعت نمو اولاد ابنة خالتي في فنلندا، وتعرّفت على إملاء لي من القدس: كل ذلك عبر الفايسبوك. هذا كله طبيعي. لكن ان اتعرف على ابنة عمتي على الفايسبوك فهذا امر غير طبيعي، وهي التي تقيم في شارع من شوارع بيروت التي تبلغ مساحتها 85 كلم مربع.

تكاد تنحصر العلاقات الاجتماعية بين ابناء المجتمع الواحد على الحلقات الضيقة جدا. والاسباب تحتاج الى دراسة ومراقبة وتمحيص. ومن ظواهر هذه التغيرات عدد من العوامل اهمها اقتصادية.

ولكن لهذا الانحسار اسبابه الاجتماعية والسياسية والخارجية، منها انتشار الواتس آب، الذي يجعل المرء كالآلة الخرساء تلهي عن التواصل والتعاطف والتضامن الا من خلال اشكال وصور وأحرف كتابيّة ولو لشخصين في غرفة واحدة.

واتس آب

فمثلا يجتمع اثنان، فيكون الواتس آب ثالثهما. اضافة الى مرض النرجيلة –العادة الخبيثة – التي تسمع من هنا وهناك من يتعازم عليها لقضاء السهرات ولتمضية الاوقات. وطبعا في المقاهي والاستراحات.

هذه العادات تمنع الاهتمام والانهمام بمشاكل البعض والمساعدة. ولا نرى اللقاءات العائلية الا لعلة مجلس عزاء وذكرى أسبوع او تهاني بولادة أو زفاف.

فباتت اللقاءات عبارة عن لقاءات الضرورة والخوف من اللوم والعتب، ولولا ذلك لكانت هذه التعازي والتهاني قد تحولت الى الواتس آب وأس أم أس، كما هو حال الدعوة الدارجة حاليا الى الاعراس والاحتفالات والخطوبات ولا ينقصنا سوى ان يطلب العريس العروس عبر السكايب.

ولعل الاسباب الاقتصادية هي التي تدفع باتجاه انحسار هذه العلاقات لضيق اليد في غالب الاحيان بسبب المصاريف التي قد يتكبدها صاحب الدعوة جراء الطباعة الورقية.

ومنها ما هو اسبابه سياسية وتعود الى الخلافات المنتشرة بين ابناء المجتمع الواحد، خصوصا من هم على طرفي نقيض من اي حدث سياسي.

كما تنحصر العلاقات بسبب الالتزام الديني الذي يحدد نوع العلاقة الاجتماعية والتي تحصرها النساء الملتزمات غالبا بالاقارب خوفا على زوجها قبل خوفها على نفسها! ويحصرها الرجل بأقاربه خوفا على زوجته لاسيما في ظل انتشار الجرائم التي يعجز الانسان عن وصفها.

ورغم ان الواتس آب والفايسبوك قد سهّلا بطريقة من الطرق الاعمال الاجرامية لجهة القيام بها ولجهة كشفها، الا انهما دفعا الانسان الى وحدة جديدة تغذيّ ’التغوّل’ داخله، وتبعده عن الانسانية وايجابيات العلاقات التي تساهم بالوعي والتجربة الانسانية المليئة بالعاطفة الحارة.

الشيخ محمد حسين الحاج

الشيخ محمد حسين الحاج 

وفي رأي للعلامة الشيخ محمد حسين الحاج (وهو إمام بلدة عرمتى الجنوبية) أنّ “ابتعاد الناس عن بعضهم يعود الى انّ الناس لا تعرف الآثار والنتائج الشرعية للعلاقات الاجتماعية وعلى رأسها صلة الرحم، والامر الثاني سوء التربية الاجتماعية من قبل المعنيين من الاهل والمربين. والامر الاساس كون العلاقات السياسية أبعدت كل طرف عن الآخر ما جعل الكثيرين لا يتعاطون الا مع من هم اصحابهم وممن تربطهم بهم صلة حزبية وتنظيمية وسياسية، مما زاد الطين بلة وقللّ من التواصل وجعله محدودا بما ذكرتم”.

السابق
الانتخابات المصرية مستمرة باقتراع هزيل وصباحي رفض الانسحاب
التالي
عائلة كردوفاني طالبت بفتح تحقيق بوفاة ابنها