المستقبل« اختارت مواكبة هذا الاستحقاق ليس من باب الأسماء ومواصفات المرشّحين للقب «رئيس الجمهورية« للسنوات الست المقبلة، بل من باب «جمهورية الرئيس«، تقديراً بأن المرحلة الممتدة تأثيراتها وتحدياتها على الأقل للولاية الرئاسية الجديدة تتطلب مقاربات لرسم معالم ومواصفات الجمهورية العتيدة.
يتفق الخبير الاقتصادي الدكتور سامي نادر ورئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس على مجموعة أولويات اقتصادية للرئيس العتيد، أبرزها تعزيز النمو، ووقف الهدر، ومكافحة الفساد، والإصلاح الإداري بما في ذلك اعتماد اللامركزية الإدارية.
ويشدّد نادر على أهمية دور الرئيس «الإرشادي» لأنّ الملف الاقتصادي «ساخن» وسيعترض طموحات أي رئيس لا يمتلك رؤية اقتصادية واضحة»، محذراً من «تكرار سيناريو اليونان في لبنان في حال عدم بلوغه نسبة النمو اللازمة».
أمّا شماس فيرى أن أمام الرئيس العتيد معادلة أساسية قوامها «ان الاقتصاد اللبناني سريع العطب بقدر ما هو سريع الانتعاش»، مذكّراً بأنّ البنية التحتية لم يجرِ تحديثها بالشكل المطلوب منذ حكومات الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وإذ يعتبر ان «لبنان أولاً» تعني اليوم «الاقتصاد أولاً»، يحذّر شماس من عواقب سلسلة الرتب والرواتب كما هي مطروحة، داعياً العهد الجديد «إلى احتواء انعكاسات النزوح السوري وحماية سوق العمل اللبنانية».
نادر: الفشل في تحقيق النمو يعني «سيناريو اليونان»
يأتي الاستحقاق في ظلّ الفصام الحاصل بين إنجازي «تحرير« الأرض و«الاستقلال« عن نظام الوصاية، ومع تحول هذا الفصام الى انقسام عمودي خطير، يتكئ على مناخات مذهبية عنيفة تجوب الإقليم، ويتقوى بتسلّط فريق على سائر اللبنانيين بسلاحه وفكره الأحادي، ووسط التعقيدات التي تجتازها معادلة الثورة والحرب في سوريا، وتداعياتها السياسية والأمنية والاقتصادية والديموغرافية على لبنان، فضلاً عن الكارثة المتمثلة بتدخل الفريق عينه، «حزب الله«، في القتال ضد النسيج الأكثري من المجتمع السوري ولحساب النظام الدموي.
من عناصر الخلل في التاريخ السياسي اللبناني أنّ المسائل الاقتصادية لا تجد سبيلها الى الطرح بشكل محوري وحيوي بوصفها محدداً أساسياً من محدّدات عملية انتخاب رؤساء الجمهورية. من عناصر الخلل أيضاً أن القضايا المطلبية والاجتماعية لا تجد سبيلها الى التداول بشكل يتناسب مع ضرورات إنعاش الاقتصاد اللبناني وإخراجه من كبوته، وهذا ما نراه اليوم عشية الانتخابات الرئاسية، حيث يبدو الاستحقاق محاصراً بين خَطَري تعطيل النصاب بما يؤدي الى الفراغ، وحرف المسار المطلبي والنقابي عن سكّته الصحيحة بشكل يؤدي هو الآخر لتعطيل الحراك الاقتصادي الذي لم يكفهِ ما لحق به جراء الأعوام العجاف وقمصانها السود. من هنا، يظهر الاستحقاق الرئاسي لهذا العام كاستحقاق «مفاصلة» بين الاستمرار الدستوري والاستقرار المالي والاقتصادي من ناحية، وبين الفراغ الدستوري والتدهور السياسي والأمني والتهوّر المالي والاقتصادي من ناحية ثانية، وإذاك تصير مصلحة اللبنانيين في الاستقلال والاعتدال اقتصادية المنحى قدر ما هي سياسية المنحى، ووجب الاستماع لما يقوله أهل الشأن، الاقتصادي والمالي والتجاري، وإفراد مساحة لهم في تحديد السمات المطلوبة من الرئيس العتيد في ما يتعلّق باقتصاد لبنان وكيفية استرجاع الثقة فيه واعادة تأهيل عجلته واكسابه مناعة بازاء العواصف الاقليمية، بالتوازي مع نفح الروحية التحديثية المطلوبة والمنسجمة مع جديد السوق العالمية وجديد الفكر الاقتصادي لأجل ذلك كان الاستماع في حلقة اليوم من هذا الملف الى كل من الخبير الاقتصادي الدكتور سامي نادر ورئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، حيث يشددان على أولويات تعزيز النمو، ووقف الهدر، ومكافحة الفساد، والقيام باصلاحات ادارية نافعة اقتصادياً واجتماعياً وتتضمن اعتماد اللامركزية الادارية لخلق بيئة تنموية متوازنة، ومكافحة تصحّر الريف واكتظاظ المدن. وعلى الرغم من ان رئيس الجمهورية لا يمتلك صلاحيات تنفيذية محددة في الملف الاقتصادي، إلا أن نادر يشدّد على أهمية دوره الارشادي في هذا المضمار، خصوصاً وان الملف الاقتصادي ساخن وسيعترض طموحات أي رئيس لا يمتلك رؤية اقتصادية واضحة، بل ان نادر يعدّد من بين الصفات الأساسية المتوخاة في الرئيس العتيد صفة الالمام بالاقتصاد، ويستدرك: «ان لم يكن كذلك عليه بتعلّمه».
يحذّر نادر من استمرار تعطّل مستويات النمو قياساً على مستويات المديونية، ويذكّر بأزمة اليونان التي انتشلها الاتحاد الاوروبي من حافة الافلاس الشامل بعد أن ساءت بها الحال جراء الاستدانة المرتفعة والنمو المنخفض. ويتوقع قدرة تنموية للبنان تصل الى العشرة بالمئة إن أحسن ترشيد الموارد والمداخيل وتطوير المبادرات التحريكية والتنموية، وهو يتوقف عند مسألتين «سياديتين» في هذا الاطار: ضرورة تقويض الاقتصاد الرديف الخارج على القانون والمتفيّء بالسلاح غير الشرعي، وذلك من خلال وضع حد للتفلّت الجمركي، وضرورة صد ايران عن التحرّش والعبث بأمن نظامنا المصرفي هرباً من العقوبات الأميركية والغربية، بما من شأنه تهديد الاستقرار النقدي.
أما رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس فيضع الرئيس العتيد أمام معادلة أساسية وهي ان الاقتصاد اللبناني سريع العطب بقدر ما هو سريع الانتعاش، ويذكر بأن البنية التحتية لم يجر تحديثها بالشكل المطلوب منذ حكومات الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والعناية تحديداً بقطاع الكهرباء الذي يجرجر أزمته المزمنة.
ويعدّد شماس من جملة الأولويات المطروحة عدم زيادة الضرائب، والتحذير من عواقب سلسلة الرتب والرواتب كما هي مطروحة اليوم، واحتواء انعكاسات النزوح السوري باتجاه لبنان وحماية سوق العمل اللبنانية، وتأمين الأرضية المطلوبة لرفع قرار حظر دول الخليج رعاياها عن المجيء الى لبنان.
«لبنان أولاً« تعني أيضاً اليوم «الاقتصاد أولاً«. وعي ذلك أساسي لتأمين انتخابات رئاسية لا ينسفها التعطيل ولا تترصدها «المؤتمرات التأسيسية» والمغامرات الانتحارية. وعي ذلك يستدعي الانصات مليًّا لما يقوله أصحاب المصلحة في صون الأرزاق، وازدهار الأعمال، وعدم الاستسلام لثقافة الاحباط كما لثقافة المزايدات.
يعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور سامي نادر أن الرئيس العتيد «سيرث في مطلع عهده ملفاً اقتصادياً ساخناً لكنه ليس مستعصياً على الحل إذا كان من سيختاره نواب الأمة يملك رؤية اقتصادية واضحة، وينكبّ منذ اليوم الأول لولايته الرئاسية على معالجة الملفات الملحّة وفي مقدّمها تعزيز النمو ووقف الهدر ومكافحة الفساد، وإجراء إصلاحات إدارية تكون نواتها اللامركزية الإدارية«.
ويقول إن لبنان يعاني منذ العام 2011 أزمة لم يشهد مثلها من قبل حيث أن الدين العام «ينمو سنوياً خمسة أضعاف النمو الاقتصادي وإنه على سوء الوضع الذي كان سائداً منذ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وعلى الرغم من أن كل الحكومات السابقة منذ العام 2005 قصّرت في اعتماد مشاريع إصلاحية، وهي إن لم تتسبّب بالهدر، فهي في المقابل لم تسيطر عليه«.
ويضيف أنه في السنة الأولى من حكومة ميقاتي «كانت نسبة النمو 1,2% ثم انخفضت في العام التالي إلى 0,8% وفي العام الماضي حققت 1,2%، وفي أحسن الأحوال من المتوقع أن يتم تسجيل نمو بنسبة 2% في العام الحالي، في حين أن نسبة الدين العام كانت تنمو سنوياً ما بين 4,2% و5%»
ويعتقد أن بإمكان لبنان تحقيق نمو سنوي يتجاوز 10% «إذا أحسن استغلال الفرص المتاحة«، لكنه يشدّد في المقابل على أن انخفاض النمو في السنوات الأخيرة يشكّل «خطراً كبيراً«، محذّراً من الوصول إلى وضع «شبيه بوضع اليونان التي راكمت ديونها ولم تحقق النمو المطلوب فشارفت على الإفلاس لولا مسارعة الاتحاد الأوروبي إلى انتشالها مما كانت فيه«.
ولا يخفي أن أول تحدٍّ أمام العهد الجديد، وليس الرئيس العتيد الذي لا يملك صلاحيات تنفيذية، فهو لا يقرّر سياسة الحكومة الاقتصادية لكن بحكم موقعه في مجلس الوزراء قادر على لعب الدور الإرشادي في هذا المجال، هذا التحدّي هو في كيفية إطلاق دورة النمو الاقتصادي وتحفيزها، و«في حال لم يتمكن من تحقيق نمو بمعدل 5% أو 6% في العام الأول من ولايته، فإن الوضع لن يبشّر بالخير وسنكون على طريق استنساخ سيناريو اليونان حيث ابتلع حجم الدين نسبة النمو«.
ويؤكد نادر أن عملية تحفيز النمو يجب أن تترافق مع ضبط الهدر الحاصل في الإدارات العامة لأنه بذلك تزايدت فرص خروج لبنان من الأزمة الاقتصادية وترسّخت إمكانية تحقيق النمو المستدام.
وبرأيه فإن السبيل أمام التخلّص من عجز الخزينة «يتمثّل بوقف الهدر وضبط النفقات في الإدارات العامة، وهاتان المسألتان سهلتا التحقيق وليستا صعبتين، على الرغم من أن العهد الجديد سيرث هذه المسألة ولن يقال إنه تسبّب بها. لكن هل يعقل أن تزيد نفقات حكومة تصريف الأعمال لميقاتي 70%؟ حصل ذلك بسبب إنشغال جميع الفرقاء السياسيين في أحداث سوريا، فلم يكن هناك رقيب أو حسيب وقامت الحكومة بالصرف على هواها».
لذلك يرى نادر ضرورة «أن يعود الإنفاق إلى ضوابطه وأن يكون بمستويات معقولة فلا يمكن الاستمرار في ظل عجز في الخزينة يوازي 10,2% من الدخل القومي، وعلى الرغم من أن ذلك ليس معياراً أو بالأحرى ليس مطلوباً أن نكون على المستوى الأوروبي حيث لا يتجاوز العجز 3% من الدخل القومي، لكن يجب ضبط هذا العجز. المضحك هنا اليوم هو تمويل السلسلة التي يناقشونها في مجلس النواب، لماذا لا يبدأ النواب والوزراء بخفض إنفاقهم 10%، ويعتبر ذلك مصدراً للتمويل إضافياً؟
هذا في موضوع الهدر، أما في مسألة الفساد وهي مسألة رئيسية يجب إنهاؤها، فهناك قضية «فاقعة» جداً، يقول نادر، وهي قضية الجمارك التي «تشكّل اقتصاداً رديئاً حيث البضائع تدخل ولا تدفع عنها الرسوم لصالح الخزينة، يجب ضبط هذه المسألة وذلك ليس من خلال مكننة الجمارك فقط وإصلاحه، بل هناك قرار يجب اتخاذه وهو سياسي، والجيد في هذا الإصلاح هو أن يأتي مدير عام للجمارك صارم يتخذ قراراً إدارياً لضبط المداخيل وينفّذه وهذا القرار قد يتسبّب بمشكلات مع المستفيدين من هذا التفلّت الجمركي وربما سيواجه باعترضات من «حزب الله» أو غيره، لكن هذه من المشاكل التي سيرثها العهد الجديد«.
أما «الإرث الخطير« الذي سيرثه العهد الجديد، بالنسبة الى نادر، فهو «العين المفتوحة» على النظام المصرفي والمحاولات التي تبذلها إيران «للالتفاف على العقوبات الدولية من خلال النظام المصرفي اللبناني وهو ما أدى إلى نشوء أزمة المصرف «اللبناني الكندي«، وهناك مصرفان آخران في إفريقيا هما في عين المجهر ولن أسمّيهما، لكن في الأسبوع الماضي اتخذ الكونغرس الأميركي قراراً لم ينتبه إليه الكثيرون حيث وضع المزيد من العقوبات على «حزب الله» وهذا ما يشكّل مزيداً من الضغط على النظام المصرفي وعلى لبنان«. ويتساءل: «إذا انهار النظام المصرفي فما الذي سيبقى لدينا؟» مشيراً إلى أن هذا النظام هو آخر مدماك لبناني في ظل غياب النمو وانحسار السياحة. لا شيء لدينا سوى هذا الاستقرار النقدي الذي هو بمثابة الاحتياط الاستراتيجي للبنان، فإذا انهار هذا النظام «انهار البلد نهائياً«.
والمطلوب القيام به بشكل عاجل، برأي نادر هو «تحفيز محركات النمو أولاً من خلال تثبيت الوضع الأمني وهذا ما أكدته مؤسسات عالمية، ثم من الضروري جداً إقرار قانون الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص مثل جباية الكهرباء التي لزّمت إلى القطاع الخاص أو مثل «ليبان بوست« التي تعمل باستقلالية كاملة ضمن رقابة السلطات الإدارية الحكومية، أو مثل تلزيم قطاع الهاتف الخلوي مثلاً لقاء عائدات معيّنة إلى الدولة. لكن هذا القانون يراوح بين نظرية BOT(إنشاء إدارة ثم نقل) أو BOO أي (إنشاء وإدارة) وهذا ضروري لأنه يستجلب استثمارات وتمويلاً غير قادرة الدولة على فعله اليوم.
ويضيف: «في المصارف 130 مليار دولار تقوم بتوظيف 53 ملياراً فقط، والمصارف تبحث عن وسائل لتوظيف هذه الأموال. الاستثمار يخلق وظائف وما إلى ذلك من دورة اقتصادية تزيد النمو. لذلك من الضروري «نفض الغبار» عن قوانين إنشاء الهيئات الناظمة.
أما ما «سيرثه العهد الجديد أيضاً فهو ملف النفط والغاز، وملف إنشاء الصندوق السيادي لإدارة عائدات النفط الذي يجب أن يتمتّع بإدارة شفافة مثل إدارة مصرف لبنان«.
ويشدّد نادر على أن الدعوة إلى «طائف اقتصادي» هي فكرة جيدة إذ يجب أن يصار إلى الاتفاق على خطة اقتصادية للبلد بحيث يصار إلى وضع «قواعد للحوكمة الجيدة وتطبيقها إذ لا يمكننا الاستمرار في ظل المناكفات السياسية الحالية التي تعوق كل تقدّم أو نمو اقتصادي. وفكرة «الطائف الاقتصادي» قد تكون مشابهة لاتفاقية «مايستريخت» التي وضعت القواعد الاقتصادية والمالية للاتحاد الأوروبي والتي وضعت ضوابط في مجال الإنفاق العام والعجز والتزمت بها جميع دول الاتحاد وتعمل على أن لا تخرقها، وهي التي تسبّبت باستقرار نقدي ونمو اقتصادي في أوروبا. إذا كنا غير قادرين على إيجاد وحدة سياسية فلنبحث عن وحدة اقتصادية، ونضع المعايير التي ندير من خلالها المالية العامة والحوكمة الجيدة. علينا تحديد علاقة الدولة بالاقتصاد حتى دول المنظومة الاشتراكية السابقة أسقطت مفهوم الدولة المستثمرة. ثم يجب أن نفصل مفهوم الرعاية الصحية عن التقاعد، هل من المعقول أنه عندما تصبح بحاجة للرعاية الصحية أي بعد التقاعد، تسقط عنك هذه الرعاية؟ يجب فصلها بالكامل ويجب أن تكون الرعاية الصحية شاملة لكل اللبنانيين«.
ويعتقد نادر أن الرئيس المقبل يجب أن يكون «ملمًّا بالاقتصاد وأن تكون لديه رؤية اقتصادية إذ إن في السياسة كل شيء قابل للانقلاب أي إن «حزب الله» دخل إلى سوريا لكنه سيعود ويخرج منها، لكن في الاقتصاد من الصعب أن تقلب الأشياء. لذلك برأيي إن لم يكن الرئيس المقبل ملماً بالاقتصاد يجب أن يتعلّمه«. وينصح الرئيس العتيد بتطبيق «قانون اللامركزية الإدارية الذي يجب على الأقل الشروع في تطبيقه وفقاً لما نص عليه اتفاق الطائف، لأنه من خلال هذا القانون يمكن خلق بيئة تنموية في جميع المناطق اللبنانية ويخف الهدر إن لم يختفِ، ويخلق الوظائف ويستجلب الاستثمارات ومن «أدرى بمكّة أكثر من أهلها»، إذ يمكن لمشروع تنموي في منطقة جنوبية أن يكون مفيداً لها اقتصادياً واجتماعياً أكثر مما يفيد غيرها من المناطق اللبنانية، وبالتالي تكون قضية إنشائه وتمويله محلية والعائدات التي تجنيها المنطقة تعود إليها وبجزء منها إلى الخزينة المركزية من دون المرور في القضايا الروتينية الادارية التي أثبت الزمن والتجربة أنها من أكثر العوائق التي وقفت أمام التنمية في المناطق«.
شماس: احتواء انعكاسات النزوح السوري
يحدّد رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس أربعة مرتكزات أساسية لعمل رئيس الجمهورية العتيد على المستوى الاقتصادي، معتبراً أن الجهد الذي سيبذله الرئيس يجب أن ينصبّ على إعادة الأمل بالاقتصاد، وإعادة الثقة المفقودة بلبنان، وإعادة النمو الاقتصادي الغائب عن ربوعه، وتفعيل الحوار الاجتماعي، مؤكداً أنه «من خلال هذه المعايير الأربعة يستطيع الرئيس انتشالنا من هذه الورطة، ونحن كهيئات نتعهد أن نساعده لبناء الأرضية الصلبة وأن نشهد بزوغ فجر اقتصادي جديد في لبنان».
وبعدما لفت الى عدم تحميل رئيس الجمهورية أكثر من طاقته لأن السلطة التنفيذية بعد الطائف باتت مناطة بمجلس الوزراء مجتمعاً، شدد في الوقت نفسه على ضرورة أن «يكون الرئيس راعٍ للاقتصاد، الجامع لكل اللبنانيين، وأن تكون لديه رؤية اقتصادية«.
ورسم شماس خارطة طريق لبعض الخطوات والإجراءات المطلوب من الرئيس العتيد التركيز عليها والتي من شأنها تحريك العجلة الاقتصادية وزيادة تنافسية الاقتصاد اللبناني وحماية اليد العاملة اللبنانية، مشدداً في هذا السياق على نقاط أساسية، أبرزها: الدفع باتجاه رفع الحظر عن مجيء الخليجيين الى لبنان، توفير مرونة إضافية من القطاع المصرفي تجاه المؤسسات لتيسير أمورها، عدم زيادة الضرائب بأي شكل من الأشكال وإعادة النظر بسلسلة الرتب والرواتب، إجراء الإصلاح الإداري الذي يشكل نقطة ارتكاز لأي عملية نهوض، إقرار الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتطوير البنية التحتية، السير بالإنماء المتوازن واللامركزية الإدارية، فضلاً عن احتواء انعكاسات النزوح السوري على سوق العمل اللبنانية.
ويتحدّث شماس عن «الرؤية الاقتصادية التي يُفترض أن يتبنّاها رئيس الجمهورية العتيد، فيؤكد أن «مطلب أهل الاقتصاد ورجال الأعمال هو مطلب جميع اللبنانيين: أنا كرئيس جمعية تجار بيروت أعرف أن في مرحلة ما بعد الطائف، السلطة التنفيذية مناطة بمجلس الوزراء مجتمعاً، لذلك يجب عدم تحميل رئيس الجمهورية أكثر من طاقاته، خصوصاً أن الحكم هو في السلطة التنفيذية«.
ويأمل في أن يكون الرئيس العتيد «راعياً للاقتصاد الجامع لكل اللبنانيين، وأن تكون لديه رؤية اقتصادية تنطلق من أربعة مرتكزات أساسية.
غالبية اللبنانيين مصابون بالضياع واليأس والاستسلام. لذا نحن بحاجة لرجاء جديد في الاقتصاد اللبناني، أي إعادة الأمل بإمكانية نمو الاقتصاد وتقدّمه، حتى لا يعمل من في الداخل على الذهاب الى الخارج والعكس»، مشيراً الى نموذج مثالي في هذا الإطار هو ونستون تشرشل «الذي استنهض كل طاقات الانكليز على قاعدة أن الروح في القيادة ضرورة لانتشال الاقتصاد من الغيبوبة«.
أما المرتكز الثاني فهو حسب شماس «إعادة الثقة المفقودة في لبنان، إن كان من ناحية اللبنانيين تجاه بعضهم البعض، أو المواطن تجاه الدولة وحتى لبنان إزاء الخارج. ومن دون هذه الثقة لا يمكن للاقتصاد أن يتعافى.
الاقتصاد يقوم على مجموعتين من المعايير الحسّية والموضوعية، إنما بالقدر ذاته هناك المعايير النفسية والثقة التي تشجّع المستثمر على الاستثمار، والمستهلك على الاستهلاك، والمبدع على الإبداع والمبادر على المبادرة. لذا المطلوب من الرئيس إعطاء الثقة للبنانيين تماماً كما فعل فرنكلين ديلانو روزفيلت الذي أتى الى روسيا في أعقاب أصعب مرحلة اقتصادية ونجح في التشريعات والحوكمة.
أما المرتكز الثالث، فهو النمو الاقتصادي الغائب عن ربوع لبنان منذ فترة، والذي ينعكس سلباً على الدولة بخزينتها، والمؤسسات بماليتها والأسر بميزانيتها. القلّة تولّد الشجار بين اللبنانيين، وحده النمو قادر على حل المشاكل ويلبّي الطموحات الاجتماعية«.
أما المرتكز الرابع، يضيف شماس فهو «الحوار الاجتماعي، وقد وضعت الهيئات الاقتصادية في وجه النقابات العمالية بسبب تقاعس وتخاذل الحكومة السابقة. الرئيس الجديد يجب أن يكون أباً صالحاً لجميع اللبنانيين وأن لا يفرّط في أبنائه وفي الوقت نفسه أن يعرف كيف يلجمهم. والنموذج على ذلك هو النظام الاقتصادي في ألمانيا الذي وفّق بين العدالة الاجتماعية والفعالية الاقتصادية.
من خلال هذه المعايير الأربعة يستطيع الرئيس انتشالنا من هذه الورطة ونحن كهيئات نتعهّد بمساعدته لبناء الأرضية الصلبة وبزوغ فجر اقتصادي جديد في لبنان».
وفي السياق نفسه، عدّد شماس بعض الخطوط الرئيسية التي يجب أن تتضمّنها رؤية الرئيس الاقتصادية «وفي مقدمها الدفع باتجاه رفع الحظر عن مجيء الخليجيين الى لبنان، خصوصاً أن الضربة الأولى التي تلقاها الاقتصاد الوطني نتجت عن قرار الحظر في تموز 2011. في هذا السياق، نبني على النتائج الايجابية للخطة الأمنية في طرابلس والبقاع وقريباً في بيروت، التي تسهم في عودة السياحة والحركة الى الأسواق«، مشيراً الى أن «الاقتصاد اللبناني سريع العطب وسريع الانتعاش في آن«.
ويضيف «المطلوب الدفع باتجاه معالجة فقدان السيولة والصعوبات التمويلية التي تعانيها المؤسسات، ومن الضروري توفير مرونة إضافية من القطاع المصرفي تجاه المؤسسات لتيسير أمورها»، مشدّداً على ضرورة «عدم زيادة الضرائب بأي شكل من الأشكال وإعادة النظر في سلسلة الرتب والرواتب لما لها من عواقب وخيمة على المالية العامة والخزينة العامة ومالية المؤسسات، وعلى ضرورة «منح القطاعات الانتاجية القروض المدعومة لا سيما القطاع التجاري لأنه بحاجة لإعادة هيكلة بنية قروضه بفوائد منخفضة«.
ويؤكّد شماس أن «الإصلاح الإداري يشكلّ نقطة ارتكاز لأي عملية نهوض، وفي هذا الإطار، لا بد من الأخذ في الاعتبار ضرورة إجراء التعيينات الإدارية على أساس الكفاءة والحاجة، لتفعيل الإدارة وتحديثها وعصرنتها بما يتلاءم مع متطلبات العمل الاقتصادي وتسهيل إنجاز المعاملات«.
ويقول إن إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص وإصدار المراسيم التطبيقية لهذا القانون على جناح السرعة «يجب أن يكون من الأمور الأساسية التي يعمل عليها الرئيس، خصوصاً أن البنية التحتية مترهلة، لأنه لم يتم أي عمل على هذا المستوى منذ أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أي منذ نحو 20 عاماً، وهذه البنية استهلكت ويجب إعادة ترميمها وتطويرها. كما أن قطاع الكهرباء يرتّب على الخزينة العامة عبئاً سنوياً يفوق الملياري دولار وأعباء هائلة على المؤسسات والأسر. كما أن البنية التحتية تخفّض تكاليف الانتاج وتزيد تنافسية الاقتصاد اللبناني«، مشيراً في هذا الإطار، الى أن لدى المصارف «حوالى 15 مليار دولار جاهزة للاستثمار في القطاعات الانتاجية إذا توافرت الجدوى الاقتصادية فيها«.
ويركّز شماس على موضوع «الإنماء المتوازن« بين المناطق اللبنانية، الذي يشكّل «حلاًّ اجتماعياً قبل أن يكون حاجة اقتصادية، و«الدليل على ذلك أن الفقر المدقع يؤدي الى إشعال الاحتقان والنزاعات في هذه المناطق«. ويذكّر بأن «مجلس الوزراء السابق «أقرّ 100 مليون دولار لتنفيذ مشاريع إنمائية لطرابلس نتمنى أن توضع موضع التنفيذ«.
أما اللامركزية الإدارية التي تم لحظها في وثيقة الوفاق الوطني في الطائف فتكتسب برأي شمّاس أهمية قصوى لأن من شأنها توفير اللامركزية الاقتصادية والإنمائية، ما يُسهم في إبقاء الناس في أراضيهم ومنع التصحّر بالريف والاكتظاظ في المدن«، مشدداً على ضرورة اهتمام الرئيس بشكل مركز على احتواء انعكاسات النزوح السوري على سوق العمل اللبنانية من خلال تقليص مروحة المهن التي يسمح مزاولتها لغير اللبنانيين، وإلا ستكون نتائج النزوح كاسحة بالنسبة الى العمالة اللبنانية نظراً للتفاوت في منظومة الأجور بين اللبنانيين وسواهم«.