كما لو أنّ الرسّام والنحّات والشاعر محمود أمهز يعلن نهاية زمن الجسد. هو الرسّام التجريدي انتقل مؤخرا إلى رسم الوجوه، وكان عنوان معرضه المستمرّ بغاليري “الأرجوان” في بئر حسن ببيروت حتّى الرابع من حزيران هو: “وجوه إفتراضية”
وجوه إذا. يحيل العنوان إلى “كتاب الوجوه” أو Facebook. نحن أصلا في زمن #selfie وفي زمن الفيسبوك والتويتر. في زمن الوجوه. كما لو أنّ الجسد يتراجع في السنوات الأخيرة. حتّى أنّ الإقبال على الصور المثيرة في وسائل التواصل الاجتماعي ليس بالقوّة والدهشة التي كانت للجسد قبل عشرين عاما مثلا.
ولأنّ الفنّ اعتراضٌ في الدرجة الأولى، فإنّ محمود أمهز، الرسّام الذي أنهى خمسين عاما من الرسم، رسم وجوها لكن بلا ملامح. بل وحتّى بلا تفاصيل “وجهية” حتّى. رسم وجوها غامضة. كما لو أنّه يريد القول إنّ وجه الإنسان لا يجوز أن يصير واضحا إلى هذه الدرجة. كما لو أنّه يوجّه دعوة إلى الغموض. وتحديدا اعتراضا على “الوضوح الفاقع” في شخصية الإنسان ووجهه في السنوات الأخيرة.
فعلى الفايسبوك والتويتر والإنستغرام والليندإن وغيرها من وسائل التواصل الجديدة، يمكن لأيّ كان أن يرى وجه أيّ كان وأن يعرف كلّ شيء، تقريبا، عن حياته وعاداته ويومياته. إنّه “الوضوح” الذي تعترض عليه لوحات محمود أمهز وتدعو إلى الابتعاد عنه وإلى استعادة “الأسئلة” والشكّ.
يقول محمد أمهز ف يحديث لـ”جنوبية” إنّه قصد “تصوير الإنسان المشوّه من الداخل”، ويضيف: “لا أحاكي الواقع بل أتخطّاه وأعيد صوغه وأخفي الوجه لأكشفه أكثر، أموّه وأشوّه لأتخطّى المنطق إلى ما خلف الواقع”.
هكذا يعلن بيان “التشويه”. فهو لا يرى الإنسان مشوّها فقط، بل يريد تشويهه علّه ينفذ إلى ما وراء وجهه. الوجه بمعنى الإعلان والهويّة والظاهر والسطحي. ويفعل ذلك في إصرار على أن تكون لوحاته ببعدين فقط: 2 Dimensions، بدلا من اللوحات ثلاثية الأبعاد التي تحاول اللحاق بعصر الصورة ومنافستها.
يركن محمود أمهز إلى البعدين فقط: “أريد أن تكون لوحاتي شرقية، سطحية، لا يمكن النفاذ إلى داخلها إلا من خلال المعنى. مسطّحة ومليئة بالظلال”. فتراه يرسم ظلّ الوجه، ويرسم جسدا على أنّه وجه وظلاله. هي لوحات “بلا عمق”، يقول، ويتابع: “هنا العين ترى الفكرة وليس الشكل والمضمون وليس التنميق”.