أميركا وإسرائيل حين تختلفان

من المتوقع بين يوم وآخر أن تعلن الولايات المتحدة استئناف المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية التي تشارك فيها أميركا عن قرب لا مباشرة. كانت هذه المحادثات قد بدأت يوم 29 تموز/يوليو الماضي بإعلان وزير الخارجية الأميركي جون كيري أنها تستند إلى اجتماعات مباشرة يقوم الجانب الاميركي بدور تسهيلها.
لكن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد يوم 24 نيسان/أبريل الماضي وقف هذه المحادثات من جانب إسرائيل، «بعدما أعلن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس توقيع معاهدة وحدة مع جماعة «حماس» الاسلامية على غير توقع». ولم يكتف نتنياهو بإعلان هذا السبب لوقف المحادثات بل أضاف ان اسرائيل قررت بناء 4800 مسكن في الضفة الغربية، في منطقة كان عباس قد قال انها ستكون جزءا من الدولة الفلسطينية في أي معاهدة سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وفي أعقاب ذلك كان تعليق السفير الاميركي في اسرائيل مارتن اينديك على وقف المحادثات قوله لعباس إن «نتنياهو لا يصلح لأن يكون طرفا جادا فيها». غير ان مسؤولا اسرائيليا من المشاركين في المفاوضات قال ان عباس كان قد أبلغ من جانب المسؤولين الاسرائيليين بوجود هذه الخطة لبناء مستوطنات اسرائيلية على الضفة الغربية بما في ذلك عدد تلك المستوطنات. أي ان الرئيس الفلسطيني دخل المفاوضات مع الاسرائيليين وهو على علم مسبق بأن هناك خطة اسرائيلية لبناء مستوطنات في الارض الفلسطينية التي تجري المفاوضات عليها.
مع ذلك، فإن مسؤولا اسرائيليا قال ان حكومة نتنياهو أظهرت مرونة في المفاوضات «لكن نتنياهو لم ينجح في كسب مرونة مماثلة من جانب عباس الذي رفض قبول الأفكار عن صفقة سلام يقدمها البيت الابيض، كما رفض ان يناقش مطلب اسرائيل بأن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل باعتبارها دولة يهودية». بالرغم من كل هذه الأقوال المتناقضة، فإن السفير الاميركي اينديك لمّح الى ان مفاوضات السلام قد تُستأنف على غرار ما كان يحدث في أيام هنري كيسنجر، الذي نجح العام 1975 في التوصل الى نتيجة نهائية في المحادثات بين مصر واسرائيل. وقال انديك، في كلمة ألقاها في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى»، «ان ما كان صحيحا في ذلك الوقت يمكن ان يكون صحيحا اليوم. ففي الشرق الأوسط لا ينتهي الامر أبدا».
على الرغم من هذه اللهجة الواثقة من جانب الاسرائيليين، فإن الموقف يبدو بالغ التعـقيد. إذ ان كل الاطراف ـ وليس فقط الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي ـ تشعر بأن الشرق الاوسط كله في خطر. بل ان أميركا نفسها، بكل ما تتـميز بـه من قوة، تشعر بأنها في خطر. ولعل هذا هـو السـبب في ما يسمـعه العالـم هـذه الأيام من ملاحـظات أميركيـة، بعضها على لسان وزير الخارجية كيري، وبعضها على لسان وزير الدفاع تشاك هاغيل، حتى توصي بأن أميركا دخلت مرحلة غير مسبوقة من الخلاف مع اسرائيل، وأصبحت تصرح فيها بهذا الخلاف. ويبدو جليا اليوم ان فشل المحادثات الاسرائيلية – الفلسطينية قد انعكس على العلاقات الاميركية – الاسرائيلية. ويبدو ان أميركا لم تعد تحتمل ان ترى علاقاتها مع اسرائيل تفيد اسرائيل وحدها، فيما لا تفيد أميركا بأي حال.
هل تنبهت أميركا الى ان روسيا هي المستفيد الأكبر من طاعتها الكاملة لإسرائيل؟
هل تنبهت أميركا الى انها يمكن ان تكون الخاسر الأكبر اذا استمرت في تمثيل المصالح الاسرائيلية وتقديمها حتى على المصالح الاميركية؟
أم أنها أصبحت تخشى أن تخسـر علاقات التـحالف والصداقـة مع أوروبا إذا ما وضـعت الأخـيرة علاقاتها المثمرة مع بلدان المنطـقة العربـية في كفـة ترجـح على كـفة اسرائيل، بغـض النـظر عن الموقف الامـيركي؟ ومـعنى هـذا ان أمـيركا اخـتارت مصالح أوروبا لا مصالح اسرائيل للمرة الاولى في تشابك العلاقات الاميركية ـ الاوروبية – الاسرائيلية.
ام ان استراتيجية أميركا الجديدة التي تنقل مركز اهتمامها الى آسيا للمرة الاولى منذ الحرب العالمية الثانية، لها دخل كبير بظهور توازن جديد يضع مصالحها مكان مصالح اسرائيل من حيث الأولوية والأهمية؟
إن السؤال عن تقدم المصلحة الاميركية على مصلحة اسرائيل يحتمـل تفصـيلات أكثر وأوسـع اذا ترك المجال مفتوحا له. ولكن المهم ان نعي ان أميركا تغيّر سلوكها، بحيث أصبـحت ترى مصلحتها تتقدم على المصلحة الاسرائيلية للمرة الاولى منذ سنوات طويلة. وقد بدا أن لهـذه التطورات صلة بتغير علاقات بعض الدول العربية بإسرائيل. إذ تبين للولايات المتحدة في الأشـهر القليلة الاخيرة ان دولة عـربية لهـا وزنـها المالي الكبير ـ وبالتالي وزنها السياسي وعلاقاتها مع الولايات المتحدة ـ هي المملكة السعودية، بدأت تظهر تغيراً في موقفها من اسرائيل بصورة أكثر صراحة ووضوحا من ذي قبل. ان الموقف السعودي من تل أبيب يتحول بصورة أقرب الى العلنية مما كان من قبل. فهل يمكن الاستنتاج بوجود علاقة بين موقف أميركا الجديد من اسرائيل الذي يتسم للمرة الاولى بالنقد والسلبية، وموقف السعودية الجديد من اسرائيل الذي يتسم للمرة الاولى بالإيجـابية والمديح؟
هل يمكن ان نستنتج ان السعودية توصلت في آخر جلسة محادثات لها مع رئيس أميركا الى اتفاق على تبادل المواقف تجاه اسرائيل. الامر الذي سمح لأميركا بأن تنتقد اسرائيل وسمح للسعودية بأن تتقرب منها وتتعاون معها؟
والاهم في هذه التغيرات هو اقتراب السعودية من اسرائيل كحقيقة مؤكدة. ويأتي هذا في وقت اقتراب السعودية من مصر. كذلك فإن انتقاد أميركا لإسرائيل يأتي ضمن محاولة أميركا للاقتراب من مصر في ظل قيادتها الجديدة، وهي القيادة التي تشير الدلائل الى انها ستبقى في السلطة نتيجة للانتخابات المقبلة في مصر لسنوات عدة.
ان اختلاف الرؤية السياسية بين أميـركا واسـرائيل ينبغي ان يُنظر الـيه عربـيا باعـتباره تغيرا بالغ الاهمية في الفترة المقبلة في ضوء كل الاحتمالات العربية والاسرائيلية والاميركية والاوروبية، مهما كانت احتـمالاته بعـيدة وغير مؤكدة.

السابق
سيارات الهيدروجين… وصلت!
التالي
ابي نصر: الغياب عن الجلسات لا يهدف الى التعطيل انما لأخذ الوقت