يحمل آية الله أحمد جنتي، رئيس “مجلس الخبراء” في الجمهورية الاسلامية في ايران، بيده”مفتاح” انتخاب المرشد، وحتى إقالة المرشد الحالي آية الله علي خامنئي. هذا بالمبدأ وحسب نص الدستور.
في الواقع، لا يملك جنتي القوة والنفوذ غير خدمة المرشد خامنئي، الذي “صنعه”، وولّاه سابقاً على “رئاسة مجلس صيانة الدستور”، فجعل منه “مصفاةً”، أخرج بها كل المرشحين الإصلاحيين، من بينهم 80 نائباً سابقاً بحجة عدم تمتعهم بالالتزام وغير ذلك، و بالتحالف مع آية الله مصباح يزدي الذي يطلق عليه “أمير الطالبان” في ايران، لضمان انتخاب احمدي نجاد رئيساً للجمهورية ومنح المحافظين المتشددين الأغلبية المطلقة في مجلس الشورى. ولاحقاً أبعد هاشمي رفسنجاني. هذا معناه أن جنتي يدير ولا يقرر. لكن من المهم سماع صوته، وخاصة عندما يكون خطيب صلاة الجمعة، لأنه ينطق بما يريده المتشددون .
أية الله جنتي، من مواليد أصفهان في عام ١٩٢٧. لم يعرف عنه أي نشاط ضد نظام الشاه. حالياً، هو من أبرز دعاة عودة الإمام المهدي، وهو بهذا من “المهدويين”، الذين يؤمنون أن لا جمهورية، ولا دولة إسلامية، ولا ولي فقيه، حتى يعود الإمام المهدي، ويكون الحل في الإمارة.
جنتي قال في اجتماع حكومي: “تم التمهيد لظهور المهدي، ويجب ان نستعد للامتثال لأوامره.. المهدي لن يتخلى عن أصدقائه وانصاره، ويجب ان ننتظر ظهوره”.
أما مواقف جنتي في باقي القضايا، فكلها متشددة، وهو ما زال، حتى بعد المصالحة، مع “الشيطان الأكبر”، ضد العلاقات معها، ويشجع هتاف “الموت لأميركا”، أثناء إلقائه خطبة الجمعة، لكنه يترك القرار النهائي للمرشد .
سياسياً، يعبّر جنتي علناً عن القلق الواضح لدى المتشددين من زحف المعتدلين والإصلاحيين على المؤسسات، والذي يبلغ مداه في الفوز المحتمل للقوى الإصلاحية في الانتخابات القادمة لمجلس الشورى، إذ قال في مشهد: “اليوم هناك عدد استولوا على الخندق الأول (رئاسة الجمهورية) وهم يعملون على الاستيلاء على مجلس خبراء القيادة (المقصود هاشمي رفسنجاني الذي كان يرأسه أصلاً)، ومجلس الشورى الاسلامي، ليتابعوا مقاصدهم الفاسدة عبر ذلك”.
همّ آية الله جنتي الكبير هو “مراقبة الجراثيم التي تقضي على الثقافة في المجتمع كما تقضي على الأشجار والزهور”، والحل برأيه هو في “سيطرة وزارة الثقافة والإرشاد في شكل كامل على المنتجات الثقافية”. كيفية ذلك، فتتم بحظر شبكات التواصل الاجتماعي مثل “التويتر” وحتى “الفياسبوك”. وبطبيعة الحال المراقبة المشددة على إصدارات الكتب. الطريف، هو أن موقف جنتي حول “الجراثيم”، وضعه في مواجهة مباشرة مع إبنه علي جنتي، وزير الثقافة والإرشاد في الحكومة “الروحانية”.
علي جنتي هو الابن الثاني لأحمد جنتي، أما الأول حسين، فقد قتل في بداية الثورة في الصدامات مع “مجاهدي خلق”، التي كان عضوا فيها. ولد في قم، ودرس في حوز حقاني، التي أسسها وأدارها والده، ولكنه، وهو الأصفهاني، اقترب من آية الله العظمى، حسين منتظري وتتلمذ على يديه، ويبدو أنه اكتسب الكثير من اعتداله وانفتاحه. عين محافظاً لخوزستان، وسفيراً في الكويت، ثم عينه الرئيس أحمدي نجاد نائباً لوزير الداخلية. لكن لم تطل مهمته، إذ يبدو أنهما لم يتفقا، رغم دعم والده لنجاد، فعاد سفيراً إلى الكويت، حتى استدعائِه مرة أخرى قبل الانتخابات الرئاسية، بعد تحميله مسؤولية فشلٍ أمني.
علي جنتي قد لا يكون إصلاحياً، ولكنه بالتأكيد معتدلٌ ووسطي، وقد يكون متأثراً في عمقه دون التصريح بمواقف منتظري. لكن الأهم من ذلك هي مواقفه وما نفذه حتى الآن :
*”إن حجب استعمال “الفايسبوك” في ايران مضحك مثل منع النظام بعد انتصار الثورة استخدام جهازي الفاكس والفيديو في البلد”.علي جنتي يسخر ضمناً من مطلب المتشددين، ومنهم والده، ولا يكتفي بذلك فهو يوجه سهامه الى النظام منذ مطلع الثورة، مضيفاً : “يوجد أربعة ملايين إيراني يستخدمون “فايسبوك “. المعروف أن خامنئي وروحاني لديهما حساب على “فايسبوك”.
* عندما أعاد فتح صالات السينما، قال أمام حفل ضخم، ضمّ عدداً كبيراً من الفنانين: “السينما التي أعيد فتحها، هي من اللحظات الأسعد في حياتي”.
* في ايران حيث الموسيقى شبه ممنوعة، وخصوصاً الحديثة منها، شارك الوزير علي جنتي في تشييع الموسيقار محمد رضا لطفي، وألقى كلمة أمام حشد الفنانين قال فيها: “إن سموّه الروحي انعكس في موسيقاه”.
يستعد المخرج مسعود جعفري جوزاني والمنتج علي معلم، وبدعم من وزارة الثقافة، إلى إنتاج فيلم ضخم بعنوان “قورش بزرك”، أي “قورش الكبير”، الذي يعتبر، حسب ما نشر في الصحافة الرسمية الإيرانية، أحد أعظم ملوك الفرس الأخمينيين. استولى على آسيا الصغرى وبابل (حيث أنقذ اليهود الذين سباهم نبوخذ نصّر)، ومنح المناطق المحتلة أقصى درجات من الحكم الذاتي.
إيران تعيش على وقع صراعات ومواجهات سياسية حقيقية وعميقة، لأنه حان الوقت دخول العصر، ليس فقط عسكرياً ونووياً، وإنما أيضاً اجتماعياً وثقافياً، ولذلك تحولت هذه الخلافات إلى مواجهات بين الأجيال، وخصوصا في إيران، حيث ٧٥ في المئة من الإيرانيين، ولدوا بعد الثورة، ولذلك لا يعود غريباً وصولها إلى داخل البيت العائلي الواحد، حتى ولو كان الأب والابن يتبوآن مسؤوليات مهمة وحساسة، مثل جنتي الأب والابن .