إيران: اقتراب نهاية المفاوضات يشعل البيت الداخلي

بدأ العد العكسي لنهاية المفاوضات بين إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد. نظرياً لم يبقَ أكثر من 55 يوماً. كلّما نقصت ساعة الرمل حبة، ضاق هامش المناورة أمتاراً عديدة. لذا ستجد الأطراف الإيرانية نفسها سواء كانت معتدلة أو متشدّدة أمام واقع جديد. ما بعد التوقيع على الاتفاق (أو الفشل كاحتمال ضعيف جداً) ليس كما قبله.

 أمام هذا الواقع، من الطبيعي أن ترتفع حرارة الموقف الداخلي الإيراني. من نتائج هذه الحرارة، ازدياد الصراع وضوحاً وانكشافاً وتبلوراً، بين المحافظين المتشدّدين من جهة والمروحة الواسعة للوسطيين والإصلاحيين المعتدلين، إنما تحت “خيمة” قومية ثابتة، عامودها القوي: حصول إيران على القوّة النووية السلمية، والدخول بها إلى عالم المعرفة النووية دون الانزلاق إلى تصنيع السلاح النووي، بحجّة مخالفة ذلك للالتزام الإسلامي للجمهورية. ولكن أيضاً لأنّ “إيران لا يمكنها امتلاك قوّة الردع النووي”، حتى لو أردت ذلك.
المحافظون المتشدّدون يؤكدون على أنّهم خسروا معركة ولم يخسروا الحرب. كل “الأسلحة” التي تجعلهم يربحون، لا حظر على أي منها. مشكلة المتشدّدين أنهم يعيدون استخدام التكتيكات نفسها التي سبق وأن نفذوها ضدّ الرئيس محمد خاتمي، وفازوا بها، فجعلوا منه رئيساً لا يحكم.
خطأ المتشدّدين أنّهم لا يأخذون بعين الاعتبار المرحلة الزمنية والسياسية، داخلياً وخارجياً، المختلفة، والفرق الكبير بين شخصية محمد خاتمي وحسن روحاني. من ذلك، أنّ إيران بحاجة للانفتاح والمصالحة مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب عموماً، وأنّها تعاني أزمة اقتصادية كارثية، ولذلك إذا كانت قد فازت في السابق وأتت بالأكثر تشدّداً أحمدي نجاد، فإنّ الوضع حالياً مختلف. أمّا الفرق بين شخصية محمد خاتمي وروحاني فهو ضخم ومؤثّر جداً.
الرئيس الأسبق محمد خاتمي، ابن مؤسسة دينية، لكنه رجل فكر وثقافة. جاء من ألمانيا إلى وزارة الثقافة وبقي فيها مسالماً لفترة 11 سنة. بينما الرئيس حسن روحاني، وإن كان ابن المؤسسة الدينية إنّما بدأ باكراً جداً العمل السياسي إلى جانب الإمام الخميني. وهو صعد كل مراتب الدولة وعمل في جميع مؤسساتها، لذلك هو أيضاً “ابن الدولة”، الذي يعرف كل خفاياها. وهو عمل مع الرئيس ومن ثم المرشد آية الله علي خامنئي، لذلك يعرفه جيداً ويعرف أسلوبه في الإدارة والممارسة.
أما تكتيكات المتشدّدين، فتقوم على خلق مشاكل جانبية للرئيس وإغراقه في حيثياتها وتردّداتها، وخصوصاً بين أنصاره، لإضعاف شعبيته ودفعه نحو الزاوية بحيث يصبح بحاجة لهم فيتحوّلون من موقع الدفاع إلى الهجوم. أشغل المتشدّدون خاتمي بقضايا رئيس بلدية طهران كرباستشي ووزير الداخلية عبدالله نوري ومحاكمتهما، وفي جملة اغتيالات ضدّ إصلاحيين معروفين.
الآن، يعملون على إشغال الرئيس حسن روحاني بقضايا الاستمرار في حجز حرية مير حسين موسوي والشيخ مهدي كروبي، والاستمرار في سجن بعض المئات من الإصلاحيين. القضاء لا يطلق سراح موسوي وكروبي ولا يحاكمهم. الأسوأ والأخطر، أنّ عائلة موسوي تقول وتؤكد إنّه تعرّض للضرب الشديد في محاولة لقتله وهو المريض جداً. كذلك كشفت عائلات معتقلين، وخصوصاً المسجونين منهم في العنبر 350 في سجن “ايفين”، عن تعرضهم للضرب المبرح وعدم السماح لعائلاتهم بزيارتهم، وتعرض هذه العائلات لضغوط أمنية قاسية. كل ذلك لإحداث شرخ بين روحاني وقاعدته الشعبية من جهة وضرب التيارات المعتدلة والإصلاحية بعضها بالبعض الآخر.
القضاء رفض أيضاً طلب الرئيس محمد خاتمي إطلاق سراح موسوي وكروبي الموضوعَين في الإقامة الجبرية منذ شباط 2011. الرئيس روحاني ردّ على كل ذلك بجملة مواقف منها:
* رفض “التسرّع” في قضية موسوي وكروبي، حتى لا تتكرّر قصّة كرباستشي ونوري. مؤكداً انه “لم ينسى أي شيء، فذاكرتي ما زالت جيدة وأتذكر ما تعهدت به (أي إطلاق سراح الزعيمين وباقي السجناء)”، مشيراً إلى ضرورة “العمل معاً وتهيئة الظروف”.
* إذا كانت جهات تحاول استغلال الظروف من أجل المسّ بالمجتمع عبر إثارة الفتن وإشاعة أكاذيب فإنّ عليهم ألا يتكلموا باسم الأمّة وإنّما باسم “فصيلهم”.
* التأكيد بأنّ حكومته “ترفض الرقابة وتدعم حرية التعبير”.
وفي موقف لافت جداً، عارض روحاني، المرشد خامنئي علناً في مسألة المرأة ومساواتها بالرجل. فقد قال في عيد العمال وأمام حشد ضخم جداً في ملعب ازادي (الحرية): أعارض أي تمييز بين الرجل والمرأة ويجب أن يتمتعا بكل الحقوق في العمل.
وكان المرشد خامنئي قد قال في احتفال قبل أيام “يجب الابتعاد عن الأفكار الغربية مثل العدالة والمساواة بين الجنسين”. مضيفاً أنّ “المساواة لا تعني العدالة دوماً”، مشيراً إلى “أن العمل ليس من القضايا الأصلية للمرأة”. المواجهة مستمرة!
السابق
كيف تصبح خبيراً إستراتيجياً؟!
التالي
المستأجرون يعقدون اليوم مؤتمرهم الوطني