وهكذا وصلنا الى اليوم الذي صارت فيه منظومة «التعشيق» بين الرؤى البعثية وتلك الخمينية تترّحم على مرحلة بطريرك الإستقلال الثاني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير، بعد أنْ شبّهت لها أنّ التغيّير على رأس الكنيسة المارونية هو حكماً لمصلحتها. عدنا اليوم الى عادة تذكير الموارنة بـ«النموذج القبطي» علّهم يتبعونه. لكن أنى تخاطب العناد الماروني بنموذج لم تقم المارونية في الأساس الا على قاعدة التباين اللاهوتي والتباين في الاستراتيجيا الحضارية للبقاء ومستلزماته معه؟!
يأتي هذا بعد أن فقدت «منظومة الممانعة» أعصابها ما أن أعلن رئيس «القوات اللبنانية» ترشّحه للرئاسة، وهو فقدان أعصاب أضرّ بحلفاء الممانعين بين المسيحيين وأفاد الدكتور سمير جعجع بشكل أو بآخر، خصوصاً على صعيد الزخم الشعبي وتسييس المعركة، بل وأكثر، على قاعدة «الاستفاقة»: الاستفاقة الى ان الممانعة حين فقدت أعصابها وهي «تشيطن» جعجع بشخصه وكأن الحرب اللبنانية لم يحرّكها الا هو، والسلم الأهلي كان ليشتد عوده لولا هو، انما استهدفت الخيارات الأساسية للموارنة وعموم المسيحيين أثناء الحرب، بل قبلها بسنوات.
لكن الممانعة تشدّد مع ذلك على أنّ «المارونوفوبيا» ليست متأصلة فيها، وأنّها يمكن أن تنقلب الى «مارونوفيليا» لو أنّ كل الموارنة كإميل لحّود. لكن اميل لحود على رأس الدولة اللبنانية هل يتكرر؟
من هنا، وحتى عشية انتهاء ولايته، يبقى نموذج الرئيس ميشال سليمان بمثابة الكابوس بالنسبة الى قوى الممانعة، وقد شكّلت مواقفه في السنة الأخيرة نقطة متقدمة على طريق كشف كذبها، حيث أن «اللاسنّية» لا تلغي وجود «مارونوفوبيا» متأصلة، يتشكّل عنصرها الأول من عدم قدرة الممانعين على احتمال تمايز «النموذج الماروني» عن غيره من استراتيجيات البقاء لدى الأقليات الدينية والقومية في الشرق الأوسط، فلا ينفع تبشير الممانعين للموارنة مرة بالنموذج النسطوري ومرة بالنموذج القبطي. ففي الأول والآخر، اذا كان للموارنة «غريزة لاذمّية» بازاء أي مناخ مهيمن عليهم من موقع الأكثرية، فان هذه الغريزة ستكون مضاعفة بازاء أي مناخ مهيمن عليهم من موقع الأقلية، لا سيما وأن الدعوات البراقة الى «تحالف الأقليات» لن تلبث أن ترسي على رجعة حليمة لعادتها القديمة: رُهاب الموارنة.