بكركي: زيارة الراعي الى القدس رعوية ومشايخ الدروز يزورون اسرائيل

البطريرك بشارة الراعي

يتمنّى البطريرك الماروني أن يحجّ كل عام الى القدس وبيت لحم والناصرة والأراضي المقدّسة حيث وُلد السيّد المسيح وبشَّر وصُلب وقام من بين الأموات، لكنّ الواقع الجيو- سياسي فرض على الراعي كما أسلافه من البطاركة الموارنة عدم الذهاب الى تلك الاراضي، بعدما نشأت دولة اسرائيل، وما رافقها من عداء بين الدولة الجديدة والعرب.

إنّ التقارب الجغرافي بين موارنة لبنان وفلسطين تفصله اسرائيل، لكنّ الراعي اختار الإلتفاف على الظروف والموانع، والركوب على متن رحلة البابا فرنسيس، لاختزال المسافات والنزاعات البشرية التي تُبعد كل مكوّن بشري عمّا يعتبره ملاذه الأوّل في العقيدة والإيمان.

حضَّر الراعي ملفّ رحلته المقدّسة جيّداً، ولم ينسَ الدفوع التي سيقدّمها لمَن سيعترض على زيارته، خصوصاً اذا تمّت برفقة البابا وهبطت الطائرة في مطار تل أبيب. فإذا اعترض أنصار محور الممانعة على الزيارة، سيرفع الراعي بطاقة زيارته الى سوريا في وجههم، والتي تخطّى فيها كل العوائق التاريخية وتجرّأ وفعَلها قبل سقوط نظام «البعث».

وعندما سيُقال للبطريرك إن سوريا ليست مثل اسرائيل، سيكون الجواب إن الزيارة ليست سياسية بل رعويّة، فمشايخ الدروز يزورون اسرائيل في المناسبات الدينية، والنظام السوري يمثّل عند الموارنة المتمسّكين بنهائية وطنهم خطراً لا يقلّ عن اسرائيل، لأنّ عقيدة «البعث» تركّز على أن لبنان جزء من سوريا، سَلخته عنها معاهدة سايكس- بيكو. اضافة الى ممارسات النظام السوري في لبنان التي فاقت ممارسات أيّ احتلال، من قمع وتهجير وتدمير المناطق المسيحية فوق رؤوس أبنائها.

وفي حين تقول بعض الأوساط السياسية إنّ الراعي خطّط لزيارة الاراضي المقدّسة منذ توَلّيه السدّة البطريركية في آذار 2011، وزار سوريا لإسكات الأصوات التي قد تعترض على هذه الزيارة، تؤكد أوساط كنسية لـ»الجمهورية» أن «الراعي بطريرك يسعى الى تخطّي كل الحدود، وحركته الدائمة وزياراته الخارجية تؤكد أنّ الكنيسة تتّبع نهجاً جديداً في التعاطي».

تراهن بكركي بعد هذه الزيارة «الحلم» على فتح الأراضي المقدّسة أمام موارنة لبنان والمسيحيين في المنطقة، لتبدأ بعدها رحلات الحجّ المنظمة الى فلسطين، كاسرةً بذلك حاجز الخوف ومعضلة «اسرائيل». وتتساءل الأوساط الكنسيّة عن مغزى تمنّع ذهاب الراعي برفقة البابا، فهل عدم ذهابه يُحرّر فلسطين؟ مستندة في هذا الطرح الى أن الفلسطينيين يتعاملون مع اسرائيل كأمر واقع، وتربط بعض الدول العربية معاهدات سلام معها، فيما لم يُطلق النظام السوري رصاصة واحدة لتحرير الجولان المحتلّ.

زيارة مؤكدة

يؤكد النائب البطريركي العام المطران بولس صياح لـ«الجمهورية»، والذي سيرافق البطريرك في زيارته، أن «الراعي سيزور الأراضي المقدّسة ضمن الوفد الذي سيرافق البابا، ففي فلسطين رعية مارونية تستحق زيارته»، لافتاً الى أنّ» البطريرك قد يزور الأراضي مع البابا عبر الطائرة أو عبر البرّ، والقرار لم يُتَّخذ بعد».

وعن اعتراض البعض على هذه الزيارة ، يقول صياح إنها «زيارة رعوية والراعي ليس ذاهباً لهدف سياسي او للتطبيع مع اسرائيل، ومن حقّ أيّ مسيحي في الشرق زيارة الاراضي المقدّسة لأنّ القدس وبيت لحم ليستا حكراً على اسرائيل بل هما لجميع المؤمنين في العالم، وهذا الأمر ينسحب على مسيحيّي لبنان ومسلميه».

ترفض الكنيسة المارونية مقولة «يحقّ للشاعر ما لا يحقّ لغيره»، وترى أنّ أي صوت تخوينيّ قد يصدر، يعبّر عن حقد دفين، وينمّ عن أهداف سياسية غير بريئة. فالموارنة هم شعراء العرب ومفكّريهم، وهم طليعة النهضة العربية، ويقفون بصدق الى جانب القضية الفلسطنية، وقدّ وافقوا على أنّ لبنان هو آخر بلد عربي يوقّع معاهدة سلام مع اسرائيل، وأي قرار من هذا النوع يحتاج الى توافق داخلي غير متوافر حالياً.

موارنة فلسطين

يهدف الراعي من خلال زيارته الى اعطاء موارنة فلسطين أملاً يدفعهم الى التمسّك بأرضهم أكثر. ويتكوَّن الإكليروس الماروني في فلسطين من نائب بطريركي يقيم عادة في القدس منذ العام 1895م، إضافة إلى رئيس أساقفة صور والأراضي المقدسة الذي يقيم في صور، ويمثّل هذا الإكليروس أتباع الكنيسة المارونية من الفلسطينيين الذين يسكن معظمهم مدن الجليل وقراه في شمالي فلسطين.

وتعيش في القدس 44 عائلة مارونية، تقيم داخل أسوار البلدة القديمة قرب باب الخليل. وينتشر الموارنة، وفق آخر إحصاء نشره مركز المعلومات الوطني الفلسطيني، في المناطق الشمالية القريبة من الحدود اللبنانية، ويقارب عددهم 7000 ماروني.

ويصل عدد الموارنة في حيفا الى 3500 نسمة، وهو أكبر حضور ماروني في فلسطين. وتشير الوثائق المارونية إلى أنهم قدموا إلى حيفا من لبنان عام 1677م. وقد ذهب الموارنة من لبنان إلى مدينة عكا في بداية القرن السادس عشر الميلادي، ومارسوا طقوسهم الدينية في بقايا مبنى صليبي قديم يعود بناؤه إلى القرن الثالث عشر. ويبلغ عددهم هناك نحو 300 نسمة.

وتفيد الوثائق المارونية والفلسطينية أنّ الموارنة هم أقدم سكان الناصرة المسيحيين، حيث استدعاهم الرهبان اللاتين من لبنان عام 1630م لمساعدتهم في تعمير الناصرة، واستعانوا بهم في بناء الدير والكنيسة.

وقد وردت في سجل الطائفة، المحفوظ في الكنيسة المارونية في المدينة، فقرة يعود تاريخها إلى عام 1769م تشير الى أنّ كاتبها سافر إلى جبل لبنان، وقابلَ البطريرك يوسف الغسطاني وأخبره عن حال الطائفة، وطلب منه أن يرسل لهم كاهناً، فاستدعى رجلاً إسمه لويس، رسمه وأرسله مع الكاهن إلى الناصرة. وطلب هذا الخوري بواسطة إبراهيم الصباغ، رئيس كتَّاب ضاهر العمر، مَحلاً للعبادة، وهكذا كان. ويبلغ عدد الموارنة في الناصرة اليوم نحو ألف شخص، ويمارسون شعائرهم الدينية بحرية في كنائسهم.

… نافذة أمل

«وَضعنا هنا كوَضع المسيحيين»، بهذه العبارة يختصر رئيس أساقفة حيفا والأراضي المقدسة للموارنة المطران موسى الحاج وضع الموارنة في فلسطين، ويقول لـ»الجمهورية»: «يبلغ عددنا نحو 7500 نسمة، عدا عن اللبنانيين الذين تركوا بلدهم قسراً عام 2000 ويقدّرون بـ 2500 نسمة»، مؤكداً أن «لا هجرة لافتة للموارنة، بل على العكس هم موجودون ويريدون العودة الى قراهم المهجّرة منذ عام 1948، أي الى كفربرعم والمنصورة».

ويؤكد أنّ «التعامل مع الموارنة في فلسطين جيّد وعددهم لا يتعدى المئة عائلة، أما في اسرائيل فهناك حذر ناتج عن قضية كفربرعم المحقة»، مضيفاً: «الخدمات العادية مؤمنة كسائر المواطنين. وهناك فئة تنتقد الحكومة وفئة صغيرة تؤيدها.

أمّا الغالبية فتطالب بالحقوق من دون أن تخوض في السياسات المؤيدة أو المناوئة. وعموماً، هناك تفاوت كبير في التعامل مع المسيحيين وتهميش واضطهاد مخفيّ، وأحيانا يظهر علناً». ويرى الحاج أنّ «تأثير زيارة البطريرك الراعي ستكون رعوية في الدرجة الأولى على الموارنة خصوصاً والمسيحيين عموماً.

وسوف يستمع الى مطالبهم وينقلها الى أصحاب الشأن والقرار بهدف إحقاق الحق وتطبيق العدالة تجاه موارنة الاراضي المقدسة وتجاه اللبنانيين»، معتبراً أن «زيارة غبطته هي بحد ذاتها نافذة أمل.

فنحن أبناء الرجاء والقيامة وكلّنا أمل أنّ هذه الزيارة ستحمل الأمل والرجاء لمَن يؤمنون بدَور بكركي، وبشخص غبطة البطريرك المعروف والمحبوب بمواقفه وحيويّته وإصراره على نصرة المظلوم والمقهور والمعذّب. فالجميع ينتظرونه ويصلّون ويأملون نجاح الزيارة»، مشيراً إلى «إنّها المرة الأولى لزيارة بطريركٍ ماروني إلى الاراضي المقدسة، وهي تُشجّع المؤمنين على القيام بواحباتهم الروحية والرعوية والمدنية».

إذاً، سيفتح الراعي بزيارته الباب واسعاً أمام المسيحيين للحج الى الأراضي المقدّسة، في موازاة الجدل الذي قد يُثيره بعض الأصوات بأنّ هذه الزيارة تطبيع مع اسرائيل وتغفل عن قضايا أهمّ.

السابق
الجيش السوري يسيطر على مبنى بلدية المليحة
التالي
سعيد تعليقا على منتقدي زيارة الراعي الى القدس: لا نحتاج فحص دم