سليمان وماكقورك والانتخابات العراقية

ناخبان كبيران في العراق: العراقيون، وإيران والولايات المتحدة الأميركية – الناخبان، منقسمان على بعضهما البعض ومتنافسان ومتزاحمان، كل شيء ممكن في التحالفات. لا ثوابت، ولا عقائد. المهم الفوز، لذلك لا تتوقف العملية الانتخابية عند إقفال صناديق الاقتراع، وإنّما ما بعدها بكثير.

أكثر من تسعة آلاف مرشّح عراقي يتنافسون على 328 مقعداً يوم الثلاثين من نيسان. الانقسامات حادّة بين القوى وداخلها. وهي طائفية ومذهبية وعشائرية وقومية. لكن تبقى “الجبهة الشيعية” بكل تلاوينها هي المركز في الانتخابات وفي النتائج، لذلك كل التكتيكات تبدو مسموحة لتسجيل النقاط. مبدئياً توجد ثلاث قوى شيعية متنافسة هي: حزب “الدعوة” بزعامة نوري المالكي باسم “ائتلاف دولة القانون”. و”المجلس الأعلى” برئاسة السيد عمّار الحكيم باسم “كتلة المواطن”، و”الصدريون” بزعامة السيد مقتدى الصدر وهي باسم “كتلة الأحرار”.

طموح الرجل القوي نوري المالكي الحصول على 90 مقعداً، ينطلق المالكي بقوّة استمرارية سلطته التي بناها معتمداً على واشنطن في البداية ثم على إيران ثمّ نجح في الجمع بين القوّتين ببراعة وربما لحاجتهما لرئيس لا يتردّد أمام الخطوط الحمراء في التحالف وفي التنفيذ. هذه المقاعد تسمح له بالمناورة على المكوّنات الثلاث: بيت الحكيم وبيت الصدر من جهة، والسنّة والأكراد من جهة أخرى، لتشكيل قوّة تعيده إلى الرئاسة بكل ما يملك من خبرة ومعرفة بتفاصيل الوضع. المالكي كان قد عمل على بناء كل التحالفات في انتخابات المجالس المحلية حيث حصل على 97 مقعداً مقابل 78 للحكيم و46 للصدر. وقد نتج عن تحالف الحكيم والصدر اطاحة المالكي و”الدعوة” في عدد كبير من المدن. لذلك يعمل على عدم تكرار التجربة حتى لا يخسر كل شيء، لأنّه إذا خسر داخل المكوّنات السياسية والعشائرية الشيعية يكون قد خسر الباقي ولا يعود ينفعه التحالف مع الأكراد أو مع أطراف من السنّة.

أما تكتيك الصدر لإحداث التغيير والاطاحة بالمالكي فيستند أساساً على ائتلافه مع آل الحكيم وهو ليس أمراً سهلاً، لأنّهما محكومان بتنافس قديم داخل النجف. أمّا الأمر الثاني فيعتمد على:

* “انقلاب أبيض” داخل قوى الجيش والشرطة ضدّ المالكي الذي عمل على تقريب وترقية أنصاره وإبعاد خصومه مما انعكس بعمق على مواقف مكوّنات المؤسستين.

* وقوع “ثورة بيضاء” بين المدنيين لصالح التغيير.

لكن مجرى الحملات الانتخابية في ظلّ معارك الأنبار لا تبشّر كما يبدو بانتصار المالكي من جهة، كما شكلت الخلافات العميقة الطافية على السطح بين المالكي من جهة وعمّار الحكيم ومقتدى الصدر من جهة أخرى قلقاً عميقاً في طهران خصوصاً وأنّه يهدّد بوقوع “حريق شيعي” محتمل.

الجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” و”الرجل الأقوى في العراق” كما يصفه السيد مقتدى الصدر، وما يطلق عليه تمثلاً بلبنان “غازي كنعان العراق”، لم يكتفِ بإدارة الوضع من طهران. ويبدو أنّ قلقه من وقوع “الحريق الشيعي” دفعه للقدوم إلى بغداد علناً، لأنّه عادة يأتي ويذهب سرّاً. خلال زيارته التي استمرت أياماً معدودة عمل أساساً على “إزالة التوتّر القائم بين المالكي والحكيم”. ونجح كما يبدو في التوصّل إلى “ميثاق شرف لوقف الحملات المتبادلة”. لكن كما يظهر فإنّ الاتفاق بقي هشّاً. وما ساهم في استمرار هشاشته أنّ سليماني لم يلتقِ مقتدى الصدر في إشارة إلى ارتفاع منسوب القلق الإيراني من مواقفه العراقية ومعارضته للتدخّل عبر الميليشيات الشيعية في سوريا.

واستناداً إلى كل ما تسرّب من نشاط الجنرال سليماني الذي يُعتبر قائد الجبهة الفعلي في سوريا، أنّ قلقه لم ينحصر في وأد نار الخلافات الشيعية – الشيعية وإنّما أيضاً في تدعيم التدخّل العراقي في سوريا، ولذلك شدّد على وجوب استمرار حصار الأنبار من جهات ثلاثة وترك المنفذ على سوريا منفذاً مفتوحاً لكل الميليشيات، خصوصاً وكما أبلغ سليماني أنّ الاستراتيجية الإيرانية في دعم الأسد مستمرة وضرورة استمرار دعم الحكومة العراقية القادمة لهذا الخط.

نوري المالكي، الذي تعرّض مؤخراً لأزمة ثقة في علاقاته مع طهران رغم زيارته لها ولقائه بالمرشد آية الله خامنئي، رفع سقف تعاونه الميليشياوي في سوريا مطيحاً بكل “الخطوط الحمر” لإرضاء طهران وخصوصاً الجنرال سليماني. ومن أبرز ما قام به “زرع” بعض الوجوه الميليشياوية التي تقود المقاتلين الشيعة في سوريا ضمن قوائمه الانتخابية، وهكذا ضمّ إلى جانبه كلاً من:

* قيس الخزعلي زعيم “عصائب أهل الحق” التي اتهمها سابقاً ورسمياً بالإرهاب.

* واثق البطاط زعيم “جيش المختار”، المتهم بالإرهاب.

* فالح الحربشاوي المعروف باسم مصطفى خزعلي زعيم كتيبة “سيد الشهداء” من “كتائب حزب الله العراقي”.

* جمال جعفر محمد المعروف باسم أبو مهدي المهندس وهو أبرز العراقيين القريبين من الجنرال سليماني.

في هذا الوقت ماذا تفعل الولايات  المتحدة التي تقول الأوساط العراقية إنّها “متعبة من الحالة العراقية وقلقة من الوضع في الأنبار وتوسّع القتال فيها”؟ أوفدت واشنطن بريت ماكقورك مساعد وزير الخارجية لشؤون العراق إلى بغداد. دائماً “الصدقة خير من ميعاد”، أو على الأرجح كما يقول العراقيون ليس في الأمر “صدفة”، فقد وصل أثناء تواجد الجنرال سليماني في بغداد، وإذا كان اللقاء بينهما غير مؤكد لكنه يبقى محتملاً جداً. ما يعزّز احتمال اللقاء المباشر أو غير المباشر وانّ سليماني كان يتواصل مع الجنرال بتيراتيوس عبر الرسائل الهاتفية عندما كان في العراق، انّ واشنطن وطهران لديهما هدفاً مشتركاً وهو حل الخلافات الشيعية – الشيعية من جهة والخلافات السنّية – الشيعية، حتى لا تفلت الأمور من يديهما، أمّا الباقي فلا مانع من استمرار الخلافات حوله. وإذا كانت طهران تريد استمرار الدعم لبقاء الأسد، فإنّ واشنطن تغض الطرف عن استمرار الدعم الميليشياوي العراقي للأسد حتى تستمر حرب الاستنزاف كما تراها لإيران وحزب الله وروسيا.

نوري المالكي، يلعب ويناور معتمداً على “طول نَفَسه”، فهو إذا نجح في تشكيل أغلبية ومن ثم الحكومة فهو رابح، أما إذا خسر فإنّه يستطيع أن يناور ويطيل الصراع والبقاء رئيس حكومة تصريف أعمال حتى يقع التغيير المطلوب.

السابق
22 قتيلاً لمنظمة اطباء بلا حدود في افريقيا الوسطى
التالي
إيران والسعودية: نحو تهدئة ضرورية