الصراع على الخلافتين!

 الصراع المكشوف بين المحافظين المتشدّدين من جهة ومن جهة أخرى “الروحانيين” والإصلاحيين، ليس بحاجة للعبة فيديو، لمعرفة حجم الأحقاد الدفينة في أوساط الجبهة الأولى. اللعبة التي انتشرت بسرعة في طهران، جعلت من مير حسين موسوي والشيخ مهدي كروبي (الزعيمان الإصلاحيان المحتجزان في الإقامة الجبريّة) والرئيس الأسبق محمد خاتمي أهدافاً للقتل “للشباب الموالين للثورة الإسلامية” والذين يريدون التصدّي لمثيري الفتنة، في إشارة إلى القيادات الإصلاحية مما يطلق عليها فتنة 2009. الجهاز الرسمي المختص بتراخيص ألعاب الفيديو، أنكر صلته بالعمل، وادّعى أنّ المصمّمين لم يطلبوا ترخيصاً. مهما يكن مصير الشريط، سواء منع أو سمح بيعه، فإنّ “الرسالة” وصلت في وقتها، ذلك أنّ تزايد المطالبة بإطلاق سراح موسوي وكروبي أو محاكمتهما، لم يعد من الممكن تجاهلها ولذلك فإنّ المحافظين المتشدّدين يريدون وقف الحملة بدواعي الخطر والسلامة على الأمن العام وحتى الشخصي للزعماء الثلاثة، وربما غيرهم في قائمة سرّية.

 المحافظون المتشدّدون، لا يخافون من إطلاق سراح موسوي وكروبي لشخصهما، وإنّما لأنهم يخافون من خسارتهم تدريجياً السلطة وفي المستقبل للمفاتيح الأساسية لمواقع القرار. ما يعزّز هذه المخاوف، أنّ النائب علي مطهري (ابن آية الله مطهري وصهر علي لاريجاني) كشف بأنّ “الإصلاحيين” الذين هم “سلاح ذو حدّين”، سيفوزون في الانتخابات التشريعية عام 2016 ممّا يعزّز حضور الرئيس حسن روحاني ويضع إيران في مسارات جديدة بعيداً عن مسارات العقدين الماضيين. ما يعزّز قلق المحافظين المتشدّدين، تقدّم المحادثات الإيرانية مع مجموعة خمسة+1 إلى درجة الاتفاق على أكثر من 60 في المئة من المشروع وتوقع التوقيع على الاتفاق النهائي في 20 حزيران المقبل. هذا النجاح سيسجّل حُكماً في خانة “الروحانيين”، حتى ولو قال المحافظون إنّ روحاني لم يخرج عن توجيهات المرشد آية الله علي خامنئي “قيد أنملة واحدة”.

ولا شك أنّه سيتعزّز دور “الروحانيين” و”الإصلاحيين” شعبياً، لأنّ التوقيع على الاتفاق النهائي في الملف النووي سيؤدي حُكماً إلى رفع العقوبات الاقتصادية ولو تدريجياً، ويُعيد النشاط والنمو إلى الاقتصاد الإيراني، ممّا سيخفّف الضغوط المالية على الإيرانيين. وهذا كلّه سيسحب “بساط الشعبية” من تحت أقدام المحافظين المتشدّدين ويجعلهم يدفعون ثمن سياساتهم التي أنتجت وضعاً اقتصادياً أقل ما يُقال عنه أنّه “وضع كارثي”.

 أطرف الخطابات الصوتية التي تعمل على مواجهة الخطاب المعتدل والانفتاحي للرئيس حسن روحاني، ما قاله أحمدي نجاد الرئيس السابق، الذي لزم الصمت منذ الانتخابات الرئاسية وفشله في تمرير صهره رحيم مشائي خليفة له، ظهر فجأة على المسرح السياسي ليعلن في عبدان أنه سيبقى “صامداً إلى أن يرفرف علم الشهداء فوق البيت الأبيض”. كما شبَّه موقع الكتروني تابع لنجاد بأنّه “بركان صامت إذا انفجر سيدمّر الجميع”.

 الرئيس روحاني ردّ على نجاد دون أن يذكره بالاسم بوصفه بأنّ عهده مثل مبنى منهار، مضيفاً: “في الأشهر الماضية لم نقم سوى بإزالة حطام سياسته”.

 إيران التي تعيش علناً على وقع هذا الصراع المكشوف، يتطوّر فيها منافسة مستترة، لا يكشف أحد من “لاعبيها” حقيقة هدفه، وإن كان المتابعون يرصدون بدقّة إلى أين تؤدي اتجاهات كل كلمة من كلماتهم. تتمحور المنافسة على “خلافة” الولي الفقيه خامنئي، مع أنّ لا شيء يؤشّر إلى قرع “جرس” الخلافة طالما أنّه لن يستقيل بإرادته، وليس مريضاً بشدّة خارج ما يُشاع منذ سنوات عن وضعه الصحي الدقيق. المنافسة حتى الآن في تقدّم المرشحين للخلافة خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء، حتى لا يقضي المرشد بما له من صلاحيات مطلقة على مشروع أي واحد منهم. لكن لم يعد الشيخ هاشمي رفسنجاني يخفي كثيراً “حقّه” بالخلافة، وهو الذي “صنع خامنئي” كما قال مراراً، وما يشجّع رفسنجاني حالياً، أنّه هو “صانع” انتصار حسن روحاني، بعد أن أقصاه “مجلس صيانة الدستور” عن الترشح. وكان من أبرز أفعال رفسنجاني التي وضعته في الواجهة، رفضه العلني لتولي خطبة صلاة الجمعة بعد “أن تدنّى مستواها”، مضيفاً وكانّه يوجّه كلامه لخامنئي الذي يختار الخطباء ذوي المستوى المتدنّي، فيقول: “يتطلب إلقاء خطبة صلاة الجمعة بذل جهود وممارسة عمل جدّي من أجل التحدّث في شكل صحيح وناضج”.

ويبدو أنّ القلق من “هجوم” رفسنجاني لتولّي الخلافة وهو الخبير في إدارة المعارك السياسية، دفع أحمد خبئي رئيس “مجلس صيانة الدستور” إلى التحذير من محاولة جماعات “التسلّل إلى مجلس خبراء القيادة (الذي يتولّى انتخاب المرشد ويقيله) وبالتالي احتلال هذا المعقل”.

في هذا الوقت، رفع آية الله مصباح يزدي منسوب “تقرّبه وتملّقه” للمرشد خامنئي، ليكون الخليفة المختار والمدعوم منه، إلى درجة تقبيل قدميه الموثق بالصوت والصورة. ويعتبر يزدي مرجع “الطالبانيين” الشيعة، ويوزّع يزدي تكفيره على كل مخالف له. وقد وصل في دعمه لنجاد إلى درجة القول “إنّ طاعة نجاد تعني طاعة الله”. وهو في الأصل يخالف مبدأ الجمهورية الإسلامية ويشدّد على قيام “الحكومة الإسلامية”، وهو يرفض “المواطنة” على النسق الغربي، ولذلك فإنّ الوصول إلى المناصب العامّة يتقرّر على معايير الكفاءة الأخلاقية وليس الحقوق الدستورية أو الطبيعية”. في الوقت نفسه وكأنّ يزدي يمهّد لمشكلة كبيرة تتعلق بصلاحية خامئني نفسه تحت حجّة الدفاع عنه فيقول مؤخراً: “القيادة غير قادرة على حل مشاكل البلاد”.

إذا كانت القيادة غير قادرة على حل المشاكل، فلا يبقى لحلّها إلا اختيار قيادة جديدة. فهل دقّت الساعة؟ وكيف؟

 

 

السابق
القوى الامنية صادرت من عرسال 9 سيارات مسروقة
التالي
اجتماع فلسطيني في عين الحلوة برئاسة أبو عرب