الإنذار الأميركي… وتسييل الأزمات

جديدان في الميدان السياسي، إنذار أميركي برسم أنقرة يحذّرها من التورّط المباشر في الأزمة السوريّة، ورد ذلك بعد إسقاط طائرة الـ«ميغ» السوريّة بمضادات تركيّة. وتفاهم أميركي ـ روسي على العودة إلى الحوار الهادئ لمعالجة الأزمة الأوكرانيّة، واستطراداً الأزمة في سوريا.
إحتجّت موسكو بغضبٍ لدى واشنطن، إثر سقوط الـ»ميغ»، وهدّدت بتداعيات خطيرة قد تجرّ المنطقة إلى حرب غير مسبوقة ما لم يوضَع حَدّ لهذا المخطط التركي – الأطلسي بنحو حازم ونهائي، وهذا ما دفع وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري الى الإتصال مباشرةً بنظيره الروسي سيرغي لافروف، وانعقد لقاء بينهما قبل أيام تفاهما خلاله على إطلاق مسارين سياسيين لحلّ الأزمة في كلّ من أوكرانيا وسوريا.
وتزامنَ هذا اللقاء بعد المحادثات التي أجرها الرئيس الاميركي باراك أوباما مع الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز، حول ضرورة الحلّ السياسي في سوريا، إنطلاقاً من أنّ تزويد المعارضة أسلحةً نوعيّة ومضادات جوّية سيثير مخاوف كلّ من روسيا وإيران، ويؤدّي إلى تعقيدات قد تدفع بالأوضاع نحو مواجهات شاملة تعرّض أمن الخليج واستقراره للخطر.ووسط هذا المناخ من الاحتواء والتهدئة استأنف كيري مساعيه مع كلّ من الفلسطينيين والإسرائيلييّن لمعالجة النقاط الخلافيّة. لم تكن إيران بعيدةً عن هذا المناخ، إنّها تنتظر إشارات مُعينة من واشنطن لمعرفة ما إذا كانت الرياض مستعدّة لملاقاة سياسة اليد الممدودة؟

حتى الآن الإشارات واعدة، قمّة الكويت لم ترسمِل الموقف السعودي من الأزمة في سوريا، ولم تمكّن رئيس الائتلاف السوري المعارض أحمد الجربا من احتلال مقعدها في القمّة، أمّا القرارات فكانت واضحة، ليس من حلّ عسكري، ولا بدّ من حلّ سياسي.

في الخليج الوضع غير مريح للسعودية، قطر ماضية في مدّ شبكات التعاون مع إيران، سلطنة عمان غير بعيدة، الكويت مع سياسة تدوير الزوايا، دولة الإمارات غير مستعدّة للمواجهة العسكريّة في شأن الجزر الثلاث، أمّا الولايات المتحدة فقد نصحت المملكة بفتح الأبواب وسيعةً أمام الرئيس الايراني حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف.

حزب الله المُطّلع والمتابع لم يأتِ بجديد، إنّه في دوّامة الانتظار، خطاب أمينه العام السيّد حسن نصرالله الأخير كان من باب تأكيد المؤكّد في انتظار إشارات واشنطن، والبدء بمرحلة التقارب ما بين الرياض وطهران بإشراف الولايات المتحدة، وأيضاً بمرحلة البحث في الملفّات الإقليميّة والشرق أوسطية ما بين واشنطن وطهران.

وفي الانتظار قرّر حزب الله خوض جولة من تصفية الحسابات مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان طالما إنّه لم يطرأ أيّ جديد يمكن الركون إليه على شاشة الإستحقاق الرئاسي حتى الآن. لم يكن حزب الله وحدَه في هذه الجولة، بل كان هناك المحور المتعاطف مع النظام السوري، من رئيس تيار «المرَدة» النائب سليمان فرنحيّة، الى حزب الله، إلى الأمير طلال إرسلان، إلى الحزب السوري القومي الإجتماعي، إنّها مرحلة شدّ الحبال، وتصفية الحسابات مع سليمان في نهاية عهده، إنتقاماً من مواقفه السابقة التي لم يستسِغها النظام السوري، وأيضاً من المواقف الأخيرة حول المعادلة الخشبيّة، إلى التورّط في سوريا، إلى الخروج عن «إعلان بعبدا».

أثبت اللبنانيّون، مرّة أخرى، أنّهم عاجزون عن لبننةِ الإستحقاق الرئاسي، وهم في حاجة إلى قوّة خارجيّة تدفع بهم إلى انتخاب رئيس للجمهوريّة. طاولة الحوار الوطني كانت بمثابة امتحان للإرادات، فغابَ مَن غاب، وحضرَ مَن حضر، وكانت الروح الميثاقيّة المتضرّرَ الأكبر.

أهمّية هذا اللبنان، لا بل فلسفة وجوده، تكمن في أنّه مساحة حوار وحرّية بين مجموع 18 طائفة ومذهباً، وعندما يتعطّل هذا الحوار وتحلّ مكانه المقاطعة والقطيعة، يفقد ميزته، ويصبح كغيره من الدول التي تخضع لأنظمة القمع.

السابق
في كسب: لن ننتظر جالسات ليأخذونا سبايا
التالي
اقفال الطريق من رياض الصلح في اتجاه جامع الأمين ومن “النهار” في اتجاه وسط بيروت