مزارعو التبغ على موعد مع الأرض

لو كان للأرض أن تحكي، لشهدت على راحات وأنامل تآكلت نعومتها بين أثلام خشنة، لحكت تربتها عن نقط من عرق انسالت بين تجاعيد التعب التي حفرتها سنوات المر على الجبين، لحكت عن رذاذ ذلك العرق الذي تناثر غيثا على شتلات خضر ربطت بها مصائر عائلات واحلام اطفال.

إنه موسم زراعة التبغ، وموسم غرسه وقطافه وشكه، موعد ثابت للجنوبي مع تعب يمتد «من الفجر إلى النجر»، وأيام من حنظلة العوز عملت فيها طعنات المناطيع وشكات الميابر وتنطيدات الفقر والاهمال في صناديق الحاجة.
آذار ونيسان، وموعد ثابت لمزارعي التبغ في الجنوب اللبناني للبدء بموسم زراعي جديد، فتتحول الحقول المحروثة على امتداد الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة من عيتا الشعب ورميش ويارون ومارون الراس، وصولاً إلى عيترون وبليدا إلى ميس الجبل إلى جبهة زراعية واحدة حيث لا يكاد المشهد يختلف من بلدة إلى أخرى، ففي كل حقل أسرة جنوبية من صغيرها إلى كبيرها تتعاون على زراعة الدخان ولكل مهمته ودوره.

الخامسة فجراً هو موعد توجه المزارع محمد مراد ابن بلدة عيترون وعائلته الى الحقل الواقع في منطقة «الكيلو تسعة» الحدودية، وهو موعد جميع المزارعين، حيث يبدأ جنباً إلى جنب مع ابنه الأصغر بغرس أولى الشتلات، وتمتد هذه المهمة إلى ساعات طويلة تحددها درجة حرارة الشمس، فإذا كان الطقس مقبولا فان العمل اليومي يمتد إلى وقت الغروب.
وتروي أم علي عن مراحل هذا الزراعة التي تبدأ بغرس البذور في مشاتل خاصة خلال شهر شباط، فتروى، وترش بالأدوية والمبيدات الزراعية حتى تصبح شتلات صالحة للزراعة فيبدأوا بنقلها إلى الحقول في منتصف آذار، وتضيف «اثناء البدء بزراعة الدخان يضطر بعض الناس إلى أن يغلقوا مصالحهم للتوجه إلى الحقل لمساعدة العائلة حتى أن الطلاب يتغيبون عن مدارسهم لمساعدة الأهل، مشيرة إلى أن «زراعة الدخان ليست سهلة ولكنها تساعد في تعليم الاولاد او تزويجهم او تحسين ظروف عيشنا».

الشكوى، هي كلّ ما يمكن سماعه من مزارعي التبغ. وهم الذين يعانون هذا العام من شح في المياه ما قد يؤدي الى تدني الانتاج، بالاضافة الى تغيّر المناخ بين عام وآخر، الذي يجعل من زراعة التبغ أشبه بمغامرة قد تؤدي الى خسارة جهد عام كامل من التعب.
يقول المزارع ايلي طنوس من رميش: بلدات بكاملها سوف تتضرر في العام الحالي، مثل عيترون ورميش وعيتا الشعب وبليدا، و ميس الجبل، التي يعتمد معظم المقيمين فيها بنحو رئيسي على زراعة التبغ، وسينعكس ذلك على الحركة الاقتصادية في المنطقة اذا ما تضرر الموسم.

أما عن المطالب التي تتكرر بتكرار مواسهم، فيلخصها طنوس، بضرورة شملهم بخدمات الضمان الاجتماعي لا سيما التغطية الصحية ونهاية الخدمة، ورفع سقف الإنتاج وتحسين سعر شراء الكيلو اسوة برفع أجور الموظفين، متسائلا ألا يحق لنا غلاء معيشة كما غيرنا من العاملين في القطاعين العام والخاص الذين حصلوا على زيادات على رواتبهم بينما لا تزال الاسعار في زراعتنا ثابتة منذ سنوات.

السابق
حزب الله والتقدمي في حاصبيا: للمحافظة على امن المنطقة اجتماعيا وسياسيا
التالي
وسام الأرز الوطني لغسان صياح