بكركي تُسقِط معادلة «أنا أو الفراغ»

لم تشأ بكركي أن يغيب عن صرحها من هم ليسوا “أقطاباً” في القاموس السياسي اللبناني. فبعض هؤلاء أيضًا مرشحون للانتخابات الرئاسيّة وأسماؤهم واردة في حملة الاستمزاج التي تدوّنها جدران الصرح ودفاتره. من أجل هؤلاء الغائبين لحاجة البطريرك الى الاختلاء بالقادة الموارنة الأربعة ليلة الجمعة فُرِدت طاولة عشاءٍ في بكركي منذ ساعاتٍ بدا الاستحقاق الرئاسي بتفاصيله المكررة بطل أطباقها.

لبكركي موقفٌ واضح أعلنه سيّدُها. إصرارٌ على إجراء الانتخابات في موعدها، رفضٌ للتمديد أو التجديد، حرصٌ على ديمقراطية انتخاب الرئيس الجديد، وسعيٌ الى أن يكون قوياً قادراً على تحمّل مسؤولياته الوطنية. كلّ تلك المبادئ ساهمت في فرض بكركي إيقاعها. لم تعد أمام الصرح فرصةٌ للتنصّل أو التراجع وهو الذي انغمس سيّدُه في لعبة الاستحقاق. فماذا يحدث في كواليس الصرح الماروني؟ وماذا بعد لقاء الأقطاب والعشاء الاستكمالي؟

لقاءاتٌ مكثّفة

لا كلام يُضاف الى ما قاله البطريرك مار بشارة بطرس الراعي والذي من خلاله وضع الكثير من النقاط على الحروف. تلك النقاط ليست سوى مبادئ تؤمن بها بكركي وتصرّ على التمسّك بها بعدما وجدت أنها الفرصة الذهبيّة لإعادة بصماتها الى القرارات الوطنية المصيريّة متسلحةً بمذكّرةٍ تاريخيّة تمهّد لولادة لبنان ولولادة بطريرك استقلال جديد من بلاد حملايا. بديهيٌّ أن يحضر الاستحقاق الرئاسي على شفتي الراعي أنّى حلّ ومع أيّ جهةٍ اجتمع وهو الذي أطلق عجلة الانتخابات خشية وقوع أحد المحظوريْن في الموقع الماروني الأرفع: التمديد او الفراغ. وعلمت “صدى البلد” أن “الصرح يُعدُّ للقاءاتٍ مكثّفة من قبيل لقاء الجمعة تسبق الإعداد لانتخابات 25 أيار لوضع اللمسات الأخيرة على موقفٍ مارونيٍّ جامع يروق لبكركي توصيفه على لسان مصادر كنسيّة بـ”حصر الاستحقاق” أي بمعنى حصر الأسماء تماشياً مع حصر التاريخ المرسوم سلفاً دستورياً، ولهذه الغاية يسير استمزاجها قدماً”.

مسار الصرح…

وتؤكد مصادر كنسيّة لـ”صدى البلد” أن “الاستمزاج الذي تحدّث عنه الراعي لا يعني أن الصرح يجنّد العاملين فيه للإمساك بورقةٍ وقلم وتدوين آراء الناس في الشارع أو تكليف شركةٍ متخصصة للاضطلاع بهذه المهمّة، بل يعكس حقيقة مسار بدأ الصرح ينتهجه مع كلّ من يزوره من فاعليات البلاد المدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والطبيّة والنقابية وسواها لمناقشة المذكّرة الوطنية، مستفيداً من وجود هؤلاء لطرح ملف الاستحقاق الرئاسي واستمزاج آرائهم في المواصفات المطلوبة للرئيس الجديد”. ولفتت المصادر الى أن “العشاء ولد بتداعي مجموعة من الفاعليات من كلّ الكتل لمعايدة البطريرك لمناسبة عيد البشارة”.

هنا دور بكركي…

ليست في بكركي أرقام أو إحصاءات، بل مجرّد آراء يجمعها الصرح في أوراقٍ خاصّة من مختلف شرائح المجتمع اللبناني وتحديداً المسيحي منه، والبطريرك يصغي جيداً الى ما يقوله هؤلاء الذين يتوافدون اليه بشكل متواتر من دون أن يكون همُّه الدخول في لعبة الأسماء. وعلمت “البلد” أن “عدد الأسماء الواردة على ألسنة المُستمزَجة آراؤهم غير محدد بعد، إلا أنها لا تخرج عن إطار الشخصيات المعروفة والمطروحة أصلاً للرئاسة والتي باتت على كلّ لسان وفي “مسابقات” التصويت المطّردة تلفزيونياً وإلكترونياً. وهنا يكمن دور بكركي في خواتيم هذا الاستمزاج في إظهار الأسماء التي تلقى شبه إجماع من كوادر البلاد وأصحاب الكفاءات، وكلّ ذلك في حال لم يكن هناك إجماعٌ على اسمٍ واحد أو في حال تلكأ الأفرقاء عن انتخاب رئيسٍ بحجّة الاختلاف على الأسماء”.

هذا هو الفرق…

ولكن هل يمكن القول إن الاستحقاق الرئاسي هو استحقاق بكركي أولاً؟ تجيب المصادر الكنسيّة: “ليس فعلاً، هو استحقاق اللبنانيين أجمعين ولكن الفارق هذه المرة أن بكركي تعيش حالة حراك واسعة النطاق بدل الجلوس متفرّجة مكتفيةً بإبداء الرأي من بعيد”. وختمت: “فليتوقّع اللبنانيون أن يشهد الصرح لقاءاتٍ شبيهة بذاك الذي احتضنه منذ أيام”. علمًا أن هذه اللقاءات تهدف في الدرجة الأولى – معززة بالاستمزاج- الى حصر الموضوع الرئاسي على مستوى التوقيت والأسماء لترسيخ استحقاق أكيد في وجه الفراغ.

كي لا يكونوا أبناءً ضالّين

إذا ترفع بكركي هذه الأيام شعار “حصر الاستحقاق والعمل على إنجازه”… شعارٌ ينام صاحب الغبطة ويستفيق على هاجس ترجمته في البرلمان بعد أقلّ من شهرين… يعلم الكاردينال أن مسؤوليّته جسيمة وأن البيت الماروني الأول الراقد على حلم لبنان كبيرٍ ثانٍ لا يمكنه أن يسمح للموارنة بالرسوب في امتحانهم الوحيد الذي لا يتجدد إلا كلّ ستّ سنوات ولا أن يكونوا أبناءً ضالين يعمل كلٌّ منهم وفق معادلةٍ يتيمة: أنا أو الفراغ. في بكركي هذه المعادلة فعلٌ باطل… لا بل خطيئة وطنية.

السابق
وفد من مياومي بعلبك التحق بالمعتصمين امام مجلس النيابي
التالي
ريما كركي تعود بـ«like هالحكي like»