رياض سلامة خيار الراعي لقصر بعبدا

لم يعد تعديل المادة 49 من الدستور من المحظورات، بعدما فتح البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الباب امام احتمال تعديله، وسط كلام يتردد عن تأييده خيار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة

حين انتخب حاكم مصرف لبنان الياس سركيس لرئاسة الجمهورية، في أيار عام 1976، لم تكن المادة 49 تقف عائقاً امام تسلّمه الرئاسة خلفاً للرئيس سليمان فرنجيه. وحين انتخب قائد الجيش العماد فؤاد شهاب رئيساً، لم تكن المادة 49 من الدستور لتمنعه من الوصول الى القصر الرئاسي، ولم يحتج حينها الى سنتين لتقديم استقالته من الجيش ليخلف الرئيس كميل شمعون. فالمادة 49 من الدستور كانت تقف، في صيغتها التي سبقت اتفاق الطائف، عند كيفية الاقتراع لانتخاب الرئيس فحسب.

في الطائف عُدّلت المادة المذكورة لتضاف اليها الفقرة الاخيرة، التي تقول: «لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الاولى وما يعادلها في كل الادارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الاشخاص المعنويين في القانون العام مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم وتاريخ احالتهم على التقاعد».
من شارك في أعمال الطائف، يعرف تماماً خلفيات اضافة هذه الفقرة الى النص الدستوري، في اعقاب تجربة قائد الجيش آنذاكك العماد ميشال عون في الحكم وترؤسه الحكومة العسكرية بعد خروج الرئيس امين الجميل من قصر بعبدا. ولم يفت الرئيس حسين الحسيني، في الجلسة النيابية العامة التي نوقشت فيها التعديلات الدستورية في 21 آب عام 1990، ان يؤكد خلال النقاش في المجلس ان الاتفاق جرى بين النواب على هذه النقطة في الطائف. وقال: «تكلّمنا في هذا الموضوع في الطائف نتيجة معاناتنا والطريقة التي حصلت في السابق، عنينا بعض الوظائف المحددة، قائد الجيش. حاكم مصرف لبنان، عنينا هذه الوظائف التي لرئيسها امكانية توظيف مقدرات الدولة لخدمة مصالحه الخاصة من اجل وصوله الى رئاسة الجمهورية». ما يعني ان هذا الجزء من المادة، فُصّل حينها على حساب الاشخاص (ومعظمهم من النواب الموارنة الذين ايّدوا هذا الجزء خلال جلسات الطائف) ولم يكن في اساسيات النقاش الدستوري الذي كان جزءاً من الخلاف السياسي في البلد آنذاك.
اليوم تعود المادة 49 الى الضوء مجدداً، مع بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد خلفاً للرئيس ميشال سليمان، ولا سيماا بعد الموقف الاخير للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى برنامج «كلام رئيس»، حول تعديل المادة 49 من الدستور.
لم يكن الكلام مفاجئاً لمن هم على صلة بالراعي، وعلى بينة من الاتصالات التي يجريها محلياً واقليمياً. فالبطريرك الماروني لمم يقفل الباب امام المبدأ العام الذي لطالما تشبثت بكركي به، وهو احترام الدستور وعدم اللعب به. وهو وإن اعطى في الجزء الاول من كلامه، انطباع التمسك بعدم التعديل، الا انه منح بركته للتعديل الدستوري، في حال الاضطرار إلى مثل هذه الخطوة.
التبس على البعض فهم ما يريده الراعي من كلامه، الذي أوحى بموافقته المبطنة على التعديل في حال الضرورة القصوى، التيي تحتّم انتخاب رئيس بأي ثمن، ومن هو الشخص الذي يرغب فيه الراعي مرشحاً، ولا سيما ان المادة المقصودة تعني شخصين فحسب: حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وقائد الجيش العماد جان قهوجي.
برز في كلام الراعي شقّان، الاول الضغط الذي يمارسه من اجل التسريع في عقد الجلسات، وتصويبه على الرئيس نبيه بريي للاستعجال في عقد الجلسات. مع العلم، وبحسب ما تقول مصادر سياسية مطلعة، فان الراعي يعلم تماماً ان بري لا يمكن ان يخطو خطوة ناقصة في هذا المجال، فيما الظروف المحلية والاقليمية لا تسمح بانتخاب رئيس للجمهورية في الوقت الراهن، وأي رئيس جديد لا يمكن ان ينتخب في اول جلسة نيابية وسط الانقسام الحاد في البلد».
الا ان استعجال الراعي فُهم، في بعض الاوساط، كأنه استعجال للوصول الى المأزق الدستوري وعدم النجاح في اختيار احدد المرشحين الفئويين، الامر الذي يسمح حينها بطرح مرشحه التوافقي.
كان الجزء الاخير من كلام الراعي هو الاكثر وضوحا في التصويب على الوضع الاقتصادي والمعيشي كأحد الاهتمامات الاوليةة والضرورية لوصول المرشح القادر على خلق فرص العمل وتحسين الوضع الاقتصادي، برغم ان العادة جرت أن تخاض معركة الرئاسة بشعارات سياسية وامنية وقانونية ودستورية، ومن ثم اقتصادية، ولم يكن الهم الاقتصادي بنداً اول في برنامج عمل الرئيس الجديد للجمهورية.
وكلام الراعي جاء ليعطي التلميحات الحقيقية الأولى عن الخيارات التي ينحاز اليها منذ اشهر، لا منذ اسابيع. وتحديداً منذ انن بدأت بعض الشخصيات المارونية في عالم الاعمال والاغتراب تجيّش اوساطها المالية والاغترابية لمصلحة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وهي شخصيات على علاقة وثيقة بالراعي، ومعروفة بالتنسيق معه.
في الاونة الاخيرة، كان الراعي يعطي اشارات واضحة وايحاءات ومواصفات تتعلق بالخيارات الاقتصادية والمالية لمرشحي الرئاسة،، والعناوين الاقتصادية لبرنامجهم. والحلقة التي كانت تعتقد ان مرشحه الاول هو الوزير السابق روجيه ديب، ايقنت قبل مدة وجيزة ان بكركي في صدد اعطاء مواصفات مختلفة، يفهم منها ومن دون قول مباشر هوية المرشح المالي الرئاسي. وفي اماكن ضيقة ومقفلة، كان خيار بكركي يصبح اكثر وضوحاً. لا تريد بكركي عسكريا ولا تريد مرشحين من 8 و14 آذار. وهو خيار وصل الى مسامع كل من راجعها من المؤثرين الاقليميين والدوليين. فتعديل المادة 49 يجوز ببركة الصرح البطريركي، لكن على ما يبدو لحساب حاكم مصرف لبنان.

السابق
هل ينجح سمير جعجع بتكرار تجربة بشير الجميّل في الوصول إلى الرئاسة الأولى؟
التالي
كيف تعرف ان جهازك مخترق ؟